الحكومة الدائمية بين الممكن والتحفز لعبور المستحيل

المحامي طالب الوحيلي

لو تسنى لاحد تصفح سجلات الحوادث اليومية لدى المؤسسات الامنية في العراق، ولاسيما معاهد الطب العدلي في بغداد وبقية المحافظات، لوجد ان الاخبار التي تتداولها وسائل الاعلام المختلفة عن الملف الامني هي غيض من فيض دموي، يرعف وينز فيه لدم العراقي دون سبب ولاخاسر فيه سوى شعبنا، الذي لم يخسر من سقوط الطاغية سوى قيوده التي كانت تكبله طيلة العقود المظلمة من تاريخ العراق.

لكن قيود اخرى قد افلتت منها وحوش ضارية كانت قد تمرست على القتل والسادية، بعد ان تخرجت من مشيمة الرذيلة البعثية ومن مؤسسات القتل المقنن الصدامي،ولعل البحث عن الاسباب الدافعة والباعثة على المسلسل الارهابي والقتل والتخريب المبرمج والمؤدلج، يضعنا امام حقيقة مرة هي بقاء اشباح النظام البائد بكل تفاصيلها تتحرك ليلا ونهارا، وسرا وعلابية، واذا كانت تعمل في ظل قانون استبدادي لا يد للمواطن فية سوى الاذعان، صارت اليوم قانون للاستبداد نفسه بالرغم من السيادة الوجلة للسلطة الدستورية التي اسس لها الشعب شرعيتها برغم ظروف القهر التي يقاسيها يوميا.

وبالرغم من سيادة سلطة الاحتلال التي لاترغب كما يبدو من ان يستقيم امر العراق على كافة اصعدة الحياة فية،لذا نجدها تتعاطى مع كافة الملفات بازدواجية ظاهرة، فهي تحاول البقاء في العراق اطول وقت ممكن وباقل الخسائر في ارواح جنودها وممتلكاتها،مما يجعلها تتعمد وضع المعالجات الخاطئة في الحد من ظاهرة الارهاب بستخدامها القوة المفرطة في اماكن معينة بقصد احداث ردود افعال تنعكس على سياسة الحكومة العراقية ومصلحة الشعب المبتلى،فيما تعتقل من تشاء وتطلق سراح من تشاء دون تقدير لسيادة القانون العراقي الذي كان ينبغي عليها كقوات متحضرة ومن قلب العالم الديمقراطي ان تخضع كل تصرفاتها خدمة لعهد دولة القانون التي يفترض لها ان تكون الانموذج الحضاري للعالم العربي والاقليمي.

لذا فان جميع تصرفات قوات الاحتلال في العراق هي موضع ريبة المواطن الذي افتقد الامن والامان وابسط مقومات الحياة العادية ولا نقول الطبيعية وقد ياس من بريق ضوء في عتمة لاحدود لها كعتمة ليالي بغداد وقد غادرتها مصابيحها ومصادر طاقتها الكهربائية التي عجزت عن معالجتها الدولة المتفردة في عظمتها في هذا الكون!!

ولاادري هل هي مزحة ام حقيقة ما قاله (لينين)في الثلاثينات من القرن الماضي بان الاشتراكية تساوي دكتاتورية الطبقة العاملة زائدا كهربة البلاد!!! لذا اعتبرتها امريكا في العراق رجس من عمل الشيطان!!

ليس بطرا منا المطالبة بالكهرباء، ولكن على الاقل الشعور بنجاح يمس الحاجة الشخصية للفرد لكي يبعد عن ذاكرته شيء من اساليب النظام البائد في حرماننا من ابسط مباهج الحياة وينسينا ما رصده بول بريمر لوزارة الكهرباء من عدة مليارات من الدولارات راحت نهبا، وقد كانت تكفي لتاسيس محطات للكهرباء النووية او غيرها !!

وكلما تقدمت العملية السياسية وتطورت عمقا وعلوا، كلما تطورت ماكنة القتل الارهابي بالرغم من ان العبة السياسية قد شملت قوى كانت على الضد من التوجه الشعبي العام في اتمام بناء سيادة الدولة العراقية، وقد اتخذت من سياسة العنف وسيلتها في فرض اجندتها بعد ان عرفت حجمها الحقيقي في التكوين العراقي، حتى ان بعضهم قد لوح بدعوته (للمقاومة)في ايقاف نشاطها خلال الحملة الانتخابية الاخيرة، وقد حدث انحسار كبير في العمليات الارهابية، لترجع بصورة اشرس من السابق حين ظهور النتائج النهائية للانتخابات.

وزادت على ذلك ان اصابت الوحدة الوطنية بالصميم حين هدمت الروضة العسكرية في سامراء ليتحول الامر الى احتدام طائفي الخاسر الوحيد فيه شعبنا العراقي، فمتى يعيد هؤلاء الساسة طلبهم لقواتهم بالتوقف عن اراقة الدماء ومنع مسلسل القتل على الهوية والتهجير الطائفي وخرق القانون ماداموا قد منحوا ما يفوق استحقاقاتهم الانتخابية والديمقراطية ؟ ثم مالفائدة من تشكيل حكومة وحدة وطنية مادامت الوحدة الشعبية مهددة من قبل زمر تعيث الفساد في معظم مناطق الكرخ والاعظمية ؟

ان طبيعة النظام السياسي في عراقنا الدستوري الجديد هو نظام وزاري، أي ان ادارة السلطة التنفيذية تخضع للصلاحيات الدستورية الواسعة لرئيس الوزراء الامر الذي يضعه امام مسؤوليات كبيرة في ادارة كافة الملفات، سواء كانت موروثة من العهود الماضية ام انه ضمن مفردات برنامجه  السياسي والكتلة البرلمانية التي اختارته على وفق السياقات الدستورية المعروفة، مقابل ذلك يقف مجلس النواب كسلطة رقابية تعكس رغبات وطلبات المواطن الذي وضع ثقته بها في ترجمة قضاياه ومشاكله العامة الى عمل مثمر وليس خطب ومجاملات وسجالات عقيمة، فضلاً عن انها السلطة التشريعية المختصة في اصدار القوانين والانظمة للسلطة التنفيذية والقضائية، وصاحبة الصلاحية الاولى في دعوة ومحاسبة الوزارة وسحب الثقة منها اذا اقتضى الامر، مما يعني ذلك  قيام معارضة برلمانية تنشؤها كتل او كيانات او افراد،  سواء كانت سلبية ام ايجابية، وهذه المعارضة قد تكون مجرد مصادر مشاكسة الغرض منها الطعن بادارة الحكومة وعرقلة عملها على وفق ثقافة العداء المتجذر، او تكون معارضة تقويمية حسنة النوايا لا يدفعها سوى البحث  عن النتائج الاصلح في معالجة تلك الملفات المتراكمة،  والوصول الى ارقى وافضل الثمار التي طالما انتظرها الفرد العراقي بكل صبر وحسرة .

ان مهمة رئيس الوزراء صعبة جداً لما يدور حوله من سياقات لاختيار طاقمه الوزاري، الذي يفترض منه ان يكون تحت مقاييسه و شروطه هو بالذات، وان يكون باختياره لان فشل ونجاح هذه الحكومة يحسب على رئيس الوزراء وحده،لاسيما انها حكومة يمتد سلطانها اربع اعوام من البناء والعمران ومكافحة كل الوان الفساد والانفلات الامني،  و ان المستقبل كما يبدو سوف لن يشهد تغييراً عما قدمته الحكومتان السابقتان، اللهم الا اذا كان ولاء الوزراء وطواقمهم الى تلك الحكومة وللشعب وللدستور بعيداً عن النوايا الضيقة والمزايدات الاخرى ..

[email protected]   

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعه 12/ايار/2006 -13/ربيع الثاني/1427