جرائم بلا عقاب ودماء اراقها المجهول !!

المحامي طالب الوحيلي

 عند مراجعتي لاحدى محاكم الجنايات في بغداد، استوقفني مشهد امرأة ثكلى تندب حظها مرة وتستغيث بالعدالة مرة اخرى، وقد اتضح لي سبب ذلك من كونها ام لشاب قتل في جريمة عادية لها ملابساتها واسبابها، وقد القي القبض على الجاني وادين بأقسى عقوبة ممكنة مع مراعاة قواعد التخفيف حيث حكم عليه بالسجن المؤبد، وهي عقوبة إرتأتها المحكمة بعد امعان النظر بظروف القضية وملابساتها وهي بذلك نفذت حكم القانون، ومع كل ما جرى لم تجد هذه الثكلى ما يروي غليلها في الثأر لولدها وفلذة كبدها الذي قتل ظلما وعدوانا لانها ترى في القصاص العادل خير عنوان لحقها وملاذا لنكبتها وهو العين بالعين.. ولنا ان نعذرها على ذلك كونها ام فقدت وليدها لكن القضاء ادرى بالحقائق واولى بتطبيق القانون!

السؤال الذي يثور، هو كم ام فقدت وليدها قتلا دون ان يجري القصاص من قاتله، وقد تبرز للذاكرة صورة الام الموصلية وهي تعبر عن مشاعرها بعد ان القي القبض على قاتلي ولدها لكي تتبارى بالنواح معها امهات المقتولين في مدن بغداد وديالى وغيرها من مدن العراق النازف، وكان الطفل ايمن الذي ما برح صوته وصورته الاذهان وهو يروي كيف قتل والده امام عينيه باربع اطلاقات استقرت برأسه،ليزيد عدد الاطفال امثاله الى الآلاف ممن فجعوا مبكرين بمقاتل آبائهم واسرهم ،او الذين شاهدوا بام اعينهم كيف ذبح معلمهم امامهم داخل الصف لكي يتعلموا ابجدية الرعب والكراهية بدل تعلم الدروس الاولى للاخلاق.. أهذا هو مصيرالعراقي؟!

في محارق التفجير وعند مساطرعمال البناء وعلى اسفلت الشوارع واسواق الخضار وعند المزارات المقدسة وفي ساحات معهد الطب العدلي او دهاليزه، تزدحم الجثث وتتهاوى الصور والوجوه لعراقيين ابرياء ليس لديهم امر الا التوكل على الله سعيا وراء ارزاق عوائلهم التي تعد الساعات الثقيلة لكي تطرق اسماعهم اصوات الانفجارات، او فاجعة تنبئ عن مقتل معيلهم، واي رعب اشد من ان يرى المرء جثة احد افراد اسرته دون راس او راس دون جثة!! فأي حقد اسود يسعى لاغتيال العراق؟!

 حين يتحول البعض الى مجرد وحوش وغدرة لا يرعون ذمة ولا رحمة ولا كرامة وكأنهم نسوا انهم عرب وابناء اصول وانساب اتصفت بالعزة والكرامة.. ترى من المستفيد من هذا الخراب؟ واي ثقافة للارهاب طغت على افاعيل هؤلاء.

 ولعل سماع اعترفاتهم يكفي للتقزز والغثيان ممن يباركهم (جهادهم) الذين يدعون به لان ذلك يذكرنا بأهداف (صدام) الذي اصر على ان يترك العراق مجرد خراب وان يكون ارضا بلا شعب ،فيما يظر على شاشة احدى الفضائيات الاردنية المجرم زياد الكربولي يتحدث عن سلسلة من الجرائم التي لاتعني سوى انة جزار بالمعنى الحقيقي والعرفي ،وبلا شك قد ادلى باقواله دون ان يتعرض الى تعذيب او مايمكن ان يختبيء وراءه حاضني الارهاب من افتراءات يلصقونها بالجهات التحقيقية العراقية ،في حين ان الارهابيين يقومون بتعذيب ضحاياهم باساليب لاتقل وحشية وبشاعة عما كانت تفعله ماكنات الموت في مديريات واجهزة امن ومخابرات الطاغية صدام .

لقد كثر الحديث عن الجثث وعن اساليب القتل البشعة وتكرار الجرائم، والقاء القبض على الجناة واعترافاتهم التي لا يمكن جرحها، وهي تكفي لاكثر من ادانة والاكثر من الحكم بالاعدام, ومع ذلك تزداد الجرائم، والسبب في ذلك كله عدم تقديم الجناة  الى المحاكمة العادلة، لكي ينالوا جزاءهم وهم على يقين بأن مصير القاتل هو القتل ولو بعد حين.ومع ذلك فان الكثير منهم قد افلت من المحاكمة بقدرة قادر .

فمتى تجري محاكمتهم وتصدر الاحكام بحقهم، واي محكمة يمكنها الاحاطة بمثل هذا الكم الهائل من المتهمين وقد اعترف بعضهم بارتكاب عشرات جرائم القتل والذبح وهل صحيح ما يشاع من ان البعض من الذين ظهروا على شاشات التلفزيون قد اطلق سراحهم دون احالتهم الى المحاكم المختصة ؟ والمدعين بالحق الشخصي اين يتجهون ؟ ام تقيد كل مصائبهم ضد مجهول ؟!

ان الشعب العراقي اليوم بأمس الحاجة الى تطبيق القانون، ما دمنا نسعى الى بناء دولة القانون ونؤسس لمجتمع ديمقراطي حقيقي، لا سيما وان قانون السلامة الوطنية يمكن له اختزال واختصار الكثير من الحلقات المعقدة وصولا الى استتباب الامن الذي لا بد ان يقوده القضاء العادل بعيدا عن استخدام القوة المفرطة وتسويغ الاساليب القاسية التي طالما عانى منها ابناء شعبنا مدة حكم الانظمة السابقة.هذا القانون الذي بقي مجرد حبرا على ورق بالرغم من محدودية احكامه وقصورها عن تلبية الحاجة لفرض الامن والامان للناس المتعطشين له،ليركن للاسف بجانب قانون مكتافحة الارهاب ،ولينسخ فيما كحال القوانين التي تلغى لعدم العمل بها.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعه  9/حزيران /2006 -11 /جمادي الاول/1427