السياحة الدينية في كربلاء معوقات كثيرة تحد من تطورها

  

كربلاء هى عاصمة السياحة الدينية في العراق، ولكن واقعها ليس بمستوى اسمها ومكانتها، وذلك لان السياحة لم تكن في يوم من الايام تحظى بالإهتمام المطلوب والمناسب من المسؤولين في الدولة التي تركت الجانب الاكبر من المسؤولية على عاتق القطاع الخاص الذي لا يملك الوسائل العلمية ولا الإمكانات التي تجعله يخطط وينفذ كما ينبغي..

فنادق كربلاء بلا هندسة، والساحات تحولت إلى بنايات وفنادق خنقت المدينة..بينما اختفت المساحات الخضر ليتحول مركز المدينة إلى مكان مكتظ بالوافدين والأهالي..وصارت الأقدام تبحث عن موطيء حتى لا تتصادم الأكتاف مع الأكتاف..والفنادق التي سارع أصحاب رؤوس الأموال إلى تشييدها في كربلاء أملا في الحصول على ربح دائم ومضمون ما دامت كربلاء حاضنة للمزارات والمناسبات الدينية الكبيرة، لم تعد مصدرا من مصادر الدخل لأنها ببساطة عبارة عن بنايات فارغة نتيجة لغياب الزوار الذي يرجع لغياب الأمن.

معاناة أصحاب الفنادق يعبر عنها السيد علي كاظم، صاحب أحد الفنادق، بقوله لوكالة أنباء (أصوات العراق) إن "السياحة في العراق عانت لسنوات طويلة من الإهمال بسبب عدم الاهتمام بالمرافق السياحية في البلد.. على الرغم من امتلاك العراق للكثير من المرافق السياحية والأثرية والطبيعية كالأهوار والشلالات والمناطق الجبلية.. إضافة إلى المواقع الدينية..ومنها مدينة كربلاء التي تعتبر من أهم المدن الدينية السياحية ولذلك اقيم فيها عدد كبير من الفنادق على اعتبار ان العمل والاقتصاد في هذه المدينة يعتمد على عدد الزوار.. واضاف "منذ أكثر من سنتين عانينا معاناة كبيرة جراء عدم وصول الزوار إلى المدينة والسبب معروف وهو الجانب الأمني، ولكن إلى متى تبقى الأمور بهذه الحال..فالمعروف أن بناء الفندق وتوفير مستلزماته يتم إنجازه بتكاليف مادية كبيرة والكثير من زملائنا أصبحت فنادقهم على هاوية الإفلاس." وتابع " نحن نأمل في استقرار البلد وعودة الحياة الطبيعية إلى الشارع."

أما السيد محيي آل طعمة، وهو صاحب فندق أيضا،  فيقول "لابد من الإقرار بدور السياحة الفاعل في بناء اقتصاد العراق وتنميته لما يتمتع به العراق من مرتكزات فاعلة للسياحة كآثار حضارة العراق وما يقرب من 90% من قواعد مزارات الأولياء والأنبياء،  ناهيك عن سياحة المناخ المتنوع في الأهوار والمسطحات والجبال والأنهر وما إلى ذلك.." ويشير الى أن "كل الذي قدم للسياحة كان نقطة في بحر.. فلا خدمات في المدن المقدسة ولا في المواقع الأثرية ولا أدنى مستويات الجذب السياحي ولا فنادق لائقة إلا القليل"،  مضيفا ان "وزارة السياحة هي الجهة المعنية بهذا الأمر وعليها أن تنهض بمهماتها في تطوير السياحة في العراق وبشكل خاص مدينة كربلاء المقدسة.." وتابع "ونحن نعرف أن الجانب الأمني كان أحد الأسباب لهذا التلكؤ حيث تتعرض القوافل السياحية إلى عمليات الاختطاف والسرقة والقتل..ولكن يجب على الدولة أن توفر الحماية اللازمة لدخول وخروج هؤلاء الزوار بهدف تنمية هذا الجانب وخلق مناخات متوازنة لعمل السياحة.."

ومن جانبه،  قال السيد سلام البناي (مدير فندق) إن "السياحة الدينية في العراق فضاء لم يستكشف تماما.. وقد أراد النظام السابق فتح الأبواب على هذا الميدان حيث جنى الكثير وبخاصة من زوار العتبات المقدسة القادمين من إيران والسعودية والبحرين والكويت ومن باكستان وكشمير والحجاج الآسيويين المارين إلى الديار المقدسة..

ولكن النظام وقع في أخطاء كثيرة في تعامله مع هذا الميدان.." واوضح قائلا " فالشركة التي أسسها النظام (للنقل البري) لم تكن بالمستوى المطلوب من ناحية النوع والكم ..وكان همها الأول هو الربح ولم تفتح أبوابها لمساهمات رأس المال الوطني بل اقتصرت على أفراد وعدد من المتنفذين في الدولة.. واتبعت نظام (الوفود) او (المجموعات) الذين يرافقهم منذ لحظة دخولهم الأراضي العراقية حتى لحظة خروجهم منها،  مضيفون يحصون عليهم تحركاتهم فهم يفرضون عليهم حتى الأسواق التي يترددون عليها والمحال التي عليهم أن يتسوقوا منها."

وتابع " أما معاناة أصحاب الفنادق فهي كثيرة ومنها انقطاع الكهرباء.. وشحة الوقود التي يتم تشغيل المولدات بها.." وتتداخل، وربما تتشابه،  مشكلات شركات السفر مع مشكلات أصحاب الفنادق حيث يقول السيد صباح درويش، صاحب إحدى شركات السياحة والفندقة،  إن "الواقع السياحي يحتاج إلى إجراءات فاعلة لغرض تنشيطه والارتقاء به وأبرز إجراء على المعنيين اتخاذه هو تعزيز كوادر متخصصة في هذا المجال والسعي إلى تجاوز بعض السلبيات والعراقيل التي تقف في وجه النهوض السياحي."

واضاف أن "مدينة كربلاء المقدسة تمثل مشروعا سياحيا كبيرا لتميزها في كل المجالات ..فلماذا تقتصر السياحة على العتبات المقدسة حيث هناك مقومات أخرى تمتلكها كربلاء ومنها بحيرة الرزازة وعين التمر وقصر الأخيضر وبعض المناطق التي تحتاج الى إهتمام ورعاية وجانب إعلامي لتصبح كربلاء متنفساً لكل القادمين إليها."

أما أبو محمد مدير إحدى شركات النقل فقال "كنا نأمل أن يسقط النظام لتنتعش السياحة الدينية في كربلاء لان النظام السابق اتخذ طريقة حرمت الكثير من شركات النقل من الاستفادة من أرباح نقل الزوار إلى كربلاء حين اعتمد على شركة واحدة هي شركة الهدى التي كانت شركة أمنية أكثر منها شركة للنقل."

وأضاف"وبعد سقوط النظام دفعتنا الحركة السياحية المتدفقة الى شراء سيارات حديثة وإجراء ديكورات عل مقرات شركاتنا لان الوضع الأمني البوليسي قد ذهب إلى غير رجعة وأبواب السياحة انفتحت على مصاريعها..وكلنا نتذكر كم الوفود التي كانت تصل إلى كربلاء في الشهور الأولى حتى غصت الفنادق والشوارع بعدد الزوار والسياح..ولكن بعد تردي الوضع الأمني أصبحت شركاتنا عبارة عن مكاتب فارغة إلا من تلك الرحلات التي نقوم بها إلى سوريا أو عمان وهي سفرات لا تسمن ولا تشبع أمام ما خسرناه من أموال." وقال إن "بعض الشركات أغلقت أبوابها لان المردود المادي لم يسد حتى أجور العاملين"،  داعيا الله العلي القدير أن "يخلص العراق من أعمال الإرهابيين لينعم هذا الشعب بالأمان ومن ثم نعود إلى الأعمال التي جبلنا عليها ولا نعرف غيرها منذ عشرات السنين."

ولهيئة السياحة رأي يعبر عنه السيد ماجد جياد الخزاعي مدير هيئة السياحة في كربلاء بقوله "في زمن النظام السابق كانت السياحة تقتصر على شركة واحدة وهي مهيمنة على واردات السياحة مما جعل من هيئة السياحة مهمشة وهذا ما جعل السياحة في ركود تام." والأدهى من ذلك،  يضيف مدير السياحة، أن "الشركة اعتمدت على السياحة الدينية فقط دون الانتباه إلى الأنشطة السياحية الاخرى التي تزخر بها مدننا.. إضافة إلى عدم وجود حرية للزائر أو السائح في الحركة حيث كان يفرض عليه برنامج صارم لا يتعدى حدود الأماكن الدينية وهذا ما شكل عبئاً وخسارة على أصحاب الفنادق لأن النشاط لم يكن يغطي جميع الفنادق وكان الاعتماد على عددٍ منها." وأضاف "يوجد في كربلاء بحدود (400) فندق وهذا العدد مسجل لدينا ومجاز من قبلنا وهذه الفنادق بها أكثر من (25) ألف سرير،  ولكن هناك فنادق غير مسجلة وأعتقد أن عدد الفنادق وصل إلى أكثر من (400) فندق بكثير حيث تم تحوير أكثر من 300 منزل لتكون مناسبة لإيواء المجاميع السياحية." ويوضح الخزاعي أن "سقوط النظام السابق أنعش السياحة الدينية ليس من جانب التطور بل من جانب الربح السريع فالأعداد التي دخلت العراق لتؤدي مراسم الزيارة كانت كبيرة جدا مما شكل ضغطا على الفنادق التي لم تعد تستوعب أعدادهم لذلك ظهرت الحاجة إلى البيوت وخاصة من قبل المجموعات السياحية العائلية التي تبحث عن مكان منفرد وهذا ما شكل تراجعا في عملية تطوير السياحة." وتابع "إضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات وأسعار الإيجارات بحيث بات المواطن في تلك الفترة لا يجد مأوى أو بيتا للإيجار..إذ كانت المدينة تغص بالزائرين لعدم انتظام مجيئهم..وهذه العملية استمرت فترة قصيرة من الزمن حتى انقطعت بسبب الأحداث التي شهدتها المدينة والعراق ككل." واشار الى أن المفاوضات التي جرت بين إيران والعراق حول تحديد عدد الزوار وآلية دخولهم وشملت الاتفاق على دخول 1500 زائر أسبوعيا،  أعادت بعض الشيء الروح لهذا القطاع لكنها ما زالت روحا ينقصها الإنعاش الحقيقي ونأمل أن يتحسن الوضع الأمني ليزداد عدد الزوار وتتحرك عجلة السياحة في كربلاء."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد    11/حزيران /2006 -13 /جمادي الاول/1427