في الوقت الذي يتزايد التحامل على المسلمين في أوروبا أئمة أوروبيون يحاولون التوفيق بين القيم الإسلامية والغربية

تعهد أئمة أوروبيون مجتمعون في فيينا بزيادة الجهود لإثبات أن الاسلام دين يتفق مع الديمقراطية وأن أغلبية المسلمين الذين يعيشون في الغرب يساندون حقوق الانسان وحرية التعبير والتعددية. وفي الاجتماع الذي قامت النمسا برعايته بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي اتفق أكثر من 130 اماما من مختلف أنحاء القارة على ضرورة أن يبذل علماء الدين المسلمون في أوروبا مزيدا من الجهد بغية تأكيد أن عقيدتهم لا تتعارض مع القيم الغربية. ويرقى اعلان الائمة الذي نشر يوم الاحد الى أن يكون قائمة اراء محلية معتدلة ظل الساسة الغربيون يحثون زعماء المسلمين على صياغتها كي تصبح متراسا في وجه الايديولوجيات الاسلامية المتشددة القادمة من الشرق الاوسط. لكن الهجوم الذي تعرضت له جبانة اسلامية يجري بناؤها في فيينا أعاد الى أذهانهم ما يلقاه المسلمون من عداوة في مختلف أنحاء أوروبا.

 وقال مضر خوجة وهو مسؤول بارز في الطائفة الاسلامية في النمسا التي نظمت الاجتماع "المسلمون في أوروبا يصنعون التاريخ." وتابع خوجة في الاجتماع الذي يستمر يومين أن الائمة الاوروبيين يصدرون فتاوى تتعامل مع التحديات الحديثة مثل إدانة الارهاب بدلا من ترك المجال مفتوحا أمام وعاظ متشددين من الشرق الاوسط يقومون بتمجيد العنف على مواقع على شبكة الانترنت. وقال خوجة "لقد أظهرنا كيف نحمي أنفسنا من الفتاوى الصادرة من بلدان أخرى... لدينا فتاوى أصدرها أئمة يعيشون في أوروبا."

 وبخلاف الوضع في المجتمعات الاسلامية حيث للأئمة تأثير هام على المتدينين الذين يسألونهم النصح بخصوص أمور دينهم يواجه المسلمون في الدول الاوروبية تحديا اخر كأقليات في مجتمعات غير اسلامية. اذ أن عدد الائمة المتاح لديهم ضئيل كما أن نمط الحياة التي يعيشونها في الغرب ليست هي الحياة الاسلامية التقليدية.

 ويهدف مؤتمر الائمة الاوروبيين الى تدعيم الاصوات المعتدلة التي لا تستطيع أحيانا أن تصمد أمام ما يردده وعاظ متشددون معادون للغرب في خطب ومقالات على الانترنت تلهب حماسة جماعات صغيرة من الاسلاميين المتشددين في أوروبا. وشدد المؤتمر على أن المسلمين قد يزدادون تأقلما مع المجتمعات الاوروبية التي يعتبرها البعض فاسدة ومنحلة اذا أكد الائمة في خطبهم على أن القيم الغربية الاساسية مثل الديمقراطية والحرية تتفق وأصل عقيدتهم. لكن الهجوم على الجبانة الاسلامية التي يجري بناؤها في احدى ضواحي فيينا ألقى بظلاله على الاجتماع. وأشعلت النيران في غرفة الصلاة في الجبانة في الهجوم الذي وقع في مطلع الاسبوع كما كتبت على الجدران الخارجية للمقابر عبارة "ستتعرض للنسف". وقال عمر الراوي رئيس شؤون الاندماج في الطائفة الاسلامية النمساوية "هذه الكتابات تثبت أنه هجوم ضد الاسلام." وكان هجوم مماثل قد وقع على مسجد بعد عقد مؤتمر اسلامي في نوفمبر تشرين الثاني. ومن الخطوات العملية التي يسعى الائمة الى اتخاذها التأكيد على خطأ المهاجرين الذين يعزلون أنفسهم عن المجتمعات الغربية رافضين الاندماج فيها أو رافضين مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة المعمول به في الديمقراطيات الغربية.

وقال المجتمعون انه على الائمة أيضا أن يظهروا ان انتهاك حقوق المرأة عن طريق اجبارها على الزواج وختان الاناث وعمليات "قتل الشرف" تضرب بجذورها في تقاليد المجتمعات خارج أوروبا لكن ليس لها ما يبررها في الاسلام.

وذكر اية الله سيد عباس رئيس مركز الامام علي في هامبورج وهو من المراكز الشيعية الكبيرة في اوروبا "نحتاج الى اسلوب جديد في التفكير. "هناك حاجة ملحة لنموذج اجتماعي عادل وواقعي (يمكنه أن) يصل الى حلول لمشاكل تحول دون الاندماج والعيش معا في حياة يسودها السلام."

على صعيد مماثل قالت رئيسة مركز مراقبة العنصرية بالاتحاد الاوروبي يوم السبت ان التحامل على المسلمين مرتفع بصورة خطيرة في أوروبا ويمكن أن يقود الى دائرة كريهة من العزلة والتطرف بين الشبان المهاجرين. وأبلغت بيت وينكلر رئيس المركز الاوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الاجانب أئمة أوروبيين يعقدون اجتماعا في فيينا ان الدول الاوروبية لديها ما يكفي من القوانين لتعزيز الاندماج ولكنها لا تطبق جيدا كما أن القضايا الحقيقية غالبا ما يتم تجاهلها. وأيد الائمة المسلمون في أوروبا في الاجتماع الذي نظمته النمسا في اطار رئاستها للاتحاد الاوروبي هدف دمج مجتمعاتهم والاسلام ذاته في الحياة الاوروبية ولكنهم قالوا ان الأمر يحتاج الى وقت وفكر خلاق. وقالت وينكلر في الاجتماع "مستوى التمييز ضد التجمعات الاسلامية في أوروبا مازال مرتفعا بصورة خطيرة." وأضافت "بعض الاشخاص يصنعون صورة نمطية لجميع المسلمين بوصفهم متدينين بشدة ويتقاسمون صورة متطرفة من الاسلام" الامر الذي يمكن أن يؤدي الى خلق دائرة بغيضة من التمييز والعداء نحو المسلمين من جانب فئات أغلبية الاوروبيين. وتابعت "لدى المسلمين شعور باليأس والانسحاب من المجتمع الاوسع وهو ما يؤدي بدوره الى العزلة وخاصة بين شباب المسلمين من أبناء المهاجرين." ولم تقدم وينكلر دلائل احصائية ولكنها قالت ان المركز الذي ترأسه سينشر قريبا تقريرين عن الخوف المرضي من الاسلام في أوروبا. وضم الاجتماع أكثر من مئة امام من أنحاء أوروبا لبحث أفضل السبل لدمج مجتمعاتهم في الحياة الاوروبية وهي مهمة أشادت بها بنيتا فيرارو فالدنر مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الاوروبي. وأبلغت فالدنر الاجتماع "هذه لحظة حاسمة بصورة استثنائية في العلاقات الثقافية والدينية في أوروبا" مشيرة الى "اهتمام جديد بما يسمى بصراع الحضارات". ونفت فالدنر حتمية حدوث الصراع وقالت "اوروبا موطن لنحو 20 مليون مسلم ... الاسلام جزء من الحياة العصرية لاوروبا كما انه جزء من تاريخها." واتفق المتحدثون على أن المواقف العلنية تجاه الاسلام الذي يعتبر الان ثاني أكبر ديانة في معظم الدول الاوروبية ساءت منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول على نيويورك وواشنطن وتفجيرات مدريد ولندن ومقتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ. وقالت وينكلر ان السلطات الاوروبية يمكن أن تساعد الاقلية المسلمة بها م خلال دعم بناء المساجد وتوفير وقت لاذاعة مواد دينية وضمان حصول الائمة ومعلمي الدين الاسلامي على تعليم مناسب. واضافت وينكلر انه يتعين على المسلمين الاوروبيين العمل بفاعلية أكبر ضد التطرف الاسلامي وأعمال القتل بدافع الشرف والزواج القسري والانتهاكات ضد الزوجات والعزلة الذاتية والمساعدة في حل القضايا الناجمة عن الذبح الحلال أو ارتداء الحجاب. وتابعت "كل هذه الاشياء تسبب مشكلات لمجتمعات الاغلبية وتحظى بتغطية اعلامية واسعة."

وقال اية الله سيد قائمقامي رئيس مركز الامام علي الاسلامي في هامبورج ان الائمة الاوروبيين كافحوا مع مشكلة تكيف الاسلام مع الحياة كدين أقلية. وتابع الامام الشيعي "نريد قدرا من الفكر الجديد ... اليوم نحن في حاجة ماسة الى نظام اجتماعي عادل وواقعي (يمكن أن) يصل الى حلول للمشكلات التي تحول دون الاندماج والعيش معا بسلام." وقال أمير زيدان رئيس معهد تعليم الدين الاسلامي في فيينا ان الاسلام في أوروبا يحتاج الى "تعديل عام للمعايير وخلق بعض المعايير الجديدة." وأضاف "يتعين أن نتخلى عن كل أنواع الرفض الفطري لطرق الحياة الجديدة في أوروبا الغربية حتى يمكن أن نرى بشكل موضوعي ما اذا كانت تتواءم مع الاسلام."

وفي الموضوع ذاته دعا المستشار النمساوي فولفغانغ شوسيل قادة المسلمين والجاليات الاسلامية في أوروبا ومعتنقي كل الاديان السماوية الى التعاون المشترك لمكافحة مشاكل العصر وتحدياته مثل الجهل والفقر والتلوث البيئي والحروب واسلحة الدمار الشامل. واكد شوسيل في كلمة القاها باسم الاتحاد الاوروبي خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الائمة الدولي للاقليات الاسلامية في اوروبا الذي حضره أكثر من 120 شخصية اسلامية من مختلف الدول الاوروبية أهمية الحوار بين ممثلي ومعتنقي الاديان السماوية انطلاقا من المبادىء والاسس المشتركة لاسيما التسامح والمحبة والالفة والتعايش الحضاري والثقافي. وذكر خلال الجلسة التي افتتحت الليلة الماضية ان هناك روابطا وثيقة تجمع مختلف الاديان السماوية فضلا عن المفاهيم المتشابهة داعيا معتنقي الاديان الى "نبذ الأحقاد والعداء والعنف والتطرف وضرورة احترام التعددية الدينية بما يساعدنا على حماية أنفسنا من الخطر الذي يهددنا جميعا". وقال "أن الاسلام في رسالته السمحاء يفتح كل الأبواب أمام العلوم والتعايش والحوار والاعتراف ببقية الأديان السماوية". وافاد ان العنصرية والتطرف والاحقاد موجودة في جميع الدول بما فيها النمسا مؤكدا ان معالجتها والتصدي لها لن تحقق الا من خلال نشر ثقافة التسامح والمحبة بين البشر. كما تناول شوسيل في كلمته دور الاديان وكيفية تجاوزها للتحديات والعقبات التي تواجهها دون اللجوء الى العنف والتطرف. وقال ان اندماج المسلمين وأبناء الجاليات الاسلامية في المجتمعات الاوروبية بما فيها المجتمع النمساوي ليس سهلا بل يواجه تحديات جمة محذرا مما قد تشكله هذه التحديات من خلل ولاتوازن في المجتمعات التي تعيش فيها. من جهته رحب عمدة مدينة فيينا ميخائيل هوبيل بعقد هذا المؤتمر الدولي للائمة الاوروبيين في النمسا وقال ان النمسا باتت دولة نموذجية للتعايش بين معتنقي الاديان السماوية مذكرا بان النمسا اعترفت بالدين الاسلامي منذ عام 1912. وأكد هوبيل ضرورة التعايش بين جميع معتنقي الديانات مع بعضهم البعض بغض النظر عن اديانهم او عرقهم او لونهم مشددا على أهمية توفر العدالة الاجتماعية وتهيئة أجواء السلم الاهلي والتفاهم وذلك من خلال الحوار البناء والهادف. وتابع هوبيل قائلا " انا سعيد جدا اننا لا نرى في النمسا أي اقليات منعزلة مؤكدا ان النمسا تقيم حوارا بناء مع جميع الاطراف. ومن جانبها اعتبرت وزيرة الخارجية النمساوية ارسولا بلاسنيك ان تنظيم النمسا لهذا المؤتمر خلال الرئاسة النمساوية للاتحاد الاوروبي يعد دليلا واضحا على مدى اهتمام اوروبا باجراء حوار اوروبي مشترك مع العالم الاسلامي . واكدت بلاسنيك في كلمة لها خلال الجلسة انها مهتمة بتعزيز الحوار بين الحضارات موضحة انه تم عقد اجتماعات مع بعض الوجوه الاسلامية البارزة خلال الاشهر الماضية عقب نشر الصور المسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام واثبتوا نجاح هذا الحوار في احتواء العديد من المشاكل. ودعت مسلمو اوروبا ان يكونوا بمثابة وسطاء بين اوروبا والعالم الاسلامي لانهما مكملان لبعضهما البعض مشيرة الى الدور الذي يمكن ان يلعبه علماء المسلمين في اوروبا لتعزيز مبدأ التعايش والاحترام المشترك والتفاهم المتبادل. وقالت انه لا يمكن حل مشاكلنا من خلال اللجوء الى العنف والتطرف بل عن طريق الحوار داعية في الوقت ذاته الى ضرورة مواجهة تحدي صراع الحضارات بكل شجاعة وتحويل عدم الثقة الى ثقة وعدم الاحترام الى احترام متبادل. ومن جانبه اكد رئيس البرلمان النمساوي اندرياس كول اهمية تنظيم الملتقيات التربوية للائمة والدعاة وتقديم الدعم لانشطة المنظمات الاسلامية والجالية الاسلامية في اوروبا. ودعا كول الائمة في اوروبا الى القيام بدورهم التربوي والتوعوي ودحض الشبهات وحملات التشويه بالحكمة وان يكونوا رسل سلام ودعاة المحبة والخير مع كل الشعوب الانسانية. واعتبر ان التحديات الدولية التي يواجهها العالم الاسلامي في الوقت الراهن تزيد من المسؤولية تجاه الاقليات الاسلامية في اوروبا للاخذ بيدها لاسيما بعد ان تنامت ظاهرة الارهاب والتطرف في العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء  11/نيسان/2006 -12/ربيع الاول/1427