مواجهة علمانية - دينية حادة جديدة في تركيا

شهدت تركيا جدلا واسع النطاق عقب حادث اطلاق النار الذي وقع في المحكمة الادارية العليا امس الاول وهز البلاد والذي قتل فيه قاض واصيب 4 آخرون.

وكان مسلح يدعى البارسلان اصلان هاجم اجتماعا للقضاة بالمحكمة الادارية العليا في انقرة التي اصدرت حكما في فبراير الماضي بمنع ترقية مدرسة ترتدي الحجاب خارج العمل.

واثار الحادث غضبا عاما واتفقت الدوائر السياسية والمعلقون بكافة مشاربهم على ادانة المهاجم.

بيد ان الادانات ايا كان حجمها لا تستطيع ان تحجب مدى ما كشف عنه الحادث من عمق وخطورة الخلاف بين الاسلاميين المحافظين وانصار الفصل الكامل بين الدين والدولة.

وذكرت وكالة انباء الاناضول التي تديرها الدولة يوم الجمعة ان الجيش التركي وهو أعلى هيئة تضمن النظام العلماني دعا الاتراك الى مواصلة احتجاجاتهم للدفاع عن العلمانية بعد ان فتح ما يشتبه بأنه مسلح اسلامي النار على احد القضاه فأرداه قتيلا.

ووجه الجيش الذي تدخل في السابق في قضايا سياسية داخلية نداءه بعد ان تحولت احتجاجات يوم الخميس على مقتل القاضي الى مظاهرة صاخبة ضد الحكومة التي لها جذور في الاسلام السياسي.

ونقلت وكالة انباء الاناضول عن رئيس اركان الجيش التركي الجنرال حلمي اوزكوك اشادته بالاحتجاجات الحاشدة يوم الخميس.

وقال "ولكن لا يجب ان يظل رد الفعل ليوم واحد فقط بل يجب ان يكتسب الاستمرارية وكشيء متواصل فيجب ان يقوم به كل شخص."

وينظر الى النداء على انه تحذير للحكومة من الجيش الذي ساهم في اسقاط حكومة ذات توجهات اسلامية في عام 1997 ويأتي في اعقاب تصريحات في الصحف البارزة بانه يجب على الحكومة ان تعي دروسا من الاحتجاجات الحاشدة الموالية للعلمانية.

وبينما احتفلت تركيا يوم الجمعة بعطلة عامة وضعها مصطفى كمال اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة الذي قام بفصل الدين عن الحياة العامة قال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان اردوغان عقد اجتماعا مع كبار الوزراء وقادة الامن لمناقشة حادث اطلاق النار.

في الوقت نفسه نسب الى اردوغان قوله في صحيفة ستار ان هناك مؤامرة كبيرة تحيط بالهجوم وان زعيم المعارضة دينس بيكال جزء منها.

وينظر الى حادث اطلاق النار الذي قام به محام على انه هجوم على العلمانية لانه جاء ضد اكبر محكمة ادارية في تركيا والتي ايدت القوانين التي تحد من ارتداء الحجاب. وقالت الصحف ان المهاجم اعترف باطلاق النار على القضاه بسبب الحكم الذي اصدروه في هذا الصدد.

واصبح الحجاب رمزا لصراع موسع حول دور الدين في الدولة التي تسعى للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي والتي تقطنها اغلبية مسلمة لكنها تنتهج رسميا المذهب العلماني.

ودفعت حشود غاضبة الوزراء التابعين لحزب العدالة والتنمية واطلقت صيحات الاستهجان ضدهم يوم الخميس اثناء تشييع جنازة القاضي. كما طالبوا باستقالة الحكومة.

وغالبا ما ينظر الى الجيش على انه من بين اكثر المؤسسات التي تحظى بالاحترام. وكان الجيش قد اطاح في عام 1997 بحكومة اعتبرها ذات توجهات اسلامية.

وجاء هذا في اعقاب ثلاث محاولات انقلابية.

وتمتع حزب العدالة والتنمية بتأييد قوي منذ الفوز الساحق الذي حققه في عام 2002 رغم ان مظاهرات الخميس التي شارك فيها عشرات الالاف من الاتراك كانت ذروة اشهر من التوتر بين الحكومة والمؤسسة العلمانية.

ويتهم العلمانيون حزب العدالة والتنمية بأن له برنامج عمل اسلاميا غير معلن ويشيرون في ذلك الى محاولات وقعت مؤخرا لفرض قيود على تناول المشروبات الكحولية وتخفيف القيود على التعليم الديني. وينفي الحزب ذلك.

وانتقد اردوغان وحكومته مرارا المحكمة بسبب احكامها ضد الحجاب ودعوا الى تخفيف الحظر المفروض على ارتدائه.

وانتقدت الصحف عدم حضور اردوغان جنازة القاضي مصطفى اوزبلجين التي شارك فيها الاف الاتراك. وقوبل اوزكوك وكبار الجنرالات الذين رافقوه بتصفيق حاد لدى وصولهم الى الجنازة.

والاحتجاجات التي شهدتها انقرة والتي امتدت الى مدن اخرى كبيرة كانت من بين اكبر المظاهرات الموالية للعلمانية منذ عام 1993 عندما قتل كاتب عمود من صحيفة جمهوريت المناصرة للعلمانية في انفجار سيارة ملغومة.

جاء حادث اطلاق النار في اعقاب هجمات بالقنابل على تلك الصحيفة التي ينظر اليها بشكل تقليدي على انها الناطق بلسان المؤسسة العلمانية. وذكرت وسائل اعلام محلية اليوم ان المسلح الذي هاجم القاضي كانت له صلة بتلك الهجمات.

وذكرت وكالة انباء الاناضول ان الشرطة اعتقلت سبعة اشخاص فيما يتعلق باطلاق النار على القاضي. ولم يتسن الحصول على تعليق من الجيش.

وترأس وزير الخارجية التركي عبد الله غول اجتماعا امنيا طارئا في مبنى رئاسة الوزراء لمناقشة التطورات التي اعقبت الهجوم والاتهامات القاسية التي طالت الحكومة بعد الهجوم.

وذكرت وكالة انباء (اناضول) ان الاجتماع ضم كلاً من وزيري العدل جميل تشيشك والداخلية عبدالقادر اكسو ومحافظ أنقرة ورئيس مديرية الامن في انقرة.

وفي تصريح ادلى به وزير العدل والمتحدث باسم الحكومة تشيشك عقب الاجتماع اعرب فيه عن استياء الحكومة من قيام بعض السياسيين باستغلال هذا الاعتداء للتحامل والتطاول على الحكومة التي يشكلها حزب اسلامي.

وكان الرئيس احمد نجدت سيزار انتقد الحكومة بشكل غير مباشر بقوله ان «هذا الاعتداء هو على الجمهورية العلمانية ككل»مطالبا المسؤولين في السلطة بمراجعة مواقفهم وتصرفاتهم والوقوف عند المشجعين لها ومحاسبتهم.

اما زعيم حزب الشعب الجمهوري اليساري المعارض دنيز بايكال فقد اتهم الحكومة في تصريح للصحافيين بانها «السبب في تنامي الاصولية في البلاد»في الوقت الذي حذرت فيه رئيس المحكمة الاستشارية سومرو تشورت اوغلو قائلة «نحن نريد ان نذكر المسؤولين عن حماية الدولة العلمانية بواجباتهم مجددا».

وقالت«ونريد ايضا ان نضع امام الرأي العام حقيقة ان بعض التصريحات السياسية والاعلامية غير المسؤولة والمنتقدة للقرارات القضائية كان لها اكبر تأثير في التحريض على هذا الاعتداء».

بيد ان تشيشك اكد ان الحكومة هي ايضا تدين الاعتداء الذي تعتبره هجوما ليس فقط على المحكمة الاستشارية وحسب بل وايضا على القانون وجميع مؤسسات الدولة والاستقرار وحتى الحكومة.

وعلى صعيد آخر قررت محكمة اسطنبول امس اطلاق سراح ستة وثلاثين من عناصر منظمة حزب التحرير الاسلامي كان قد تم القبض عليهم العام الماضي.

وذكرت شبكة (سى ان ان تورك) الاخبارية التركية انه كان قد تم اعتقال المتظاهرين في الثاني من شهر سبتمبر العام الماضي امام مسجد السلطان فاتح باسطنبول بعدما نظموا مظاهرة طالبوا فيها باقامة دولة الخلافة الاسلامية في تركيا وهدم الجمهورية العلمانية.

وردد المتظاهرون شعارات مناهضة لمؤسس الجمهورية العلمانية التركية مصطفى كمال اتاتورك.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 21/ايار/2006 -22/ربيع الثاني/1427