استهداف محاكم مدينة الصدر هل يحرك سكون القضاء

المحامي طالب الوحيلي

تعرض مجمع محاكم مدينة الصدر الى تفجير إرهابي، أسفر عنه استشهاد واصابة اكثر من خمسة وخمسين مواطنا، وكلهم من أهالي هذه المدينة التي يبدو أنها لن تنعم بلمسة عمران أو هناء أو أمان على اقل تقدير،وإذا كان الحديث يجب ان ينحصر في كارثة يوم الخميس المصادف 3/5/2006 حين اقتحم انتحاري يرتدي حزاما ناسفا جمعا من المواطنين المحتشدين في مدخل المجمع، بين كاسب خرج من بيته لكي ينتظر رزقه او محام تشبع بأخلاق القانون وجدواه في استقامة الحياة خلال زمن يستفحل فيه عرف شريعة الغاب، او كاتب عرائض او بائع قرطاسية وغير ذلك من المهن التي تتفق مع محيط  المحكمة، وكان اغلبهم من مراجعي محكمة الأحوال الشخصية حيث عقود الزواج وعلاقة ذلك بيوم الخميس، وماهي الا لحظة الا واستحال ذلك الجمع البهيج برغم فقره الى نثار دم ولحم ودخان ورائحة شواء غريبة ،حيث فجر ذلك المسخ جسده القذر ملتمسا حصد اكبر عدد من الأرواح البريئة ،وهو عارف كما يبدو بهوية ضحاياه ،نفسهم أبناء مدينة الثورة ،التي وجدت من اسم الشهيد الصدر عنوانا يشتمل على ألف معنى ومعنى ،أقربها  تلك العلاقة الروحية بين أهاليها وبين الرموز الجهادية والنضالية التي توحدت معهم وتوحدوا معها، في وقت يتعمد مشايخ الفتنة الطائفية تمويه تلك الجرائم وتكذيب وجود الزمر الانتحارية فيما أعلن الزرقاوي صراحة عن انتحار اكثر من (800) بهيمة في العراق.

 وقد جاءت هذه الجريمة استمرارا لمسلسل الجرائم التي شهدتها أحياء وأزقة واسواق هذه المدينة منذ كارثة هدم الروضة العسكرية في سامراء ،التي قيدت ضد مجهول ،ونسي ذكرها على ما يبدو ،كحال آلاف الكوارث التي تعرض لها الشعب العراقي منذ انهيار النظام الصدامي ولحد الآن، ولعل الحديث فيها اليوم يعتبر تقليبا للمواجع وتحفيزا لوجع جروح لم تندمل في قلب كل واحد منا، منذ استشهاد السيد الحكيم ومن بعده عز الدين سليم ومرورا بالمجازر اليومية،وانتهاء بقسوة الانتظار والأماني شبه المفقود بتحقق الآمال المعقودة على سير العملية السياسية المتعثرة ،بالرغم مما كونوه من ثقل واع قادر على استيعاب الواقع وما انطوى عليه من تراكمات ومزايدات سياسية ،قد تبيح له إعلان تشاؤمه المفرط بحقيقة ما يجري من حوله ،لاسيما بعد التجارب الانتخابية التي خاضها ووضع فيها كل إرادته وجلده وكأنها منسك عبادي يتلاءم مع مسيراته الملايينية باتجاه العتبات المقدسة كل مناسبة دينية،وبذلك يذل الخطاب السياسي ويتصاغر ان كان يحاول احتواء هذه الملايين مهما كان مصدره،فيما عرف بقايا النظام المقبور والقوى المتجحفلة معه اين يجد مرتعه في القتل والتدمير، حيث كان وما زال أبناء مدينة الصدر وأشباهها من المدن العراقية الفقيرة هم العدو الحقيقي للأنظمة الدكتاتورية والطائفية على خلفية ماض طويل من الاستبداد والقتل والتجويع.

لعل واقع مدننا البائسة من فقر وحرمان وبطالة وافتقار للسكن اللائق والخدمات الحضارية ،والماء والكهرباء لم تشفي غليل قوى الإرهاب والظلام الذين هم اهم سبب في ذلك، ليجهزوا على نسمات حياتهم والمغالاة بإراقة دمائهم بعد ان اصبح القانون والقضاء هما المستهدفان قبل غيرهما،لذا نجد ان العديد من رجال القضاء قد قتلوا بدم بارد ،ولاشك ان استهداف مجمع المحاكم لا يخرج عن هذا المنحى الخطير وهي كافية لان تكون بمثابة صدمة توقض غفوة السلطة القضائية، بعد ان تراجعت سيادة القانون والقضاء كثيرا امام الزخم الهائل من الجرائم الكبرى ،وعدم تمكين  هذه السلطة من لعب دورها المقدر لها في فرض تقاليد دولة القانون التي يمكنها ان تحكم المعضلة الكأداء التي سادت في العراق ،على فرض خلوها من مظاهر الفساد الإداري ،ولكن أين يمكننا وضع هذه السلطة مع السلطتين الأخريين ،وهما التشريعية والتنفيذية ،حين استنزفت الأولى كثيرا لتذكرنا بمجالس الأمة في العهود السابقة حيث المسافة الشاسعة بينها وبين الشعب مع ان مجلس النواب الجديد قد انتخب فعلا من اكثر من عشرة ملايين عراقي وبمحض إرادته ، والداعي الى هذا القول مع مافية من غلظة ،هو انتهاك الاستحقاق الانتخابي في التأسيس لسلطة تنفيذية ،كانت الامل الحقيقي لابسط فرد من هذا الشعب الذي يؤرقه اليوم واقع المزايدات والمناورات بين أطراف ما زال بعض قيادييها يستخدمون صيغ التهديد والوعيد (لو العب لو اخرب الملعب) مع ان بعضهم قد انكشفت من حوله حقائق ما كان يتستر عليه من علاقات مع قوى الإرهاب المعروفة، ولا نقول سوى أعان الله كتلة الائتلاف وقيادييها ومن انتخبها وهي تسعى لتشكيل حكومة ترضي تلك الأطراف التي يصعب إرضائها ألا الاستيلاء على حقوق الآخرين، فهل سوف تفلح حكومة لايد لرئيسها في اختيار طاقمه وفرض برنامجه عليها فيكون في محل الامتحان والمسؤولية المطلقة الا بتقيدها بالدستور ولا شيء غير الدستور؟

ذلك سؤال يقفز الى الأذهان كلما شعر المواطن باي مفردة من مفردات خوفه المستمر وحسرته الدائمة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/ايار/2006 -10/ربيع الثاني/1427