شابندر التجار وحسابات الواقع العراقي المختلفة

المحامي طالب الوحيلي 

يقال في المثل الشعبي الدراج ((بيضة اليوم خير من دجاحة الغد)) وهذا المثل يختبئ وراءه النفعيون والانتهازيون والاتكاليون والانانيون واليائسون, وكل اولئك يسعون للاستحواذ على الاشياء قبل نضوجها وقبل اكتمال تكوينها , أملا في تجييرها سلفا لصالحهم في المستقبل.

 والمثل في اطار الواقع السياسي, ينطبق على صراع بعض القوى التي تعاطت مع المشهد العراقي على مضمار للسباق حول اقتناص اللحظة التي يمكن ان تكون فيما بعد دهرا , وهو تجسيد لثقافة الأحزاب الشمولية وتكتيكات فلسفة الاستبداد والغاء الاخر.

 فقد سقط نظام الحزب الواحد الذي تمخض عن دكتاتورية الفرد الطاغية الذي يتجسم شيئا فشيئا برغم انف حزبه ومركزيته الديمقراطية او ديمقراطية المركزية كما يعرفها منظرو الأحزاب العلمانية وغيرها .. ولنا في حزب البعث اقرب مثل على ذلك .. وسقوطه الذريع في الميدان العراقي الذي يحاول البعض اتخاذه ساحة تجارب لسياقات يرفضها الشعب لانه طالما اكتوى بنارها ..

 فقد دخل بعضهم العراق وكأنه على موعد مع ملايين الشعب، وهي تستقبله استقبال الفاتح المنتصر , وليتحدث عبر كل الفضائيات مدعيا بانه المناضل الوحيد و(المعارض) الذي قضى جل حياته في ترف  الفنادق الراقية والقصور الفخمة , ولو أنه كان يؤمن بالحديث الشريف ( رحم الله امرئ عرف قدر نفسه) لكفاه ذلك معرفة مكانه وسط الشعب،لكنه بلا ريب يعرف اين كان من حزب البعث ومن منظومة النظام البائد، ويعرف الشعب تاريخه ومنصبه في خدمة ذلك النظام , في الوقت الذي تصدت قوى عرفها القاص والداني لمناجزة النظام البائد في الداخل والخارج،  وقد شهدت لها سوح الجهاد وميادين العمل السياسي، دورها الكبير في إيصال مظلومية الشعب العراقي وكشف خفايا ذلك النظام وتعريته التامة التي ادت الى احكام طوق العزلة الدولية عليه، كما شهد لها تاريخها التضحوي وما قدمته من قوافل الشهداء من مقابر جماعية او قوائم اسماء وشت بها ملفات مؤسسات ذلك النظام الامنية الرهيبة، فضلا عن ذلك تأريخ قيادات تلك الحركات وما احاطها من نقاء سياسي وطهر ثياب من عوالق الماضي،  كما انها ذات ارث استشهادي لانظير له مثال ذلك آل الحكيم وآل الصدر .

شعبنا قد خبر بحكم تجاربه وارهاصات الواقع كافة مفردات الماضي، وهو أمين على إعلان أحكامه وتقييم واختيار من هو أهل لثقته، لذا فان تعامله مع الواقع السياسي قد تماشى بمعية  أمر آخر تبلور كثيرا في معترك الصراع ضد النظام البعثي حتى صار الملاذ من الانغماس في الاذعان القسري لذلك النظام، الا وهو اتباع تكاليف المرجعية الدينية، التي استرشد بها في منهجة خطواته في الوقت الراهن بالرغم من شيوع المناخ الديمقراطي، وبذلك وجد دعاة بيضة اليوم خير من دجاجة الغد، ان لاخيار لهم سوى التشبث بالافتراءات والأكاذيب ومحاولات لا تخلو من مبادئ نظرية المؤامرة، او اتهام الآخرين بها على اقل تقدير.

وقد يتزايد هذا الضجيج كلما نجحت القوى الاسلامية في قطف ثمار المعارك الانتخابية الثلاث، على الرغم من وقوع احزاب المعارضة  بخطأ تكتيكي كبير هو عدم انسجامها الأيديولوجي، والوفرة العددية من الأحزاب التي نشأت بدعم قوات الاحتلال، لغرض محاصرة المد الشعبي للأحزاب والتيارات السياسية العريقة كالمجلس الأعلى وحزب الدعوة وبعض الأحزاب العلمانية، ومحاولة تشتيت أصوات الناخبين للحيلولة دون ظهور الكتلة البرلمانية الراجحة، فيما أخفقت أحزاب ذات فعل مؤثر في العملية السياسية في ترصين تحالفاتها والتعايش مع الأمر الواقع بعد أن كانت على تماس كبير بالقوى الإسلامية خصوصا أيام معارضتها للنظام البائد،وكان لها ان تكون الداعم لمن يختاره الشعب مع احتفاظها بمكانتها البرلمانية كمعارضة إيجابية يمكنها إضفاء ميزة فريدة من نوعها هي تحصين العملية السياسية برمتها من الميل نحو ظهور الكتلة الواحدة او الجبهة الموحدة التي يمكن ان تقع في إشكالية المجاملات السياسية على حساب التسابق من اجل بناء البلاد واصلاح ما تهدم والتأسيس لتقاليد ديمقراطية متحضرة عبر الرقابة الإيجابية والنقد البناء لمختلف مفردات الحكومة ومؤسساتها المختلفة،والتأسيس لعلاقات عمل ترقى بالبلاد والمجتمع السياسي الى مصاف الدول المتقدمة..

 لكن البعض جرب الدخول في تحالفات معينة للالتفاف على المنجز الانتخابي لكتلة الائتلاف كما في ما يسمى بمرام، وللأسف أقحمت أحزاب سياسية نفسها في ذلك المطب غير الموفق بعد ان نالت عددا من المقاعد تظن انها غير مناسبة لحجمها وثقلها السياسي، وكأن ذلك هو نهاية المطاف، وانها اما ان تحصل على كل شيء او تطعن بكل شيء !دون حساب للقادم من الايام وما يمكن ان تسعى اليه من عمل ايجابي يمكنها من نيل رضى الناخب ومحبته، لان ذلك هو المعيار الحقيقي لوجود الكيان السياسي او عدمه،لا ان تطعن وعلى السن قادتها بكل رموز الحركة الوطنية، فيصف احدهم قادة الكتل الانتخابية ب(امراء الكتل)وانهم ..وانهم ..حيث لايفهم من كلامه سوى انهم تآمروا على اقصاء الدكتور علاوي حسب الاستحقاق التوافقي من أحد المناصب السيادية، لكون امير كتلته ليس شيعيا ولاسنيا ولا عربيا ولا كرديا !!! وكانه لايعرف ماذا يعني الاستحقاق الانتخابي في سياقات الدول الديمقراطية الذي ابسط مايعنيه استحواذ الكتلة الاكبر على حق لامنازع عليه، وهو تشكيل الحكومة بالكيفية التي تشاءها وعلى وفق اختيار رئيس وزرائها، ومع ذلك ضحت كتلة الائتلاف بحقها وحق من تمثله من اجل لم الشتات العراقي والتأسيس لحكومة عراقية تمثل جميع ابناء الشعب حتى من لم يحضى باقل المقاعد البرلمانية.

كان هذا المتحدث يسترسل بحديثه عبر قناة النهرين من مكتبه ببيروت، وانك لتشعر بترف مجلسه من لوكه للكلام وفي تزويقه، وهو يحاول مغالطة الواقع ومحاولة الغاء حقائق ان هو تنازل عنها برغبته او بدافع من مبادئه،فالمقابل لايمكن ان يوافقه الراي، هو ليس طائفيا ولا بقية اعضاء كتلته واغلبهم بالمفهوم الشائع اليوم هم شيعة وان كانوا من احزاب علمانية شئنا ذلك ام ابينا..

يا سيدي ..انك لن تخسر البيضة ولن تخسر الدجاجة لو نظرت الى الواقع بعين تؤرقها احزان وآلام شعبنا، ام انك حسبتها حسابا آخر يا.. شابندر التجار....

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 1/ايار/2006 -2/ربيع الثاني/1427