عراق بلا معادلات ظالمة

المحامي طالب الوحيلي

ما زال مصطلح المعادلة الظالمة يتردد منذ سقوط الطاغية وحتى اعلان نتائج الانتخابات العامة، حيث اعلن السيد عبد العزيز الحكيم سقوط هذه المعادلة ايضا بعد ان تعدلت اطرافها وتغيرت نتائجها التقليدية وقد يرى البعض فيها منحى طائفيا ما دامت تعكس مظلومية طائفة معينة وفقدانها لحقها في السيادة الادارية للبلاد كونها تشكل الاغلبية المطلقة عدديا بدل ان تخضع لحكم الاقلية المذهبية مما يفسح لهذا البعض المجال في النيل منها وبالتالي الطعن بكل مسعى تحرري ينتصر للشعب المضطهد الذي غصبت ثرواته وحقوق مواطنيه ليقع بالتالي في قعر التخلف الحضاري والفقر المكابدة الازلية.

ولعل أهم مظاهر تلك المظلومية هي تقنين الاضطهاد الطائفي بقوانين عادية ظاهرها العمومية وباطنها يكمن فيه الفصل العنصري والمذهبي لاسيما في عهد الحكم البعثي الذي اضفى على هذه المعادلة معان أخرى كونه استعدى الاغلبية دينيا وعلمانيا.

 فمن الناحية الدينية وجد نفسه منقادا الى حكم قبلي انحسر فيما بعد الى اضيق حدوده ضمن بؤرة اسرية يقودها دكتاتور على رأس منظمة سرية بدهاليزها وتصرفاتها ذات النهج البعثي البعيد عن كل شكل أيديولوجي مقبول سوى سلوكية الفعل ورد الفعل الفردية دون تخطيط مبرمج او استراتيجية واضحة وعلى كافة اصعدة الحياة في العراق، ما دام ذلك السلوك قادر على لجم الحقيقة وقطع انفاس من يحاول معارضة ذلك النظام.. او ينبس ببنت شفة حول أبسط تصرف يصدر من أدنى سلطة ادارية.

 لذا افرغ ذلك النظام عظيم طغيانه بمواد وقرارات عدلت وغيرت نصوص قانون العقوبات لكي تتماشى مع تلك السياسة الطائفية المبطنة بعد ان تغيرت بعض اوجه الموازنات الدولية اثر سقوط نظام الشاه في ايران، ذلك الحليف القريب من شوفينية وعنصرية النظام البعثي الذي كافأه كثيرا بمعاهدة الجزائر عام 1975 حين تنازل النظام البعثي للشاه المقبور عن حقوق ومنحه امتيازات في الارض والمياه لينقض تلك المعاهدة اثر انتصار الثورة الايرانية وشعور النظام البعثي يدنو اجله بعد ان شعر بان لا قوة تضاهي ثورة الشعوب المضطهدة على الظلم والطغيان مهما كانت (عراقة) وتجذر وصلادة مؤسساته.

ونظرة سريعة على قرارات محكمة الثورة سيئة الصيت تشير الى وفرة النصوص ذات الطبيعة المطاطية التي اختبأت تحتها مئات آلاف الملفات الامنية اذ تضم في طياتها عدداً مهولاً من قرارات الاعدام والعقوبات الاخرى السالبة للحرية والتي تراوحت بين احكام ابواب الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي مشيرة الى حدود ضيقة تخص حزب البعث والانتماء اليه والاخلال بذلك الانتماء او الانتماء الى احزاب سياسية أخرى مع العلم ان قانون العقوبات او أي نص عقابي لم يشر الى تحريمها الا ضمنيا حيث لا يعرف هذه الضمنية سوى ضباط الامن والمخابرات والاستخبارات ومحاكمها وكل ذلك متروك لتقديرهم الذي لا يمكن ان يتراخى امام الانحياز (للحزب والثورة وقائدها الرمز)! مع اعتبار الانتماء الطائفي ظرفا قضائيا مهما إما ان يشدد العقوبة باتجاه الاعدام بكل وسائله او باتجاه التخفيف او العفو فيما لو كان المتهم من طائفة النظام!!

وقد انهار هذا النظام القضائي اثر الكثير من الظروف الاستثنائية ـ مع ان العراق لم يحكم الا في ظل هذه الظروف اصلا ـ من ذلك ما حدث في مجزرة الدجيل او مجازر حلبجة والانفال والانتفاضة الشعبانية في آذار 1991 وغيرها، اذ لم يعد هذا النظام بحاجة الى قانون يعدم بموجبه بعد ان سادت شرعة القتل، فلا غرابة فيما بعد تلك الاحداث ان يعدم 25 تاجراً دون محاكمة او ذنب او تذبح اكثر من 50 امرأة بتهم وهمية وقد شاعت قضية قطع رؤوسهن من قبل زمر (فدائيي صدام) زيادة بالتنكيل بالشعب وبسلطة القانون والقضاء فيما شهدنا اعدام الشباب عبر شاشات التلفزيون اما بقطع رؤوسهم او رميهم من اعلى الابنية الى الارض او تفجيرهم بالديناميت وهم احياء او قطع ألسنتهم او اعضائهم الاخرى، والحديث في ذلك يطول.

الوجه الاخر للمعادلة الظالمة هو الاضطهاد السياسي المجرد من النزعة الطائفية او العرقية وفيه طابع ازدواجي ما دامت الاكثرية هي من مذهب أهل البيت(ع) ومن الكرد، لذا فانه يلتقي مع النزعة الطائفية ايضا اذ لا يمكن الفصل بينهما مهما كانت الطبيعة الايديولوجية للحركات السياسية مع اعتبار اصل الولاء الفطري واشكاليات الانتماءات السياسية السائدة.

لقد بنيت سياسة البعث على قاعدة التهشيم والتهميش فقد تمكن من الغاء مفهوم الطبقة العاملة بعد ان وجد فيها مكمن خطر ايديولوجي ذو منحى طبقي ويسير وفق ستراتيج يمكن ان يتطور من خلال تسخير المفهوم الايديولوجي السائد للاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في غضون الحرب الباردة بين الشرق والغرب لذا انقض على الحركات السياسية المتبنية لهذا الاتجاه ومن ثم تهشيم قاعدتها التي كانت تعمل من خلالها فأصدر قراراً بإلغاء مفهوم العامل ووصفه بالموظف الحكومي والغاء شمولهم بقانوني العمل والضمان الاجتماعي وليتحول هذا المعسكر الى مجرد جنود مكلفين وجيش شعبي او (فدائيين) لا مكان لهم سوى جبهات القتال.. وذلك طرف كبير من اطراف معادلة أخرى.

وخلاصة القول ان السيد الحكيم قد اصاب كبد الحقيقة اذ وصف الشعب العراقي بانه كان ضحية معادلة ظالمة وقد تحرر منها قانونيا بعد ان صار محور الموازنة والفاعل فيها. ولكن تبقى جذور لتلك المعادلة تحاول ان تمتد وتنفرد في أديم ما زال يبحث عن فعل مطهر للارض العراقية من الحشائش الضارة والحشرات والطفيليات التي تسعى لقضم جذور نبات الخير والعطاء واعاقة نموها وازدهارها! وذلك هو الارهاب والفساد الاداري الذي لابد من معالجته بشتى الوسائل مع السعي بانهاء أي مبرر لظهور اطراف أخرى لمعادلات جديدة وهو ما سعت الى تطويقه القوى الوطنية المتصدرة للعملية الديمقراطية باصرارها على مد جسور التواصل والثقة مع الكتل العريقة بنضالها وجهادها من اجل عراق بلا تهميش وظلم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 30/ايار/2006 -1/جمادي الاول/1427