معالجة الإرهاب حقائق واستحقاقات

المحامي طالب الوحيلي

لم يعد الاعلان عن وقوع جرائم ارهابية في العراق بالامر المفاجيء، بالمفاجيء حقا ان يمر يوما دون حدوث ذلك، لما اعتاد المواطن عليه من كوارث حقيقية،  لو انها وقعت في أي مكان من العالم لكان مدعاة لدخول الكون باسره في حالة طوارئ مستمرة حتى القضاء النهائي على اخر البؤر التي تسببت في هذا الخراب المستزمن.

هذا الامر دعى الولايات المتحدة الى فتح اكثر من جبهة الغرض الاول فيها نقل ميدان نشاط الارهاب الذي استهدف مواطنيها الى اماكن اخرى من العالم بعيدا عن سوحها وميادينها العامرة ومواطنيها الغالية دمائهم جدا لديها، فيما فعلت دول اخرى امتازت بعراقة قوانينها اقصى حالات الحيطة وادق الوان التدابير الاحترازية حتى ولو اضطرها ذلك الى تجاوز قواعد حقوق الانسان وعلاقاتها مع محيطها وما تدعيه من مباديء وقيم هي بالنسبة لها لاتساوي ابسط هاجس خوف يمكن ان ينتاب مواطنيها،وليست بعيدة عن الواقع العراقي دول الجوار والمحيط العربي التي تعتبر مصالح انظمتها هي المعبر الحقيقي عن مصالح شعوبها مما يبيح لها تبني أي خيار يؤمن لها النأي عن ميدان الخطر الارهابي، حتى ولو سلكت نفس السلوك الامريكي في مسعى تركيز المعركة مع الارهاب في العراق وحده دون سواه.

لهذا السبب نجد الجميع لايبالي بسيول الدماء العراقية وآفة الخراب وما يمكن ان تجره الايام من ويلات جديدة على هذا البلد الذي طالما ابتلي بتدخل الانظمة العربية في نفخ رياح الشر في طاغيته المقبور، وما بين موقف سلبي مما يجري، وبين دعم مباشر بالقول وبالفعل من قبل رؤساء ومسؤولين كبار في تلك الحكومات، او ايواء لقيادات حزب البعث المغرقين باموال الشعب العراقي المسروقة،او دعم عسكري ولوجستي لتلك الزمر العابثة بارواح الملايين من الابرياء، بما في ذلك صمت القبور ازاء كل ما وقع او يقع من تلك الكوارث، نجد هذه الايام ان الارهاب بدء يسير بالاتجاه المعاكس ليمتد الى الدول الحاضنة مما يشعرها هي وشعوبها بمدى المآسي التي يعيشها ابن وادي الرافدين، وكيف ان نعيمهم لايدوم ماداموا في موقع الشامت والتفرج على هذا الشعب، الذي لم يعبء بما يجري عليه مادام قد رسم طريقه بنفسه واختط منهاجه الذي سوف يفرضه بكل ارادة وصبر.

 ولكن السؤال المقلق حقا هو، هل صار هذا الوباء مزمنا قياسا بتصاعد العمليات الإرهابية والتي ظهرت في أطر منظمة اكثر من كونها عمليات عفوية او ردود افعال لبعض الاجراءات الصارمة التي تتخذ ضد المتهمين الذين تدل الوقائع والقرائن على ضلوعهم بابشع الجرائم او المشتركين فيها، كما يبررها منظرو الإرهاب الذين تطالعنا بهم الفضائيات والقنوات التلفزيونية كل يوم وهم يجاهرون بكل صراحة بتبرير الإرهاب وتسويغه، ولا تكاد ساعة تمضي الا وقد سمع صوت مدو لانفجار هائل تتناثر فيه الأشلاء الطاهرة وتنزف فيه الدماء، فيما قطعت العملية السياسية اشواطا بعيدة في تشكيل الحكومة العراقية على اسس متينة هدفها الوحدة الوطنية، وقد ساهم الشريك الاخر من المكون العربي في قسط من التضحية، لاسيما بعد الظهور القبيح للارهابي (الزرقاوي)واعلانه ستراتيجيته الجديدة في الاستهداف السافر لكافة ابناء الشعب دون تمييز بين طائفة او اخرى، فالجميع اصبح لديه خارجين عن عقيدته وقد احل قتلهم،ولعل استهداف اشقاء الدكتور طارق الهاشمي دليل على تهديده ووعيده، وبدل من معضدة الدكتور الهاشمي في شجبه واستنكاره لرسالة غراب البين الزرقاوي، يقف خطيب وامام جامع ام القرى معاتبا الزرقاوي لاطلاقه (احكاما غير موضوعية ومطلقة على اهل السنة) وانه قد حكم سلفا على من اشترك منهم في العملية السياسية بالقتل،  وان عليه اللجوء الى الحوار!! كونه(السبيل الوحيد الذي يمكن ان ياتي بنتائج صحيحة)فمن هو الزرقاوي الذي ينتظر منه التحاور ومع من يتحاور ان لم يكن هناك تواصل وتعاون ادى الى هذا الكم الاسود من جرائم قتل وتفجير وذبح وتهجير لاسر، وافعال متواصلة يقبع في اثرها دعاة المقاومة الذين خلطوا الاوراق كثيرا بين ادعاء برفض الاحتلال، وهم في الحقيقة على صلة كبيرة بالقوات المتعددة الجنسيات اما عبر علاقات تجارية وخدمية كبيرة جدا، او من خلال ما قد اشيع من وجود حوارات سرية مع بعض (فصائل المقاومة) ادت الى هدنة بينهما.

 والانكى من ذلك كله هو تقييد القوات الأمنية العراقية وعدم اطلاق يدها في اتخاذ ما تشاء من إجراءات وتدابير احترازية يمكنها تضييق الخناق على الإرهاب، بعد ان  أفلحت قوات الشرطة والدفاع في أوقات سابقة بتحقيق نتائج هائلة في تقويض الفعاليات الارهابية وتحقيق الضربات النجلاء ضد تلك الفلول الهمجية،  والتي تقتضي استخدام مكثف للعمليات المسلحة والمعلوماتية، لكن الواقع الميداني منذ انتهاء الانتخابات العامة قد افرغ نتائج ليست بمستوى النجاحات السابقة، فبالإضافة الى العدد الكبير من جرائم التفخيخ والتفجير الانتحاري او الذي يتم عن بعد، فقد تزايدت جرائم الخطف المنظم والاغتيالات، مما يقتضي إعادة النظر في الكثير من الإجراءات وفي الكثير من السياسات الداخلية، لاسيما التوقف والتأمل إزاء المزايدات السياسية التي أفرغتها العملية السياسية وما رافقها من تصعيد وتهديد لايمكن تجاهله لكونه كان ومازال بمثابة الزيت على النار.

ومن قبيل المغالطة ان يصدر قانون مكافحة الإرهاب الذي خصص أصلا لإدانة المحرضين والنافخين في نيران الحقد الطائفي والسياسي، وقد سبقه قانون العقوبات العراقي في إصدار أحكامه القطعية ضد كل من تعمد إثارة الحرب الأهلية والطائفية ويصل الحكم بالإعدام على أولئك المروجين، هذه المغالطة هي إهمال هذه القوانين وقبلها اهمل قانون السلامة الوطنية الذي اقتضى الواقع الأمني تطبق ما هو اشد منه، وهو ما تذعن أليه كافة دول العالم حتى الاكثر عراقة منها بحقوق الانسان كما اسلفنا، هذا المبداء الذي طالما انتهك من قبل صدام واعوانه في ماضيهم الغابر وفي حاضرهم  فضلا عن الذين تحالفوا معهم من ارهابيين وافدين.

حقوق الانسان اين نضعها مع من يذبح انسانا ويمثل بجثمانه ويشيع ذلك عبر وسائل الاعلام، واين نضعها مع من يختطف النساء ويمعن في اغتصابهن ومن ثم ذبحهن، واين نضعه مع من يستولي على اسر بكاملها وقرى واحياء يفرض عليها جاهليته وهمجيته، واين نضعها مع من يريد الغاء القانون والنظام والاعراف والاصول والقواعد الحضارية للانسان؟

ابسط العارفين بالانترنيت، يستطيع ان يستدل على بعض المواقع الخدمية الخاصة بالمراقبة عبر الاقمار الصناعية، فهناك موقع يقدم خدماته ببدل يسير يمكن من خلاله مراقبة أي جزء من الارض وعلى بعد بضعة امتار، بل بامكانه متابعة سيارة ما لساعات وايام ويقدم تقريرا بكافة تحركاتها وتوقفاتها، قد يعتقد المواطن العادي ان ذلك من صلب الخيال، لكن الواقع يؤكد يسر هذه الوسيلة وامكان تعميمها على كافة مراكز السيطرة ووضع سيطرات منها بالقرب من بؤر الارهاب المعروفة، مع افتراض وجود حد ادنى من النزاهة والامانة في صفوف رجال الامن والقوات وافراد القوات المسلحة ووجود ولاء حقيقي للوطن!!

من جهة اخرى، فمعروف ان لدى القوات الاجنبية العاملة في العراق كلاب مدربة على كشف المواد المتفجرة، وهناك معدات الكترونية تعمل ذات الشئ،  بل انها قادرة على اكتشاف المواد المتفجرة عن بعد، وغير ذلك من ادوات الكشف والسيطرة والتحكم، فهل ان مثل هذه المعدات  هي اثمن من الدم العراقي ؟! ام ان التكنولوجيا ومعطياتها محرمة على ابن وادي الرافدين لكي يبقى وقودا لنار الارهاب ؟!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 3/ايار/2006 -4/ربيع الثاني/1427