رامسفلد سخَّر البنتاغون لشخصه و لرؤيته الخاصة للعالم وارتكب اخطاء فادحة

يوما بعد آخر تتزايد الانتقادات لدونالد رامسفلد في الاوساط العسكرية الاميركية بعد ان قام العديد من الضباط المتقاعدين بدعوة وزير الدفاع الى الاستقالة وحملوه في ذات الوقت مسؤولية الاخطاء المرتكبة في العراق واتهموه بالتعجرف.

ففي آذار/مارس الماضي اعلن الجنرال المتقاعد بول ايتون الذي كان مكلفا تدريب الجيش العراقي بين 2003 و2004 ان "على رامسفلد ان ينسحب" وذلك في مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في الذكرى الثالثة لاجتياح العراق عام 2003. واتهم ايتون وزير الدفاع بانه "اظهر قلة كفاءة من الناحية الاستراتيجية والعملانية والتكتيكية" معتبرا انه "مسؤول اكثر من اي شخص اخر" عن المصاعب التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق. وبعده قام اربعة ضباط متقاعدين آخرين خدموا في العراق او شغلوا مناصب هامة ضمن التراتبية العسكرية بمطالبة وزير الدفاع بالاستقالة ايضا. واعتبر الجنرال انطوني زيني الذي يحظى باحترام واسع في الجيش الاميركي انه تم ارتكاب "سلسلة من الاخطاء الكارثية" في العراق. اما الجنرال غريغ نيوبولد الذي كان مدير العمليات ضمن هيئة اركان الجيوش الاميركية فدعا العسكريين الذين لا يزالون يخدمون في الجيش الى التعبير علنا عن اعتراضهم. كذلك هاجم جنرال متقاعد اخر هو برنارد تراينور وزير الدفاع في كتاب الفه مع المراسل العسكري لصحيفة نيويورك تايمز مايكل غوردون. واتهم الكتاب الصادر بعنوان "كوبرا 2: القصة الحقيقية لغزو واحتلال العراق" رامسفلد والجنرال تومي فرانكس الذي قاد عملية الاجتياح بوضع سيناريوات متفائلة تبين انها مخطئة تماما.

من جهته قال الجنرال جون باتيست الذي كان قائد فرقة المشاة الاولى في عامي 2004 و2005 في العراق "نحن بحاجة الى قائد يفهم معنى العمل الجماعي (...) ولا يلجأ الى الترهيب". وينتقد هؤلاء الضباط على وجه التحديد اسلوب رامسفلد المتعجرف وعدم تقبله الآراء المغايرة. واعتبر الجنرال ايتون ان "رامسفلد سخر البنتاغون لشخصه ولرؤيته الخاصة للعالم التي تعود الى حقبة الحرب الباردة وثقته غير الواقعية في التكنولوجيا وقدرتها على الحلول محل العنصر البشري".

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" فان اهمية تصريح الجنرال باتيست تكمن في انه رفض ترقية لانه لم يعد يريد ان يكون تحت امرة رامسفلد.

ويقول خبير في شؤون الدفاع لورين تومسون من معهد "ليكزينتن" ان هذه التصريحات هي فقط ما "يظهر الى العلن" وان النقمة تجاه رامسفلد شعور منتشر جدا في صفوف الجيش بسبب اسلوبه في القيادة. وفي الماضي سبق لدونالد رامسفلد ان واجه دعوات للاستقالة صادرة لا سيما عن المعارضة الديموقراطية. وكان اقترح بنفسه على بوش تقديم استقالته لدى انكشاف فضيحة سجن ابو غريب عام 2004 غير ان الرئيس رفض ذلك، ووسط تصاعد لهجة الانتقادات قام رئيس هيئة اركان الجيوش الاميركية الجنرال بيتر بيس يوم الثلاثاء بالدفاع عن رامسفلد مؤكدا انه لا يتم اسكات العسكريين الذين يعبرون عن اراء مختلفة. وقال بيس في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع "ان الرجل الواقف الى يساري خدم هذا البلد بطريقة استثنائية". كذلك دافع الضابط المتقاعد مايكل ديلونغ عن رامسفلد واصفا اياه بانه "رئيس مجلس ادارة" شركة خاصة تعمل "بطريقة فعالة". كذلك اكد البيت الابيض الخميس ان رامسفلد يحظى بثقة بوش الكاملة قائلا ان "الرئيس يرى ان الوزير رامسفلد يقوم بعمل جيد جدا في فترة صعبة من تاريخ بلادنا". وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) ايريك روف ان رامسفلد لا ينوي الاستقالة.

من جهته قال وليام كوهين وزير الدفاع السابق في ادارة بيل كلينتون انه يعود للرئيس بوش اتخاذ قرار اقالة رامسفلد في حال لم يكن راضيا عن ادائه. واضاف ان "المسالة ليست معرفة عدد الضباط غير الراضين" عن وزير الدفاع.

ومن ناحيته أبدى الرئيس الاميركي جورج بوش مرة اخرى الجمعة الماضية اثناء تجديد ثقته في وزير دفاعه دونالد رامسفلد اخلاصه ووفاءه للمقربين منه وتردده في التخلي عنهم. وكعادته اختار بوش ان يترك العاصفة السياسية والاعلامية التي اثارتها انتقادات عسكريين ضد رامسفلد تمر بدلا من التضحية بمساعد اطلق عليه تحببا اسم "الدون" وذلك في بيان اتسم بالمودة وتضمن اشادة ب"الادارة النشيطة والحازمة" التي ينتهجها الوزير رامسفلد.

وبدا رامسفلد مطمئنا الى الاحتفاظ بمنصبه كما حصل سابقا عندما قاوم في 2004 فضيحة سوء معاملة معتقلين عراقيين في سجن ابو غريب قرب بغداد. وفي تلك الفترة عرض استقالته لكن الرئيس رفضها.وكان رامسفلد رفض في حديث لقناة العربية الفضائية الدعوات التي وجهها اليه ضباط متقاعدون في الجيش الاميركي لتقديم استقالته.

وقال رامسفلد استنادا الى نص الحديث الذي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه "انوي خدمة الرئيس وفقا لرغبته". واضاف "اذا كان علينا تغيير وزير الدفاع الاميركي في كل مرة لا يتفق فيها معه اثنان او ثلاثة من الاف والاف الاميرالات والجنرالات فالامر سيكون اشبه بدوامة". وتصاعد الشعور بالتذمر من رامسفلد في صفوف العسكريين الاميركيين مع سلسلة دعوات الى استقالته من جنرالات سابقين يتهمونه بالغطرسة وبالمسؤولية عن الاخطاء التي ارتكبت في العراق. ودافع رامسفلد عن سياسة ادارة بوش مؤكدا ان قراراتها بشأن العراق متماشية مع موقف الجنرال جون ابي زيد قائد القيادة الوسطى الاميركية والجنرال جورج كايسي قائد الجيش الاميركي في العراق. وردا على سؤال لصحافي العربية بشأن بقائه في منصبه حتى 2008 قال رامسفلد "هذا امر يفترض التفكير فيه".

ورأى خبراء ردا على تصريحات بوش ان هذا الوفاء لا يحمل اي مفاجأة. وقال اريك ديفيس استاذ علم السياسة في ميدلبيري كوليدج في فيرمونت (شمال شرق) "بوش وفي حيال الذين يحيطون به مثلما يتوقع منهم ان يكونوا اوفياء له لن يتخلى عن رامسفلد". والتحليل نفسه اطلقه لاري ساباتو من جامعة فيرجينيا والذي اعتبر ان الكلفة السياسية للحرب في العراق لن تمنع بوش من ان يترك حتى نهاية ولايته في 2008 الثلاثي الاقرب اليه والمؤلف من نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفلد. وراى ساباتو "ان ذلك يحمل في طياته الامل في فوز الديموقراطيين لكن بوش ثابت". وكان رحيل امين عام البيت الابيض اندرو كارد الذي وضعت اللمسات الاخيرة عليه الجمعة كشف عن تردد بوش في التخلي عن المقربين منه: كادت الدموع تنهمر من عيني الرئيس وهو يعلن رحيله في نهاية اذار/مارس. ان اخلاصا مماثلا لا يعني مع ذلك ان ادارة بوش جامدة كليا: فوزير الخارجية السابق كولن باول الذي كان على نزاع كبير مع وزارة الدفاع (البنتاغون) ونيابة الرئاسة ترك منصبه العام الماضي والشائعة التي تحوم في هذه الايام تشير الى مغادرة وزير الخزانة جون سنو على المدى القصير او المتوسط وهو الذي يتولى المنصب خلفا لبول اونيل. لكن مغادرة هؤلاء تعود اكثر لتوازنات داخلية في الادارة منها لضغوط الراي العام او وسائل الاعلام. وبالفعل فان ايا من هذه الانقلابات الرئيسية التي تعرضت لها ادارة بوش لم يؤد الى اي اقالة باستثناءالحالة الوحيدة المتمثلة في رئيس وكالة ادارة الازمات مايكل براون الذي تعرض لانتقاد جماعي بسبب عدم اهليته اثر الاعصار كاترينا في اب/اغسطس 2005.

وكان بوش ضحى بهذا المسؤول الذي يشغل نسبيا وظيفة غير اساسية بعد ايام فقط من الاشادة الحارة به عندما قال اثناء زيارة الى جنوب البلاد الذي اجتاحه الاعصار "براوني انك تقوم بعمل مقدس". وفي المقابل فان كارل روف المستشار السياسي في البيت الابيض لا يزال في منصبه على الرغم من الخطوات السياسية الخاطئة وعلى الرغم من ان اسمه يرد باستمرار في فضيحة تسريب اسم عميلة في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) الى الصحافة. كما ان التقارير والمعلومات حول عدم الاستعداد الاميركي قبل اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 لم تؤد الى اسقاط اي من الرؤوس المسؤولة وكذلك الكشف عن عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق في حين استخدم هذا الامر كحجة رئيسية لشن الحرب في هذا البلد.

وبالتاكيد فان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جورج تينيت استقال لكن ذلك جاء رسميا من قبل رئيسه المباشر ولاسباب شخصية. وكرمه الرئيس لاحقا بمنحه وسام الحرية الرئاسي احد ابرز الاوسمة الاميركية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد  16/نيسان/2006 -17/ربيع الاول/1427