حملة جديدة في واشنطن ضد مناهج التعليم الوهابية السعودية

بعد أيام قليلة من نشر مقال في صحيفة واشنطن بوست ينتقد مناهج التعليم الدينية في المدارس السعودية، عقد معهد امريكان إنتربرايز  عصر الأربعاء الماضي ندوة بعنوان الإصلاح في السعودية: كتب جديدة وأفكار قديمة. يستعرض "تقرير واشنطن" الذي تابع مراسله أعمال الندوة تفاصيل القضية وأهم الأفكار والتساؤلات التي أثيرت حول مناهج تعليم الدين الإسلامي في المدارس السعودية وعلاقة ذلك بحرب الأفكار ومجابهة الإرهاب تقرير واشنطن.

ففي عددها الإسبوعي الصادر في يوم الأحد 21 مايو الجاري، نشرت صحيفة واشنطن بوست في صفحة الرأي مقال بعنوان: "هذه هي المناهج السعودية (بعد إزالة التعصب)" لـ نينا شاي   Nina Shea مديرة مركز الحريات الدينية بمؤسسة فريدوم هاوس Freedom House في واشنطن. استهلت نينا شاي مقالها بالتأكيد على أن مناهج التعليم في المدارس الحكومية السعودية تناوئ الغرب وتكفر أصحاب الديانات الأخرى من مسيحيين ويهود وغيرهم. وافترضت أنه كان ينبغي بعد هجمات 11 سبتمبر وتورط 15 سعوديا من 19 شخصا هو أجمالي عدد الخاطفين، أن تتغير هذه المناهج.

وتذكر الكاتبة أنه في العام 2004 أدركت مجموعة بحثية ملكية أن الحاجة ماسة للإصلاح بعد أن وجدت أن مناهج التعليم الدينية في المملكة تحض الطلاب على ممارسة العنف ضد الأخريين وتضلل التلاميذ من خلال غرس الاعتقاد بأن حماية دينهم تكمن في استئصال الأخر واستخدام العنف ضده. ومن ذلك الوقت دأبت الحكومة السعودية كما تقول الكاتبة على  الادعاء  بأنها غيرت ونقحت هذه الكتب.

وأضافت شاي في مقالها أن الأمير تركي الفيصل سفير المملكة لدى الولايات المتحدة  يعمل بلا توان على نشر هذه الرسالة، وهي أن الحكومة السعودية قد قامت بمراجعة كافة المواد التعليمية واستبعدت كل ما يتعارض مع احتياجات التعليم الحديث. ونقلت عن السفير السعودي قوله في أحد الجولات التي قام بها مؤخرا في عدة مدن أمريكية قوله إن المملكة لم تراجع  وتزل مواضع التعصب في مناهج التعليم القديمة فحسب بل أعدت خطة مركزة للتمحيص والمراجعة والتحديث وأن المدارس السعودية قد شهدت تحديثا للمناهج بهدف اعداد الأطفال السعوديين بصورة أفضل لمواجهة تحديات المستقبل. كما أوردت الكاتبة تصريحات سابقة للمتحدث الرسمي باسم السفارة السعودية فحوها أن المملكة راجعت مناهج التعليمية   وأزالت مواد تحرض على التعصب ضد اتباع الديانات الأخرى.  كما أن السفارة قد قامت بتوزيع تقرير مكون من 78 صفحة  يتناول إصلاح المناهج والتعديلات التي  طالت الكتب القديمة.

وتعلق شاي على تلك التصريحات بجملة واحدة قائلة إن المشكلة هي أن كل هذه المزاعم "ليست حقيقية".

ومن الواضح فأن المقال السابق هو خلاصة تقرير(38 صفحة) نشر بعنوان مناهج التعصب السعودية والذي  صدر مؤخرا عن مركز الحريات الدينية التابع لمؤسسة فريدوم هاوس بالتعاون معهد دراسات الخليج. والتي تعتبر كاتبة المقال المحررة الرئيسية للتقرير. تقول الكاتبة إن إلقاء نظرة سريعة على نماذج من الكتب الرسمية السعودية للدراسات الإسلامية المستخدمة خلال العام الأكاديمي الحالي يكشف أن  أيدلوجية الكراهية ضد المسيحيين واليهود والمسلمين الذين لا يتبعون المذهب الوهابي لازالت واقعا قائما في النظام التعليمي السعودي على الرغم من كل التصريحات والمزاعم حول إزالتها وتعديلها.

يحتوي التقرير على تفاصيل واقتباسات كثيرة من مناهج وكتب الدراسات الإسلامية منذ المرحلة الأولى الإبتدائية، حيث تعلم الكتب الطلاب إن العالم ينقسم إلى مؤمنين وكفار وحتى المرحلة الثانوية التي تحتوي احد نصوص كتبها على أن المسلم مكلف بنشر الإيمان بين الناس بكافة الوسائل بما فيها  القتال والجهاد.

وتعترف الكاتبة بفضل المعارض السعودي على الأحمد المقيم في واشنطن في إعداد التقرير حيث أمدها  بنسخ من الكتب الحديثة التي تدرس في المدارس الحكومية والتي لم تستطع أن تحصل عليها من خلال الحكومة السعودية.

ويشير التقرير إلى النتائج والتداعيات السلبية لهذه الكتب والمناهج من خلال الإشارة إلى أن الدراسات الإسلامية تشغل من ربع إلى ثلث الساعات الدراسية في المرحلة الابتدائية والإعدادية في المدارس السعودية، فضلا على  عدة ساعات من كل أسبوع في المرحلة الثانوية. ذلك بالإضافة إلى حجم تأثير هذه الأفكار على ملايين الطلاب، حيث يبلغ إجمالي عدد المدارس الحكومية في السعودية 25 ألف مدرسة يدرس بها حوالي 5 ملايين طالب، فضلا على أن المملكة تدير رسميا 19 مدرسة إسلامية في دول مختلفة من بينها الولايات المتحدة، حيث توجد الأكاديمية السعودية في ضاحية فيرفاكس القريبة من واشنطن، والتي تقوم بتدريس بعض من هذه  الكتب والمناهج كما يقول التقرير.

ويخلص التقرير إلى القول إن التعليم هو صلب معركة الحرية في العالم الإسلامي، وان فشل المملكة في إصلاح المناهج الدينية سيقوض فرص نجاح السياسة الخارجية الأمريكية الهادفة إلى تشجيع الاعتدال وتعزيز الديموقراطية داخل العالم الإسلامي.

ندوة أمريكان انتربرايز

يبدوا أن الإعداد السريع لعقد الندوة بعد أيام قليلة من صدور التقرير ونشر المقال  يدل على وجود تنسيق بين إدارة معهد أمريكان انتربرايز وناشري التقرير. كما أنه ربما يهدف إلى تفعيل الضغط على الحكومة السعودية من أجل اتخاذ قرارات جذرية لتعديل مناهج التعليم في المدارس الحكومية.

عقدت الندوة التي تحت عنوان "الإصلاح في السعودية: كتب جديدة وأفكار قديمة"  بمشاركة نينا شاي مديرة مركز الحريات الدينية بمؤسسة  فريدم هاوس  والناسطة في مجال حقوق الانسان، وعلى الأحمد المعارض الشيعي السعودي ومدير مركز دراسات الخليج في واشنطن، وأدرت الندوة دانييل بليتكا نائبة رئيس معهد أمريكان انتربرايز لدراسات الدفاع والسياسات الخارجية.

بدأت بليتكا تقديم الندوة انطلاقا من مقولة إن انتصار الإسلام المعتدل على التطرف هو العنصر الرئيسي في نجاح الولايات المتحدة في تحقيق أهداف سياستها الخارجية منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر. كما أن إصلاح وتحديث التعليم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي هما حجر أساس المعركة ضد التطرف والإرهاب.

بدأت نينا شاي  كلمتها بالتأكيد على أن هذه الكتب والمناهج هي التي أفرزت الإرهاب. ثم عرضت أهم محاور التقرير المتمثلة في عدم تنفيذ المملكة الوعود التي قطعتها على نفسها بمراجعة مناهج الدراسات الإسلامية بإزالة مواضع التعصب والكراهية والتطرف من هذه المناهج. وعرضت نماذج من النصوص الموجودة في بعض الكتب والتي قد أشارت إليها سابقا في مقال واسنطن بوست وتقرير مركز الحريات الدينية. كما أشارت إلى أهمية دور التقرير في تحدي الحكومة السعودية ودفعها إلى تغيير المناهج.

وقالت شاي في إجابة على أحد اسئلة الحضور أن هذه الأفكار لا تعبر عن الإسلام ولكنها تعبر عن تعاليم الوهابية. كما تدخلت مقررة الندوة معلقة بأن هذه الافكار التي تحض على الكراهية وإن كانت موجودة في يعض المصادر الإسلامية، فإنه غالبا ما تستغل وتوظف خارج سياقاتها التاريخية.

أما كلمة على الأحمد فقد كانت أقرب للخطبة السياسية نظرا لارتفاع نبرة انتقاده للحكومة السعودية التي وصفها في بداية كلمته بأتها تفتقد إلى المصداقية، ولا يمكن الثقة في وعودها الإصلاحية. وتساءل الأحمد: كيف تسمح الولايات المتحدة بتدريس هذه المواد والمناهج على الأراضي الأمريكية في إشارة إلى مدرسة الأكاديمية السعودية.

وفسر الأحمد أسباب نفوذ الوهابية في السعودية وقوة الأواصر والمصالح المشتركة بين أسرة آل سعود الحاكمة وعلماء المذهب الوهابي. وعلق الأحمد على أحد أسئلة الحضور قائلا إن النظام السعودي لديه القدرة على إقناع رجال الدين بتعديل المناهج  كما أقنعهم بوجود قوات أجنبية في حرب الخليج ولكنه لا يريد ذلك، حيث إن هذه الأفكار هي سبب وجوده وبقائه، فقبل الوهابية لم يكن لحكام السعودية أي حيثية أو مكانة وبفقدان الوهابية فإنهم سيفقدون هذه الحيثية والمكانة كما يقول الأحمد.

وطالب المشاركون في الندوة أن تقوم وزارة الخارجية الامريكية بالإطلاع على هذه الكتب والمناهج ومن ثم التحرك للضغط على الحكومة السعودية من  أجل القيام  بتعديل حقيقي لمناهج تعليم الدراسات الإسلامية في مدارسها.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 28/ايار/2006 -29/ربيع الثاني/1427