أوربا العجوز تعيش على دماء المهاجرين

تستقبل القارة الأوروبية ملايين المهاجرين، الأمر الذي سبب مخاوف للكثير من الساسة الأوروبيين وحذروا من قدرة أوروبا على تحمل المزيد من المهاجرين. من جانب آخر يرى بعض الخبراء أن الهجرة قد تنقذ القارة من نقص حاد في العمالة.

ويتجمع عدد كبير من المهاجرين، الذين أتوا من أعماق إفريقيا، في معسكرات إيواء تقع قرب مدينة سبتة في انتظار الرحيل نحو أوروبا. حيث يمثل العبور إلى الضفة الأخرى من الأبيض المتوسط بالنسبة للكثير منهم الفرصة الوحيدة للهروب من البؤس. غير أن ذلك الطموح سرعان ما يتبخر عند الجدران والأسلاك الشائكة التي يزداد ارتفاعها باستمرار لمنع محاولات التسلل غير شرعي للأراضي الأوروبية. وبذلك تكون القارة الأوروبية قد تحولت إلى قلعة محصنة يصعب دخولها من قبل المهاجرين السريين.

 ويبدي في هذا القبيل توماس فايست، الخبير الألماني في شؤون الهجرة من جامعة بيلفلد، تحفظاته تجاه الطريقة التي يتم بها التعامل مع ظاهرة الهجرة. فالمسؤولون الأوروبيون يميلون إلى التعامل مع تلك الظاهرة على أساس أنها لا تعدو كونها مشكلة تتعلق بالسياسة الأمنية ليس إلا. ويقول فايست في هذا الصدد:" علينا أن نغير تفكيرنا في هذا القبيل. الهجرة مشكلة تتعلق بالسياسة الاجتماعية وبالسياسة الاقتصادية". وينتقد الخبير الساسة الأوروبيين الذين يريدون تحصين الحدود الأوروبية وتشديد الرقابة على المهجرين بحجة الهجوم الإرهابي الذي تعرض له مركز التجارة العالمي في نيويورك. ويعقب الخبير الألماني على تلك الادعاءات قائلا:" إرهابيو 11 من سبتمبر كانوا مندمجين في المجتمع الغربي ويتمتعون بحرية التنقل. لم يكونوا يمثلون المهاجر النموذجي." إلى ذلك دعا إلى الانفتاح الانتقائي الذي يخدم المصلحة الأوروبية.

ويميل غالبية القادة الأوروبيون إلى اقتراح وزير الداخلية الفرنسي، نيكولاس ساغوزي، الذي يدعو إلى ضرورة انتقاء الأشخاص الراغبين في الهجرة إلى أوروبا. ويذكر أن الوزير الفرنسي سبق أن أكد أن فرنسا لا تحتاج إلى مهاجرين يحتاجون إلى المساعدة. وطالب باستقدام فقط المهاجرين اللذين بإمكانهم أن يساهموا بشكل فاعل ومستمر في تطوير فرنسا وتعزيز مكانتها بين الأمم. إلا أن هذا الاقتراح أثار حفيظة نشطاء في منظمات حقوق الإنسان وسياسيون معنيون بالمشاريع التنموية. من جانبه حذر غونتر بونت، مسؤول في الوزارة الفدرالية لتطوير الاقتصاد والتعاون، من الانعكاسات السلبية لمثل تلك السياسة على الدول التي ينحدر منها المهاجرون. فالتشجيع على هجرة نخبة مجتمع الدول النامية لتتخذ من أوروبا موطنا جديدا يضر بشكل كبير بالدول الفقيرة ويضعف فرص النمو فيها. الأمر الذي قد يزيد من تفاقم المشاكل الاقتصادية. 

وفيما الأسلاك الشائكة تزداد ارتفاعا على الحدود الأوروبية، يرى البعض الآخر ان ان حفنة المهاجرين من ذوي الكفاءات العالية لا تملك الحل لأهم مشكل يواجه دول الإتحاد الأوروبي. فقد حذر العديد من الخبراء من ارتفاع نسبة الشيخوخة بين السكان الأوروبيين التي تهدد وتيرة النمو داخله. مما ينذر بمأزق ديموغرافي قد تتعرض إليه القارة العجوز خلال العقود القادمة. وأظهرت بعض الإحصائيات أن ثلث ساكنة أوروبا سيتجاوز سنها ال50 عاما بحلول العام 2015. وتظهر تلك البيانات مدى حاجة أوروبا مستقبلا للعمالة الأجنبية والمهاجرين لتعويض ذلك النقص. بل يذهب بعض خبراء الهجرة إلى حد التحذير من نشوب منافسة شديدة مستقبلا بين الدول الأوروبية حول من يستقطب الأجانب.

والشيخوخة تعد أهم خطر يواجه أوروبا ورغم ذلك مازال المواطن الأوروبي يخشى من الهجرة. إذ يرى فيها تهديدا لمكان عمله. وتعتبر أولا ميكوتا، عن رابطة السياسة التنموية الألمانية غير الحكومية، أن تلك المخاوف مفهومة ويجب أن تؤخذ على محمل الجد. لكنها تدعو في نفس الوقت إلى التعامل مع الموضوع بواقعية. فهناك حاجة إلى العمالة الأجنبية. ويعزز هذا الطرح كون أن المهاجرين الذين يقيمون في ألمانيا بصفة غير شرعية يجيدون دائما عملا ما. وحتى حين يتجه المرء إلى الأحياء المرموقة في مدينة فرانكفورت يمكن مشاهدة فتيات آسيويات يصطحبن أطفالا ألمان. وهذا ما يشير، حسب ميكوتا، إلى وجود خادمات يعملن في بيوت تلك الأحياء بصفة غير شرعية. وتطالب ميكوتا الساسة الأوروبيين أن يفسحوا المجال أمام الأشخاص اللذين ينحدرون من قارات أخرى كي يهاجروا إلى أوروبا بصفة شرعية وقالت في هذا الشأن:" إننا نتحدث في زمان العولمة عن تحرير الأسواق، لذا فإن من العادي تماما أن يهاجر الناس. حتى من الدول النامية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/ايار/2006 -10/ربيع الثاني/1427