الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن تلتهب من جديد

فاز الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف بجائزة نوبل للسلام لدوره في اذابة الجليد الذي احاط بالعلاقات بين موسكو وواشنطن.. لكنه الان يحذر من ان الدولتين يمكن ان تنحدرا الى حرب باردة جديدة.

وبعد اكثر من عقد من بقاء العلاقات بين واشنطن وموسكو في حالة من التفاؤل شبه الدائم يقول دبلوماسي غربي ان الاجواء في الدولتين "تعكرت".

فمواقف الحرب الباردة تعود الى الظهور في كل منحى بدءا بتصريحات رجال السياسة وانتهاء بوجهات نظر رجل الشارع بل واختيار الاشرار في المسلسلات التي يعرضها التلفزيون الروسي.

وفي الشهر الماضي كتب جورباتشوف اخر رؤساء الاتحاد السوفيتي في صحيفة روسيسكايا جازيتا اليومية "لم نترك بعد الماضي خلفنا.. فقبضته المميتة يمكن الاحساس بها في كل مكان."

واضاف "الدعوات لتهدئة او حتى لتشديد العلاقات بين بلدينا اصبحت مادة يومية في واشنطن.

"في بلادنا ايضا لدينا اشخاص يعدون أنفسهم لتجدد الحرب الباردة بشكل جديد نوعا ما.. بعضهم يدفعه شعور بالقلق والاخر بالتلذذ."

اما على ساحة الاعمال التجارية فالحالة ابعد ما تكون عن الحرب الباردة.

فلا يكاد يمر شهر دون ان تسجل شركة روسية جديدة اسمها في بورصة نيويورك وتفتح بنوك امريكية فروعا لها في شوارع موسكو ويتصارع المستثمرون لحيازة الاسهم الروسية.

والاجواء تختلف كثيرا عما كان عليه الحال منذ خمس سنوات عندما التقى الرئيس الامريكي جورج بوش لاول مرة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث بدا الاثنان في حالة وئام تمهد لعلاقات قوية.

قال الدبلوماسي الغربي "هناك تعكر في الاجواء ستلمسونه في واشنطن. وانتم تعرفون انكم ستجدون نفس الاجواء (في موسكو)."

وقد تسبب هذه الاجواء حرجا عندما يستضيف بوتين الرئيس الامريكي وزعماء دول اخرين لدى انعقاد قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في سان بطرسبرج في يوليو تموز القادم.

وفي 18 ابريل نيسان استدعت وزارة الخارجية الروسية وليام بيرنز سفير الولايات المتحدة في موسكو. كانت موسكو غاضبة لان مركز ابحاث في واشنطن أتاح حسبما ذكرت منبرا للانفصاليين الشيشان للتعبير عن فلفستهم التي تتسم بالعنف.

وقلما يحدث مثل هذا الاستدعاء لسفراء الولايات المتحدة. وتبرز الواقعة التوتر الجديد بين الجانبين.

والقضايا التي يمكن أن تثير غضاضة بين موسكو وواشنطن عديدة.. فهي تتراوح من المحادثات المتعثرة بشأن انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية الى موقف واشنطن المتشدد من روسيا البيضاء حليفة موسكو.

ويقول المحللون ان وراء كل هذه القضايا فكرة توحد بينها وهي ان روسيا التي تشعر بالقوة بعد ارتفاع اسعار النفط لمستويات قياسية لم تعد مستعدة للعب دور الشريك الاصغر.

قال فيودور لوكيانوف رئيس تحرير صحيفة (رشا ان جلوبال افيرز) او روسيا في الشؤون الدولية "نأخذ انطباعا بان روسيا تزداد قوة امام أعيننا وأنه... يمكنها ان تولى اهتماما برد فعل الشركاء الغربيين أقل بكثير مما كانت تفعل في الماضي."

واضاف ان الاتجاه هو "لسنا نحن الذين نحتاج بقية العالم بل بقية العالم هو الذي يحتاجنا."

ومضى قائلا ان بوش ووزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس "مستعدان لتجاهل الكثير ولكن هناك المزيد والمزيد من الاشياء التي يعتبرانها غير ودية ولا يمكنهما تجاهلها."

وخلال زيارة لموسكو الاسبوع الماضي سئل نيكولاس بيرنز المسؤول رقم ثلاثة في وزارة الخارجية الامريكية عما اذا كانت روسيا تشعر بالاستياء ازاء السياسة الامريكية فأجاب "لم اسمع شيئا بهذا القبيل من اي مسؤول سياسي روسي على مدى اليومين الاخيرين."

ولكن في اواخر العام الماضي حث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات للسيطرة على ما وصفه بعلاقتها الاخذة في التدهور بموسكو.

وينظر المزيد والمزيد من الروس الى الولايات المتحدة على انها ند منافس.

وبعد انتهاء الحرب الباردة بات كتاب المسلسلات الروسية يجسدون ادوار الشر في اعمالهم في ادوار الارهابيين ورؤساء العصابات. لكن حلقة عرضت هذا الشهر من مسلسل "شياطين البحر" اظهرت الابطال -وهم وحدة بالقوات الروسية الخاصة- يتحركون لمنع البحرية الامريكية من سرقة صاروخ استراتيجي.

وفي استطلاع للرأي اجري في ديسمبر كانون الاول الماضي قال 30 في المئة من المشاركين ان الولايات المتحدة هي التهديد الرئيسي لامن روسيا القومي. وجاءت الصين في المركز الثاني بنسبة 17 في المئة.

وقال ارتور سارادزيان وهو رجل اعمال ومسؤول حكومي سابق يعيش بالقرب من موسكو "اعتقد ان الولايات المتحدة -الدولة وليست الشعب- ما هي الا مجموعة من قطاع الطرق."

واضاف "انها تريد ان تفرض قوتها على الجميع وان تحول كل الدول بما فيها روسيا الى تابع ومصدر للطاقة."

وقالت الصحافة الروسية يوم الجمعة ان كلمة القاها ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي انتقد فيها الكريملين بشدة تمثل علامة على بداية حرب باردة جديدة يمكن ان تبعد موسكو عن حلفائها الغربيين الجدد.

وفي رد فعل يتسم بالصدمة على اقسى انتقاد امريكي لموسكو على مدى سنوات قال معلقون ان واشنطن خلقت طوقا معاديا لروسيا من الدول المتحالفة مع الغرب يمتد من البلطيق الى بحر قزوين تقريبا.

وقال الكريملين في رد فعل خلال ساعات من القاء تشيني كلمته في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا انها "غير مفهومة على الاطلاق". وكانت الكلمة التي القاها تشيني مليئة بالاتهامات لموسكو بالحد من حقوق الانسان واستخدام ثرواتها من الطاقة في ابتزاز العالم .

وامتنع وزير الخارجية سيرجي لافروف عن التعليق بشكل مباشر يوم الجمعة عندما سئل بشان تشيني لكنه قال ان اجتماع الدول الشيوعية السابقة الذي تحدث فيه نائب الرئيس الامريكي بدا انه اجتماع "متحد ضد طرف ما".

واتفقت الصحافة الروسية مع هذا الرأي وشبهت كلمات تشيني بالكلمة التي القاها في عام 1946 رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل في فالتون بميزوري عندما قال ان اوروبا مقسمة "بستار حديدي".

وقالت صحيفة كومرسانت اليومية في صدر صفحتها الاولى "الاعداء على الابواب. تشيني يدلي بكلمة فالتون في فيلنيوس."

واضافت "ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي يدلي بكلمة رئيسية بشان العلاقات بين الغرب وروسيا حدد خلالها عمليا بداية الحرب الباردة الثانية... الحرب الباردة عادت والان فقط تغيرت خطوط المواجهة."

وتجاهلت واشنطن وموسكو الى حد كبير الخلافات منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة وركزتا على المصالح المشتركة في الحرب ضد الجماعات المتشددة.

لكن العلاقات بين الخصمين السابقين فترت مؤخرا.

واثار انتقاد تشيني القاسي توترا جديدا يرجح ان يظل الشعور به قائما عندما يستضيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الامريكي جورج بوش وغيره من زعماء العالم في قمة مجموعة الثماني في سان بطرسبورج في يوليو تموز.

وقال المعلقون ان الكلمة كانت ردا على الثقة الروسية الجديدة في النفس التي نشات من ارتفاع اسعار النفط ونقص في امدادات الطاقة مما يعطيها نفوذا جديدا.

وجاءت كلمة تشيني خلال اجتماع لمجموعة الدول الشيوعية والسوفيتية السابقة تشمل اوكرانيا وجورجيا ومولدوفا التي كانت تخضع لهيمنة الكرملين خلال العهد السوفيتي. وقد اغضبت هذه الدول روسيا بتحولها نحو الغرب.

واظهرت صحيفة كومسومولسكايا برافدا اكثر الصحف اليومية مبيعا في روسيا ما كان يعنيه الاجتماع بالنسبة لموسكو من خلال تلوين الدول التي اجتمعت في فيلنيوس بحيث يظهر حصار ارجواني يفصل روسيا عن باقي اوروبا.

ووصولا الى تشبيه تاريخي اخر قارنت الاجتماع بذلك الذي تم بين الحلفاء المناهضين للنازية تشرشل وفرانكلين روزفلت وجوزيف ستالين في بلدة يالطا السوفيتية في عام 1945 الذي قسموا فيه خارطة اوروبا.

وقالت الصحيفة "بالامس في العاصمة الليتوانية فيلنيوس مثلما حدث في يالطا في عام 1945 اعيد رسم خارطة اوروبا" مثيرة احتمال عزل روسيا عن التيار الرئيسي.

ومضت تقول "ما الذي يمكن ان تفعله روسيا.. يبدو انها سيتعين عليها تعزيز العلاقات مع روسيا البيضاء ووسط اسيا والتقرب من الصين لموازنة هذه القوة الغربية."

وقال معلقون ان هناك توقعات بان تذعن روسيا وتتبع القيادة الامريكية.

وقالت صحيفة روسييسكايا جازيتا اليومية الرسمية في تعليق مطول "في الوقت نفسه فان شركاء موسكو غير مستعدين للتضحية باي شيء محافظين على وطنيتهم (الصحيحة) وسياساتهم."

وقال تشيني يوم الخميس أمام قمة لزعماء بحر البلطيق والبحر الاسود في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا "أمام روسيا خيار يتعين عليها اتخاذه" داعيا موسكو الى العودة الى مسار الاصلاح الديمقراطي في وقت يسري فيه البرود بشكل متزايد في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.

وحمل تشيني تحديدا على استغلال موسكو لمخزوناتها الهائلة من الطاقة بشكل سياسي في وقت وصلت فيه أسعار النفط العالمية الى ارقام قياسية واتهمها بترهيب جيرانها من الدول التي كان كثير منها يخضع لهيمنة الكرملين خلال العهد السوفيتي.

وقال نائب الرئيس الامريكي ان تحول النفط والغاز الى ادوات "للترهيب والابتزاز" اما من خلال التلاعب بالامدادات أو محاولة احتكار سبل نقلها لن يحقق اي مصلحة مشروعة.

ووجهت الى روسيا انتقادات دولية في وقت سابق هذا العام عندما قطعت لفترة وجيزة امدادات الغاز عن اوكرانيا في صراع على الاسعار ادى الى تعطيل الامدادات الى اوروبا.

كما حذرت موسكو ايضا اوروبا من ان شركة جازبروم العملاقة التي تحتكر قطاع الغاز في روسيا وتعد اكبر منتج للغاز في العالم قد تحول امداداتها الى اسيا اذا منعت من الوصول الى السوق الاوروبية.

وقال دميتري بيسكوف نائب المتحدث باسم الكرملين "كلمة السيد تشيني في رأينا تحفل بتقييم ذاتي لنا وللعمليات الجارية في روسيا. التصريحات... غير مفهومة على الاطلاق بالنسبة لنا."

وأضاف ان الغرب استخدم معايير مزدوجة عند تقييم المشروعات التجارية الروسية وان روسيا ستفي تماما بتعهداتها تجاه المستهلك الاوروبي.

ومن شأن تصريحات تشيني القاسية ان تثير مزيدا من الخلافات مع روسيا التي تملك حق النقض بصفتها من الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي حيث تعتزم الولايات المتحدة استصدار قرار يطالب ايران بالحد من طموحاتها النووية. وتعارض روسيا فرض اي عقوبات على طهران.

وقد تتسبب تصريحات تشيني أيضا في توترات عندما يستضيف بوتين لاول مرة قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في يوليو تموز. وقال الرئيس الامريكي جورج بوش انه سيواجه بوتين مباشرة بخصوص الديمقراطية.

وقال تشيني ان معارضي الاصلاح في روسيا "يسعون للقضاء على مكاسب العقد الماضي" بتقييد الحقوق الديمقراطية وحذر الرئيس بوتين من ان بعض تحركات موسكو قد تضر بعلاقاتها مع دول اخرى.

لكن تشيني قال "ما من أحد منا يعتقد أن روسيا ستصبح عدوا."

وأضاف أن أعضاء مجموعة الثماني يعتزمون أن يوضحوا خلال قمة ستعقد في سان بطرسبرج هذا الصيف أنه "ما من شيء ينبغي أن يخيف" روسيا من الديمقراطيات المستقرة على حدودها.

ويشكل خطاب تشيني وهو شخصية قوية معروفة باستقلالها وموقفها المتشدد من روسيا في الادارة الامريكية تكثيفا في الانتقادات الامريكية والاوروبية ضد موسكو فيما يتعلق بسجل الديمقراطية.

والقى خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي كلمة خلال المؤتمر وتطرق ايضا على غرار تشيني الى التوترات الدبلوماسية مع روسيا.

ويأتي انتقاد روسيا على هوى القاعدة المحافظة المؤيدة لبوش بالداخل حيث سجلت معدلات التأييد له انخفاضا قياسيا بلغ 32 في المئة. ومعدلات التأييد لتشيني اقل من ذلك.

وتشتبه روسيا التي تقول ان واشنطن أعاقت انضمامها الى منظمة التجارة العالمية في ان السياسة الامريكية التي تقوم على الترويج للديمقراطية في العالم هي مجرد اداة كي تثبت واشنطن اقدامها كقوة مهيمنة على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

وعلى مدى العامين الاخيرين تسببت ثورات سلمية في اوكرانيا وجورجيا في صعود حكومات مؤيدة للغرب الى السلطة.

وقال سولانا ان اوروبا تأمل في أن تحذو روسيا البيضاء وهي حليف وثيق لروسيا الحذو ذاته.

ووصف تشيني روسيا البيضاء بانها "الدكتاتورية الاخيرة في اوروبا" ودعا الى الافراج فورا عن زعيم المعارضة الكسندر ميلينكفيتش وغيره من المعارضين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  7/ايار/2006 -8/ربيع الثاني/1427