تشومسكي في بيروت: الولايات المتحدة وبريطانيا دمرتا العراق عبر دعم صدام وفرض عقوبات واجتياحه

اتهم ناعوم تشومسكي المفكر الامريكي البارز الذي عرف بمناهضته لاسرائيل في بيروت يوم الخميس الولايات المتحدة بالوقوف في وجه اي محاولة للتوصل الى حلول دبلوماسية في قضية الصراع العربي الاسرائيلي وقضية اللاجئين الفلسطينيين مشيرا الى ان واشنطن في مأزق كبير جدا في العراق. وجاءت اقوال تشومسكي وهو من أبرز منتقدي السياسة الامريكية والسياسة الاسرائيلية والمناصر للشعب الفلسطيني خلال زيارة قام بها الى مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين اللذين كانا قد شهدا مجزرة ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان في صيف عام 1982 ادت الى مقتل المئات من الفلسطينيين واللبنانيين. وتجول في ازقة المخيمين قبل ان يلتقي في احد مكاتب الخدمات الاجتماعية الفلسطينية ممثلين عن منظمات غير حكومية كما زار معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت والتقى امين عام حزب الله الشيخ حسن نصر الله. وشن المفكر الامريكي البارز هجوما عنيفا على سياسة الادارة الامريكية في الاراضي الفلسطينية والعراق.

وقال لتلفزيون رويترز ردا على سؤال بشأن الحلول المرتقبة للصراع العربي الاسرائيلي "لقد وقفت الولايات المتحدة بوجه اي محاولة للتوصل الى حلول دبلوماسية والامور الاساسية التي تقوم عليها هذه الحلول الدبلوماسية باتت معروفة ما يعني حلا يستند الى الاعتراف بحدود يوليو حزيران 1967 مع بعض التعديلات التي تتعلق بمشكلة اللاجئين الفلسطينين والقدس وغيرها من المسائل. وهذا هو الحل الاساسي المطروح منذ قرابة الثلاثين عاما لاي تسوية." وكان تشومسكي قال في محاضرة في الجامعة الامريكية يوم الاثنين تحت عنوان "جبروت السلطة" ان سياسة الولايات المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني الذي تعاقبه لانه اقدم على اختيار حركة حماس في سدة السلطة والذي من وجهة نظرها هو اختيار خاطىء تشبه زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الذي يعاقب الشعب الامريكي لانه حسب ابن لادن اخطأ في اختيار ادارته.

وقالت سهى عمار من سكان مخيم صبرا الذي كان يشق تشومسكي (78 عاما) الاستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا برفقة زوجته ازقته بخطوات بطيئة "كنا ننتظر زيارته منذ زمن. هو ضمير حي في عصر نفتقد فيه لشجاعته وصراحته.. هو ينصفنا بارائه." وطالما انتقد تشومسكي الذي يحظى بمكانة بارزة في العالم العربي سياسات الادارة الامريكية في العالم وخصوصا تجاه الفلسطينيين وفي العراق. وقال تشومسكي "الولايات المتحدة وبريطانيا نفذتا اجتياحا للعراق بعد ان قامتا فعليا بتدميره اولا عبر دعم صدام حسين (الرئيس العراقي المخلوع) ومن ثم فرض عقوبات ادت الى مقتل مئات الالاف من العراقيين وتدمير المجتمع واخيرا اجتاحتاه بهدف فرض نظام موال لهما." واضاف "الاجتياح بحد ذاته يعتبر جريمة حرب ولكن الجريمة تضاعفت بالطريقة التي نفذ بها الاجتياح وادى الى الحاق المزيد من الويلات بشعب العراق وصلت الى حد وجدت الولايات المتحدة نفسها في مأزق حرج جدا." واردف قائلا "هي الان كدولة محتلة تواجه مشكلة تفوق تلك التي واجهها الالمان اثناء احتلال اوروبا. ولكن كيفية استمرارها على هذا النحو غير واضحة حتى الان هي غير قادرة على الانسحاب لان من شأن ذلك ان يجعل العراق دولة مستقلة وهذا ما لا تتحمله الولايات المتحدة. وعلى هذا الاساس ستحاول فرض نظام موال لها."

وجاءت اقوال تشومسكي وهو من أبرز منتقدي السياسة الامريكية والسياسة الاسرائيلية والمناصر للشعب الفلسطيني عقب لقائه امين عام حزب الله الشيخ حسن نصرالله في ضاحية بيروت الجنوبية. ووصف تشومسكي امين عام حزب الله بانه "عقلاني وذكي ومحلل للوضع اللبناني وقد تعلمت اشياء كثيرة منه." وقال تشومسكي للصحفيين عقب اللقاء الذي استمر ساعتين "لنصرالله سبب وجيه كي يكون السلاح بيد حزب الله وذلك لردع اي عدوان محتمل وهناك عدة اسباب لذلك وهو من موقعه يعبر عن ذلك بشكل صحيح." واضاف "حتى تكون هناك التسوية السياسية الكاملة في المنطقة وحتى ازالة او تقليص المخاطر او العنف يجب ردع اي عدوان والجيش اللبناني غير قادر على ذلك."

ومكث المفكر الأمريكي البارز ناعوم تشومسكي لدقائق في إحدى الزنزانات الضيقة بمعتقل الخيام السيء السمعة في جنوب لبنان وشبهه بمعتقل جوانتانامو معتبرا تحرير الجنوب اللبناني انتصارا لكل العالم ضد الظلم.

وفي إطار زيارته الاولى للبنان زار المفكر اليهودي الذي عرف بمناهضته لاسرائيل يوم السبت معتقل الخيام الذي كان شاهدا على عذاب مئات الاسرى والمعتقلين قبل ان تنهي اسرائيل احتلالا دام 22 عاما في عام 2000 تحت ضغط مقاومة مسلحة قادها حزب الله.

وقال تشومسكي وهو من أبرز منتقدي السياسة الامريكية والسياسة الاسرائيلية والمناصر للشعب الفلسطيني "يشرفني ان ازور هذه المنطقة وألتقي أُناسا كنت أقرأ عنهم لمدة ثلاثين عاما ويمثلون من خلال انجازاتهم البطولية كل تقدير والمقاومة لاي عنف ولاي قوة يجب ان تكون في اي مكان من العالم وهنا لم يكن انتصار فقط لكل اللبنانيين بل لكل الناس في العالم ضد الظلم."

اضاف تشومسكي الذي كان يتجول في زنازين المعتقل وممراته برفقة مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق "يشرفني ان اكون في مركز الحدث المميز واتفق معك بأن الشعب اللبناني والشعب الامريكي لديهما نفس المصالح ونفس الهموم ويستطيعان ان يعملا معا لتحقيق الاهداف التي عملتم أنتم هنا على تحقيقها."

وأصر تشومسكي على دخول احدى الزنزانات والبقاء مدة قصيرة داخلها مغلقا بابها قبل ان يفتح الباب ويقول "انها لحظات قاسية ومؤلمة داخل هذه الزنزانة فكيف للذي امضى فيها 12 عاما من عمره."

والسجن عبارة عن ثكنة عسكرية صغيرة بناها المستعمر الفرنسي في بداية الاربعينيات على تلة مشرفة على بلدة الخيام من جهة وعلى شمال فلسطين من جهة أخرى فيما تقابلها من الشرق هضبة الجولان السورية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 ومن الغرب قلعة الشقيف.

وأصبحت هذه الثكنة معتقلا سيء الصيت في عام 1985 تديره ميليشيا جيش لبنان الجنوبـي العميلة لاسرائيل وباشراف ضباط اسرائيليين بعد ان اضطرت القوات الاسرائيلية الى إغلاق "معتقل أنصار" على الساحل الجنوبي للبنان إثر انسحابها من منطقته.

ومع الانسحاب الاسرائيلي في مايو ايار عام 2000 تقدمت حشود المواطنين اللبنانيين الى ساحة المعتقل وهي تنادي بـاطلاق سراح اولادها فما كان من عناصر ميليشيا جيش لبنان الجنوبي المتعاملة مع اسرائيل الا ان ركبت الياتها وفرت مخلفة وراءها السجن والأسرى وأدوات التعذيب.

وقال تشومسكي للصحفيين أمام آلية اسرائيلية وضعت في باحة المعتقل كان قد غنمها عناصر حزب الله "لقد تأثرت كثيرا بجولتي داخل هذا المعتقل الذي يذكرني بمعتقلات جوانتانامو وغيرها وكنت قد تعرفت على هذا المعتقل منذ العام 1982 بواسطة مقالات تناقلها الاعلام الخارجي عبر الصحف الاسرائيلية".

ودعا تشومسكي الى إطلاق سراح كل الأسرى والمعتقلين من كل السجون الاسرائيلية ومن كل السجون الامريكية قائلا "ليس لاي جيش احتلال الحق باحتجاز اي أسرى او معتقلين ليس فقط لبنانيين بل كل الاسرى في الاجتياحات الجديدة مثل أفغانستان والعراق."

وردا على سؤال بشأن خشيته من ردة فعل من الادارة الامريكية جراء زيارته لحزب الله قال "لا أعرف ما هي ردة فعلهم ولا يهمني ذلك وهنا اذكر لكم انني زرت فيتنام أثناء الحرب والتقيت طلابا وتناقشنا بالاوضاع وفي النهاية قالت عني الادارة الامريكية انني عميل وأعمل مع العدو والصحافة الامريكية آنذاك وأيضا الصحافة البريطانية كانت سيئة جدا وصورتني انني أمدح الفيتناميين بينما كنت أود التعاطف معهم."

وبينما كان تشومسكي يجول في أرجاء المعتقل كانت طائرة استطلاع اسرائيلية تحلق في سماء المنطقة إذ قال "القوى الامبريالية تفعل ما تريد وما دامت الادارة الأمريكية تسمح بذلك فهم سيستمرون."

وقدم الشيخ قاووق للمفكر تشومسكي صورة ترمز الى مقاتلين من حزب الله على ظهر دبابة اسرائيلية غنموها أثناء الانسحاب الاسرائيلي.

كما جال تشومسكي على طول الطريق المحاذية للشريط الحدودي مع الجانب الاسرائيلي وقال للشيخ قاووق مودعا عند مشارف مزارع شبعا المتنازع عليها "أتمنى ان ألتقيك المرة القادمة في مزارع شبعا المحررة."

واشتبك حزب الله والقوات الاسرائيلية مرارا في مزارع شبعا. ويقول لبنان وسوريا انها لبنانية لكن دمشق رفضت ترسيم الحدود في المنطقة.

وأحدثت زيارة ناعوم تشومسكي الى لبنان هذا الاسبوع ضجة كبيرة وسط المثقفين والاكاديميين الذين رافقوه بالمئات في محاضراته في الجامعة الامريكية وفي زياراته.

وتشومسكي الذي ولد في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا عام 1928 من أشد المدافعين عن القضايا العربية في الولايات المتحدة ومن أشد منتقدي السياسة الامريكية في الشرق الاوسط ويصف هذه السياسة بأنها "ضالة ومضللة وخادعة وتكيل بمكيالين وقد تؤدي بالعالم الى الدمار الكوني لان الشرق الاوسط من المناطق شديدة الالتهاب في العالم".

ولتشومسكي عدة كتب تنتقد السياسة الامريكية في الشرق الاوسط منها "السلام في الشرق الاوسط" و"مثلث المقادير" و"قراصنة وقياصرة" و"ثقافة الارهاب" و"أوهام ضرورية" والديمقراطية المعوقة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/ايار/2006 -15/ربيع الثاني/1427