دكتاتورية مع سبق الاصرار وعجائب قفص الاتهام!!

المحامي: طالب الوحيلي

اذا كان سقوط صدام ونظامه عجب، فالأعجب من ذلك، القاء القبض عليه بعد مدة من اختفائه وتضارب الحكايات عن اماكن تواجده، وما آل اليه مصير ولديه بعد ان أثبتا ما لم يتمكن صدام طيلة حياته من إثباته !، لكن صدام هذا قد توصل الى حل لكي يداري خيبته وجبنه المستديم حين حفر له جحراً وتمنى ان يخلد فيه وقد عشش الخوف في رأسه والعفن على جسده، فما كان من الذين ضبطوه الا ان يرتدوا قفازات طبية خشية من ان يصيبهم وباء منه.

اما الاعجب من ذلك كله، فهو محاكمته العلنية مع بقية جوقاته الاجرامية، بعد ان شكلت محكمة خاصة وعلى وفق قانون عراقي إستمد قواعده من المبادىء العامة للقانون العراقي وفي اطر قانون العقوبات العراقي وقانون اصول المحاكمات الجزائية النافذين منذ عدة عقود.

تفاصيل كثيرة تضمنتها مئات الآلاف من الوقائع الجرمية التي ضلع بارتكابها صدام وشركاؤه ما بين جرائم شخصية او جرائم عامة او جرائم سياسية، وكلها تكوّن ذلك النسيج البعثي الذي غطى العراق فاحاله الى يباب وخراب الا ان تسرع الجهود الخيرة في معالجته معالجة جذرية.. وكل ذلك ينتظر من الشعب العراقي الحسم النهائي للحكم على نظام، المجني عليه الشعب باسره باستثناء الزمر التي عاشت كعلقات وطفيليات كانت تتغذى من بقايا الجسد العراقي العليل والمنهك، وهي اليوم بعد ان ادمن على سفك الدماء ولعقها لا زالت تروم المزيد، دون ان يردعها رادع اخلاقي او عرفي، ولا اقول ديني، فان الاسلام ومبادئه المقدسة براء منهم ومن حزبهم ومن ماضيهم او مستقبلهم.

المحاكمة بدأت اول اجراءاتها حين احيل المتهمون الى قضاة التحقيق، وقد اختيرت قضية الدجيل كباكورة لسجل الدعاوى اللاحقة، فهل هي النموذج المتكرر الذي ستعتبره المحاكم الاخرى على اساس الاستئناس بما تسلسل من اجراءات ومفردات؟ ام اننا سوف نرى ونسمع لكل حادث حديث؟

ما يمكن اجماله من ملاحظات على قضية الدجيل، هو ان احالتها الى المحاكمة قد سبقت قضايا اخرى يكون في حسمها اثر كبير على الشارع العراقي بعمومه لانه يخرجها عن الاطار الذي يحاول البعض تصويره(بالطائفي)، وكان الاجدى ان تجري محاكمة لاكثر من قضية في في عدة محاكم منفصلة، تسير في وقت واحد من ذلك اثارة موضوع استحواذ صدام على السلطة بقوة السلاح والعنف، وقد توفرت لذلك الادلة والقرائن، بما تضمنته تلك الجرائم من قتل للقيادة السياسة لحزب البعث، و في ذلك تذكير للقبائل والاسر التي ينتمي اليها معظم اولئك الضحايا، امثال (محمد عايش، وعبد الخالق السامرائي، ومحمد محجوب) وغيرهم، ولعل ذلك  يعيد الذاكرة للزمر الارهابية التي تستقتل من اجل صدام وتاريخه الدموي، بعد ان نسوا ان ولاءهم له لا يليق بابناء الاصول والاعراف العشائرية التي هي لب العروبة وأصلها، بما في ذلك جوق دفاعه الذي يرأسه (ابن عم) الشهيد (محمد مظلوم الدليمي)، الذي كان الاولى به المطالبة بثأره وثأر عشيرته من صدام وما الحق بهذه القبيلة الاصيلة من ظلم على اعقاب إعدام محمد مظلوم..

ولفقرة الدفاع عن صدام، حديث لا ينتهي بدءاً من الكيفية التي سمح للمحامين العرب والاجانب في المشاركة بالدفاع عن المتهم بصورة مخالفة لقانون المحاماة والقانون العراقي، ومروراً بمحاولاتهم تسييس القضية والطعن بالشرعية القانونية والدستورية، وبالنظام السياسي الجديد الذي استمد شرعيته من الانتخابات الشعبية التي تكاد تميز هذا النظام عن غيره من الانظمة في المنطقة العربية دون استثناء.

 فضلاً عن الانظمة الدكتاتورية اللاشرعية التي حكمت العراق، بما فيها النظام الانقلابي اللادستوري الذين هم بصدد الدفاع عنه، وهم يعرفون أي دستور وهمي كان يحكم به البلاد، وكيف كان يكتب ويعدل ويشطب بقلم صدام ولا شريك له في ذلك سواه، لانه كان الاوحد لديهم ولا حول للشعب العراقي في الاعتراض او الطعن بأبسط تصرف اداري من باب عدم الدستورية.

 ولنا في القاضي العراقي دار انور الدين خير مثال حين حكم بالسجن لاشارته العابرة بعدم دستورية تصرف وقع في دعوى رفعت امامه في احدى محاكم بداءة بغداد، وقد صدق الحكم الذي اصدره تمييزاً من اعلى سلطة قضائية في العراق وهي محكمة التمييز، التي لم تحال اليها أي قضية حكمت بها محاكم الامن والمخابرات ومحكمة الثورة سيئة الصيت التي ينبغي افراد قضية لمحاكمة قضاتها ونظامها وما اصدرت، قبل الخوض باحد قراراتها الذي حكمت بموجبة باعدام 148 مواطناً من اهل بلدة الدجيل، وذلك غيض من فيض وما اكثر من اعدم بموجب تلك القرارات، حيث انتهت حياة الآلاف من المغيبين بعد ان كانوا احياء في نوافذ الامل لدى اهلهم، لكن تلك الاوراق التي عثر عليها في دهاليز الامن العامة والاستخبارات العسكرية أغلقت كل تلك النوافذ..

والغريب ان المحامي( الدليمي) قد انساق وراء اوامر سيده، كونه مازال مأسورا بطغيان موكله الذي ما زال في جبروته.

ويصول ويجول المحامي المصري (...) بعد ان غرق في خيبة الدكتاتورية المصرية وطائفيتها، ليجد من دواعي واجبه الدفاع عن احد طواطم وتوائم سيده، متعمداً الاساءة للشعب العراقي وللدم الذي نزف طوال حكم حزب البعث، وهو يعرف مع نظامه الحاكم من هو صدام؟ واين مضى شطراً من حياته في الستينيات؟ وماذا قال عنه خالد جمال عبد الناصر في مذكراته حين  كان صدام يتردد على مكتب والده بصحبة مستشار الامن القومي الآمريكي بالقاهرة؟‍‍‍!!

لقد حاول المحامي المصري التمسك بدستورية التصرفات التي كان يجريها صدام، فهل كان اعدام وقتل الابرياء بدون محاكمة هو من صلاحياته الدستورية؟! ام من صلاحيات (الصدامية) وحتى لو افترضنا جدلا بانه كان يتمتع بحصانة دستورية عند ارتكابه مثل هذه الجريمة البشعة والتي تندرج تحت تسمية  جرائم الابادة الجماعية وفق (( اتفاقية منع جريمة ابادة الاجناس والمعاقبة عليها لسنة 1948 )) الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي صادقت عليها  , ولغاية الاول من كانون الثاني 1991 , أكثر من 101 دولة  وبضمنها العراق. واعتبرت بموجبها ابادة الاجناس جريمة طبقا  للقانون الدولي وتتعهد الدول الموقعة على الاتفاقية بمنعها والمعاقبة عليها.وقد عرفت المادة الثانية من الاتفاقية الابادة الجماعية بانها (( ارتكاب أفعال معينة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة أو قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه ))، وكما طعن بدور الادعاء العام جاعلاً منه مجرد عنصر محايد او خصم عادي وفي ذلك تناقض واضح، وحقيقية الامر ان المدعي العام هو من يمثل الحق العام وان المتهمين هم متجنون على هذا الحق والا كيف له ان يكون محايداً؟!

ويبقى الانتظار سيد الموقف ما بين حق مشروع للمدعين بالحق الشخصي – الشعب العراقي- وبين أمل مشوب بالخوف من عدم قدرة المحكمة في ان تقر عينه في تحقيق القصاص العادل بحق الجناة.    

  alwohaily@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية-االجمعة 21/نيسان/2006 -22/ربيع الاول/1427