الثروة الوطنية بين الحيازة غير المشروعة وآفة الفساد الاداري

المحامي طالب الوحيلي

لا يختلف اثنان في كون النظام البائد، قد تصرف بأموال العراق تصرفات أدت إلى إفقاره وانعكس ذلك على معظم أبناء الشعب بصورة تجاوزت حدود المعقول قياسا الى الثروات الهائلة التي امتازت بها ارض السواد منذ العصور القديمة حتى اكتشاف النفط فيه، والذي تحول الى وبال عليه بدل ان يكون مصدرا لرفاهه وازدهاره، بدءا بسيطرة الشركات الاجنبية ومرورا بالتأميم وما رافقه من سقم التقشف الذي اهداه (البكر) للشعب حيث كرس الجوع والحرمان من انقلابه الاسود عام1968، لاسيما وان جوهر سياسة ذلك النظام هو تجويع الشعب تحت يافطة استخدام النفط كسلاح في معارك كان الخاسر الاكبر فيها هو الشعب العربي وانحسار قضاياه المصيرية الى الهاوية شيئا فشيئا.

وما ان استولى صدام على السلطة حتى فتح فاه الخراب ليبتلع كل الخير في مشاريع (كرتونية) سرعان ما انهارت واستحالت الى ركام، وليوهم الشعب ب (منجزات) كانت مجرد دعاية له لكي ترفع صوره واسماءه عليها ظنا منه بالخلود،وما كانت ألا عبارة عن أدوات محدودة النفع والعمر، حتى المشاريع الخدمية التي انجزت والتي لم تتعدى مدة حكمه، حيث كان بناءه تكتيكيا يشي بشكه الكبير في بقاء امد ظلمه وانه لابد من نهايته،فلا غرو ان يكون زمن نظامه وافكاره بمثل عمر مجاري مدينة (الثورة) التي استحالت الى شبه العدم هذه الايام.

ولان دكتاتوريته شملت كل مفاصل الحياة والدولة على وجه التحديد، اذ ان كل شيء يجري بامره وتلك لازمة ثابتة لقراراته حتى ولو كانت سخيفة، وقد اكتشف مرة عام 1992 بعد ان شاعت (ازمة البصل) بان سياسته الزراعية كانت فاشلة أي بعد مضي أربعة وعشرين عاما من استلام حزب البعث السلطة !! وتلك اكبر جريمة يجب ان يحاكم عليها النظام البائد.. ناهيك عن الثروات الخيالية التي أحرقت في المعارك الطاحنة وتجهيزات الجيوش المتعددة الأسماء، وما دفن من موارد ومؤن وتحصينات وما سلب جرائها أوترك ذليلا في سوح تلك المعارك او في الساحات والشوارع ليظهر حجم الظلم الذي ارتكب بحق المال العام، ليظهر في قفص محكمة الجنايات العليا متبجحا بالخدمات التي قدمها للشعب وادعائه اعمار المدن ومنها مدينة الدجيل!!

مردودات النفط التي تكفي مؤونة العالم باسره والتي اصبحت مصدرا يهدد الموازين الاقتصادية العالمية،  وزيادة في الخراب وتماشيا مع مصلحته في البقاء على سدة الحكم، كان لابد له من احراق ذلك الفائض بدلا من ان ينعكس على واقع الفرد العراقي بصورة عامة وكأن مصلحة القوى العظمى ان يضل هذا الفرد فقيرا محروما من كل مزايا الحضارة ومظاهرها ومباهجها !فأسس هيئة التصنيع العسكري التي كان يديرها المقبور حسين كامل بكل ما عرف عنه من جهل فاحش وبطش وحشي، ولتنتهي تلك الماكنة العملاقة التي لو استمرت بالعمل باخلاص ووطنية لحولت العراق الى مصاف الدول الصناعية المتطورة ولكن هيهات، فقد استحالت الى مجرد نفايات وأنقاض بعد ان سلبت ونهبت ليقبع بعض أجزاءها ومعداتها المتطورة جدا في محلات بيع الخردة في باب الشيخ والشيخ عمر وتلك حال الدنيا !

لاشك ان ثروات العراق قد تحولت الى البنوك الاجنبية تحت اسماء وهمية، ولاشك ايضا انها استثمرت في مؤسسات صناعية خطيرة في العديد من الدول وان اسهما مهمة في كبريات الشركات العالمية هي ملك العائلة (الحاكمة)أو اتباعها ولقطائها، ولعل ابسط مواطن عراقي كان يعلم كيف تحولت أسرة صدام وأقرباءه الى تجار دواجن وماشئة وعقارات، وقد اعتادوا على اغتصاب اهم العقارات والممتلكات العامة والخاصة ليستثمروها لانفسهم، وتحول الامر الى المتاجرة بالآثار العراقية وتهريبها كغيرها من الثروات الطبيعية، وكل ذلك لجيوبهم وملذاتهم وإدامة حكمهم الذي عضوا عليه بالنواجذ حتى اغرقوا الشعب ببحار الدماء وتركوه جلدا على عظم كما يقول المثل الدارج.

فما مصير تلك الثروات وهي بكل تأكيد أموال العراق مصدرا وغلالا وفوائد، لاننا نعرف أن صدام وعشيرته الاقربين كانوا اشد فقرا من الآخرين،  ولان مابني على غش فهو غش مثله، او ما بني على باطل فهو باطل فان من حق المواطن العراقي ان يطالب الحكومة الدائمة بالتحري عن تلك الأموال والثروات وتطبيق أحكام القانون بحق الحائزين والمستفيدين كونها حيازة أموال مسروقة او متحصلة من جرائم كالسرقة والاختلاس والاستغلال غير المشروع للسلطة والمال العام والاغتصاب لمال الغير دون وجه حق، والتي لابد ان تنتج عنها أموالا ضخمة استثمرت لاحقا في تجييش جيوش الغدر والإرهاب ودعم الخراب المستشري لإدامة معركة النظام البائد ضد الشعب وقواه المنتخبة.

من ذلك توفير السلاح والعتاد والمواد الناسفة، والدعم المعنوي بغية جذب الزمر التخريبية من الخارج وشراء الذمم العربية المريضة وابتلاع المؤسسات الإعلامية الكبيرة كبعض الفضائيات التي اشيع الخبر عن بيعها حصة الاسد فيها الى (بنات صدام) على مشهد ومسمع العالم باسره، فكيف ارتضت هذه الفضائية الصفقة تلك وهي تعلم علم اليقين مصد تلك الاموال، والقانون الذي يحكمها فضلا عن أمها التي اعلنت نفسها خصما لدودا للحكومة العراقية والشعب المظلوم.فقانون العقوبات العراقي النافذ مازال يحكم تلك الجرائم تحت عنوان (جريمة إخفاء أشياء متحصلة من جريمة ) تضمنتها الماد 460،461، 462.ونص المادة 460 يقول (مع عدم الاخلال باية عقوبة اشد يقررها القانون يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات من حاز او اخفى او استعمل اشياء متحصلة من جنايةاوتصرف فيها على أي وجه مع علمه بذلك).

الجدير بالذكر ان القرار 103 في 1-8-1994 قد شدد العقوبة الى السجن المؤبد مع منع اطلاق سراح المتهم بهذه الجريمة لحين حسم الدعوى، كما ان هذه المادة قد عاقبت بالحبس ما اذا تحصلت تلك الاشياء عن جنحة على ان لاتزيد العقوبة عن الحد الاقصى المقرر لعقوبة الجنحة، كل ذلك دون ان يكون الحائز او المخفي او المستعمل او المتصرف قد اسهم بارتكاب الجريمة التي حصلت منها الاشياء ...

اما المادة 461 من قانون العقوبات فقد نصت على ما يلي:(من حصل على شيء متحصل من جناية او جنحة وكان ذلك في ظروف تحمله على الاعتقاد بعدم مشروعية مصدره يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنة (او بالغرام) او باحدى هاتين العقوبتين). ومعيار هذه المادة هو الاعتقاد بعدم مشروعية المصدر. اما المادة 462 ق ع فقد اشارت الى اعفاء مرتكب الجريمة من العقاب اذا بادر الى اخبار السلطات العامة عن مرتكب الجريمة التي حصلت منها تلك الاشياء.اما اذا حدث الاخبار بعد قيام السلطات المختصة بالتحقيق فلا يعفي ذلك من العقاب بل يعد مخففا.

جرائم كثيرة انكشفت، واهم مصادرها الاموال العراقية المسروقة، منها شراء 50% من قناة فضائية عرفت بعدائها الصريح لحركة الشعب العراقي قبل وبعد سقوط النظام البائد وهي لاتحتاج لتعريف بعد ان عوقبت اكثر من مرة من قبل الحكومة العراقية الموقتة، لذا فان من حق الشعب على حكومته المطالبة باقامة الدعوى ضد هذه الفضائية وحجزها مقابل الاموال المسروقة التي تملكت بموجبها تلك النسبة  من اصل ملكية القناة الفضائية تلك، وهذا الامر يقتضي قيام هيئة الادعاء العام به كونه النائب القانوني عن الشعب..

فمتى يحدث ذلك ؟! المؤلم حقا هو استمرار هذه الجرائم على اشدها في الوقت الحاضر اثر تفشي ظاهرة الفساد الاداري والتي فاقت الجرائم الارهابية بل صارت قاعدة له،من ذلك واقع عمل المؤسسات الخدمية في الدولة، وحصر مشكلة المشتقات النفطية وادارتها وما يحيط بها من كارثة، تضع المرء وجها لوجه امام اخطر محرك لكل الازمات، في الوقت الذي ينبغي ان يباح للمواطن جزءا من ارباحها كما كان يمني النفس اسوة باقرانه من شعوب الخليج وغيرها من دول البترول،ليصبح ويمسي وهو منذهل بين توفير وسيلة لطهي طعامه الرخيص، وبين لهاثه على لترات من وقود لمولدته الكهربائية الصغيرة عله يحضى بشيء من النور وبعض ما جادت به الحضارة التي يبدو انها قد اقتحمته من غير استئذان، والسؤال لماذا تبقى اموالنا سائبة لكي يطمع بها القريب والبعيد والكريم والدنيء؟!!

[email protected]

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 29/ايار/2006 -30/ربيع الثاني/1427