المشهد العراقي بعد الزرقاوي وهل ستتغير قواعد اللعبة..

 

شكل مقتل ابو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين واحد ابرز زعماء التمرد، نصرا ولو رمزيا لحكومة نوري المالكي التي تستعد لشن حرب بلا هوادة على المتمردين، لكن المحللين يعتبرون ان مقتله لن ينهي العنف.

ولكن كيف سيكون المشهد العراقي بعد الزرقاوي وهل ستتغير قواعد اللعبة وهل سينتهي الارهاب ام تبدأ مرحلة جديدة..؟

يقول موفق الربيعي مستشار الامن الوطني لوكالة فرانس برس ان «الجهود التي بذلت من اجل ملاحقة الزرقاوي ستركز من الان فصاعدا على سائر المتمردين وخطتنا تقضي بملاحقة العناصر الاقل اهمية».

ويرى جوناثان ستيل الذي كتب في الغارديان تحت عنوان مات الزرقاوي لكن الطريق غير واضح بعد، ان قتل ابومصعب الزرقاوي، الذي نصب نفسه زعيما للقاعدة في بلاد النهرين، اثار شعورا بالارتياح لدى الكثيرين من العراقيين الذين كانوا يرون فيه مجرد مهندس لحملة إرهابية تستهدف اثارة حرب اهلية في ظل حالة الفوضى القائمة في البلاد. ويبدو ان هذه النظرة كانت صحيحة، فباعتباره اصوليا سنيا، كان الزرقاوي يعتقد ان الشيعة مسلمين غير حقيقيين، وهذا ما جعله يستهدف مع مجموعته اماكنهم المقدسة اولا ثم بدأ شن الهجمات عليهم واختطافهم من اماكن عملهم بعد ذلك.

ويضيف: ان الزرقاوي وغيره من الجهاديين الاجانب كانوا اقلية دائما داخل المقاومة العراقية اذ لم يتجاوز عددهم ابدا ما نسبته %10 من المقاتلين والمتمردين المشتبه بهم الذين قتلهم او احتجزهم الجيش العراقي او قوات الاحتلال. بيد ان هذا لا يحول دون الاعتراف بوقوف عدد من العراقيين الى جانب الزرقاوي، كما ان تأثيره في التحريض على القيام بعمليات تفجير انتحارية كان ملموسا عندما جرى اعتقال امرأة عراقية في عمان كانت ضمن مجموعة مكلفة بالقيام بتفجيرات انتحارية في ثلاثة فنادق في عمان قبل اشهر قليلة. الا ان هذا التأثير سيواجه اختبارا خلال الاسابيع المقبلة، فهل سنشهد تراجعا في عدد الهجمات التي تستهدف المدنيين والشيعة على نحو خاص ام يحدث العكس؟ الحقيقة ان عمليات سفك الدماء كانت مريعة منذ تفجير مرقد لإماميين شيعيين في مدينة سامراء. كما ان قتل السنة على ايدي ميلشيات شيعية مرتبطة بوزارات حكومية كان هو الاخر عشوائيا وشنيعا.

ويختم كلامه بالقول: ان موت الزرقاوي الذي استخدم القتل لاثارة حرب طائفية، يعزز هذه الفرصة الآن، فهل تتحمل الحكومة بعد ان اكتملت اخيرا مسؤولياتها في التصدي بصدق لكل اولئك الذين يريدون استمرار دورة العنف في العراق؟ الرد على هذا السؤال سيأتي مع الايام القليلة المقبلة.

ويرى الاختصاصي الفرنسي في الحركات الاسلامية دومينيك توما «سيكون لمقتله وطأة رمزية بالنسبة للامريكيين الذين سيتمكنون من اعلان انتصارهم، لكن الزرقاوي لم يكن يحظى بامتدادات دولية واسعة بما فيه الكفاية حتى يحدث (غيابه) تغييرا كبيرا».

واضاف توما صاحب كتاب حول الحركة الجهادية بعنوان «لندنستان، صوت الجهاد»، «لا تنسوا انه لم يكن حتى داعية، ولم يكن لديه بالتالي اي تاثير ديني، لم يكن سوى زعيم حرب.انها بالتاكيد هزيمة للتطرف الاسلامي، لكن طالما ان هناك العراق وأراضي اخرى، وافكر هنا في فلسطين ولا شك ايضا الصومال ودارفور قريبا، سيكون في وسع القاعدة ان تعاود انتشارها».

وان كان بعض المراقبين تحدثوا عن «شبكات الزرقاوي»في الخارج وامتدادها حتى الغرب، الا انه تبين اثر تفكيك العديد من الشبكات ان الامر يقتصر على اتصالات جرت بين افراد بهدف نقل عناصر واسلحة واموال الى العراق.

ورأى دومينيك توما ان هذه الشبكات منظمة بشكل جيد ولا شيء يشير الى ان مقتل الزرقاوي سيعوق عملها بشكل فعلي.

وقال ماغنوس رانستورب اختصاصي الارهاب في كلية الدفاع الوطنية السويدية ان «مقتل الزرقاوي مهم على الصعيد المحلي في العراق لانه قد يساهم في القضاء على العنف المذهبي بين الشيعة والسنة، كما قد يحد من الدعم لحركة التمرد، لكن على صعيد اكثر شمولية، لا اعتقد انه سيحدث فرقا كبيرا».

واضاف «من المرجح ان يحل محله شخص اخر في العراق، لكن هذا لن يكون له اي تأثير في العنف على صعيد العالم».

ودعا الخبير الاوروبي في مكافحة الإرهاب فالتير بوشيه الى عدم المبالغة في عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي.

وقال بوشيه الذي يعمل في معهد الاتحاد الأوروبي في باريس للدراسات الأمنية في حديث نشرته وكالة الصحافة النمساوية «ان مصرع الزرقاوي لا يمثل نجاحا كبيرا في الحرب ضد الارهاب اذ لايتوقع ان يتلاشى تأثير أتباعه على الساحة الدولية بسبب رحيله ».

وأضاف «ان بذور ايديولوجية تنظيم القاعدة بدأت تنضج الآن وقد يصبح من السهل بعد موت الزرقاوي مواصلة تسلل عناصر القاعدة»وانضمامهم إلى خلايا المقاومة في العراق.

وقال ان الزرقاوي أثبت أنه قائد مفكر ومتطرف في الوقت نفسه وله قدرة على التأثير والقيادة الأمر الذي دفع إلى ظهوره كنائب لزعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.

ويرى خبير امني في معرض تحليله للمشهد العراقي بعد مقتل الزرقاوي بالقول «يمكن اعتبار الوصول الى الزرقاوي نوعا من «النصر المؤقت» لحكومة المالكي والقوات الامريكية، ولكن المطلوب ان يكون لهذا النصر تأثيره بمرور الوقت»، واضاف ان هناك اكثر من 100 جماعة، تدعي على مواقع الانترنت وابرزها «الحسبة» بكونها تعمل في العراق، منها على الاقل 14 جماعة سلفية عربية واكثر من 80 جماعة عراقية بمختلف الاتجاهات الفكرية منها لواء البراء، وفيلق عمر، ولكن التحليلات الموضوعية تشير الى وجود 50 الف مسلح في بيئة حاضنة تصل الى 60 الف رجل توفر المعدات اللوجستية لعمل 1500 انتحاري يتواجدون بشكل شبه دائم في العراق

وكتب كريستوفر البريتون في الـ «تايم» تحت عنوان: هل يغير موت الزرقاوي قواعد اللعبة في العراق؟ قائلا: من الواضح ان موت الزرقاوي مؤشر على نجاح الخطط الامريكية في ادخال السنة بالعملية السياسية في العراق على الرغم من احتجاجات بعض الشيعة والاكراد على ذلك، اذ رأى الجانب الامريكي ان مشاركة سياسيين سنة في الحكومة مثل عدنان الدليمي وطارق الهاشمي يمكن ان تؤثر في المتمردين البعثيين والاسلاميين وتؤدي تدريجيا الى تحولهم ضد الزرقاوي ويبدو ان هذا ما حدث. ذلك ان البعقوبة، حيث قتل الزرقاوي، هي مركز للجماعات البعثية، وهناك تقارير اولية تشير الى ان عناصر محلية هي التي أرشدت قوات الامن الى مخبئه. والآن، لا يتردد الساسة السنة بعد موت الزرقاوي في الاعراب عن اعتقادهم بأن الوقت قد حان لإنهاء العنف الطائفي ووقف اعمال الميليشيات الشيعية، التي تشارك في عمليات القتل هي الأخرى.

ويتساءل: وماذا بعد؟

تشير كل الاحتمالات الى ان انصار الزرقاوي سينفذون حملة عنف جديدة انتقاما لموت زعيمهم ولتأكيد قدرتهم على الاستمرار في العمليات، لكن اذا كان مقتل الزرقاوي دليلا على استعداد السنة لدخول العملية السياسية، يتعين إذاً ان نشهد تراجعا في أعمال العنف خلال الاسابيع المقبلة.

يرى أنتوني كوردسمان، كبير المحللين المتخصصين بشؤون الشرق الاوسط في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، بأنه: على الرغم من ان موت الزرقاوي انتصار سياسي ودعائي واضح للحكومتين العراقية والامريكية الا ان اهميته تعتمد على شيئين على المدى الطويل: قابلية التمرد على الاستمرار في العراق، وكيف يمكن للحكومة العراقية الجديدة ان تتخذ بعد موت الزرقاوي الاجراءات اللازمة لبناء اجماع وطني يهزم التمرد ويقضي على كل مظاهر العنف في البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين    12/حزيران /2006 -14 /جمادي الاول/1427