كاتب كردي عراقي تعرض للسجن: الطريق ستكون طويلة لتحقيق العدالة في كردستان 

 

خرج الكاتب والاكاديمي الكردي كمال قادر كريم من محنة تعرض لها في كردستان بشمال العراق بدرس مفاده أن ابداء الرأي قد يؤدي بصاحبه الى السجن 30 عاما. وكان الكردي العراقي الذي يحمل الجنسية النمساوية عاد الى موطنه في كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي موسع في شمال العراق متطلعا الى مرحلة جديدة من حقوق الانسان بعد أن أطاح غزو قادته الولايات المتحدة بالرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003. لكنه أدرك سريعا مخاطر ابداء رأيه في اساءة مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان العراق لسلطاته. وصدر عفو عنه يوم الاثنين الماضي بعد تخفيف حكم ضده بالسجن 30 عاما في ديسمبر كانون الاول الماضي بتهمة التشهير الى عام ونصف.

وقال في مقابلة مع رويترز ان اجراءات احتجازه ومحاكمته وسجنه أثرت فيه كثيرا. واعتقل جهاز للمخابرات مرتبط بالحزب الديمقراطي الكردستاني كريم بعد أن كتب مقالات نشرها موقع للانترنت اتهم فيها الزعيم الكردي باساءة استغلال سلطته وبالفساد.

 وقالت لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك عند مثول كريم لاول مرة أمام المحكمة انه حصل على خمس دقائق فقط للتشاور مع محاميه قبل أن يصدر ضده حكم بالسجن 30 عاما مما دفع النمسا التي تتولى رئاسة الاتحاد الاوروبي الى المطالبة بالافراج عنه. وأعيدت محاكمة كريم (48 عاما) وخففت العقوبة الى عام ونصف ثم أفرج عنه لاحقا. ودفعته التجربة الى الشعور بخيبة الامل في كردستان حيث وعد برزاني ومنافسه جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني والذي يشغل الان منصب رئيس العراق بتحقيق الديمقراطية بعد الاطاحة بصدام حسين عدوهما وقال كريم "المشكلة في كردستان العراق ليست في الاحزاب السياسية بل في المجتمع أيضا الذي يفتقد الوعي في مواضيع كثيرة بدءا بمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان ووصولا الى موضوع المحافظة على البيئة."

 وتتباهى المنطقة الكردية في شمال العراق بأن لديها سجلا في حقوق الانسان أفضل من سجل هيئات عامة في مناطق أخرى في العراق حيث أدى العنف الى اتهام ميليشيات موالية للحكومة بتشكيل فرق للاغتيالات وأثارت مخاوف من اندلاع حرب أهلية طائفية.وكانت المنطقة مستقرة لكن الصراعات السياسية والاضطرابات بسبب سوء الخدمات تثير تساؤلات حول مدى ثبات هذا الاستقرار. وقال كريم انه سيعود مجددا الى كردستان بعد أن يقضي وقتا في النمسا وانه ينوي الاستمرار في الكتابة عن الفساد.

وتابع قائلا "سأعمل من أجل تثبيت مبادئ حقوق الانسان ومحاربة الفساد الاداري والمالي في المنطقة الكردية بشمال العراق وخدمة شرائح محرومة من حقوقها كالنساء والاطفال."

لكنه يقول انه سيكون حذرا. وأضاف "نعم سأستمر في الانتقاد ولكن بأسلوب مغاير وليس كما حدث لي مؤخرا وحيث انزلقت الى بعض المهاترات في كتاباتي واستعملت بعض الكلمات والمصطلحات التي لا مكان لها في الكتابات الاكاديمية."

ونصح الكتاب والمثقفين الاكراد بالابتعاد عن التشهير بالناس في كتاباتهم والكتابة بشكل موضوعي واعتماد الادلة والمستندات في الكتابة. وقال ان مسؤولين اكراد نصحوه بالاستمرار في انتقاد السلبيات.

واستطرد قائلا "أخطط لاقامة مركز اتولى من خلاله اطلاق برامج للتوعية بمبادئ العدالة واحترام حقوق الانسان وبخاصة حقوق المرأة والاطفال وأتمنى لو استطيع اشراك المسؤولين في الشرطة والامن وحتى المثقفين في تلك الدورات." وسر كريم ككثيرين غيره من الاكراد لسماعه هذا الاسبوع أن صدام قد يواجه قريبا اتهامات جديدة بشأن جرائم ابادة ضد الاكراد في أواخر الثمانينات المعروفة بقضية الانفال. وتتهمه السلطات الكردية بقتل عشرات الالاف وتدمير قرى بالكامل في المنطقة. وعن محاكمة صدام في قضية الانفال قال كريم الذي يحمل ايضا شهادة الدكتوراه في القانون الدولي "قضايا الانفال وغيرها من عمليات الانتهاك والابادة التي يتهم بها نظام صدام حسين عادلة وتستحق ان يحاكم واركان نظامه عليها والقانون الدولي يعاقب على مثل تلك الانتهاكات."   وقال انه يعتقد أن غالبية الاكراد يؤيدون حقوق الانسان.  وأضاف أنه متفائل بالمستقبل وأنه ثبت له من خلال قضيته ودفاع الكثيرين عنه أن قسما كبيرا من المجتمع الكردي يريد دعم العدالة. وقال ان قضيته وما أحاط بها من ظروف خدمت مسألة توسيع هامش الحرية والتعبير عن الرأي في كردستان العراق. وأضاف أن العراق يحتاج الى فترة انتقالية بين خمس وعشر سنوات حتى يستطيع التغلب على الارهاب والفساد ويمكن بعدها تطبيق مبادى الديمقراطية في البلاد. واستبعد تحقيق تطور سريع في هذا المجال بسبب "وجود سلطات خارج سلطة الحكومة العراقية." وأضاف "لقد ثبت لدي أن الطريق ستكون طويلة لتحقيق العدالة في كردستان."

وقد لا يجد الصحفي العراقي بداً لحماية نفسه سوى اللجوء الى استخدام السلاح حيث ازدادت في الأونة الأخيرة ظاهرة اختطاف وقتل الصحفيين العراقيين. وقد تحل جعجعة السلاح في العراق يوماً بدلاً من جرة القلم، فالصحفي الذي يعيشُ في بلدٍ يشهدُ عنفاً متصاعداً قد لا يجد بداً لحماية نفسه سوى اللجوء الى استخدام السلاح في المستقبل من اجل ان يستمر في عمله.

و قُتل العشراتُ من الاعلاميين العراقيين في غضونِِِِِِ السنوات الثلاث الماضية. وأصبحت السلطةُ الرابعةُ في العراق خطاً احمر لمن يقتربُ منها. وبات الكثير من ممتهنيها يخشون ان يعرّفوا بانفسهم او باماكن عملهم.

م.شريف صحفي عراقي يعمل لدى احدى القنوات الفضائية العربية، رفض الكشف عن إبراز هويته الكاملة لاعتبارات أمنية. ويقول شريف إن من بين أسباب استهداف الصحفيين في العراق هو انتمائهم المذهبي أو السياسي وإن الميليشيات المسلحة تلعبُ دوراً في ذلك الاستهداف. واضاف شريف أنه اُستهدف اكثر من مرة من قبل مسلحين مجهولين في مناطق مختلفة من العراق لكن الحافظ هو الله على حد قوله. ويُجمعُ الكثيرُ من الاعلاميين العراقيين على أن الحل الأمثل للخلاص مما يُعانونه يكمن في توعيةِ الأطراف العراقية كافة بأن دورهم كصحفيين هو مراقبة ما يدور من احداث ونقلها بصورةٍ مجردة وخاليةٍ من الرتوش وأنهم (أي الصحفيون) لاينتمون لجهة سياسية أو دينية معينة.

ويقول الصحفي شريف: " إن جهات مختلفة تستهدف الصحفي العراقي منها الحكومية ومنها الميليشيات المسلحة إضافة الى الجماعات المسلحة، إننا مستهدفون حتى من قبل المواطن العراقي البسيط".

وترى الاعلامية أ.ج التي أبت هي الأخرى الكشف عن هويتها خوفاً من القتل أو الأختطاف، ترى ان الحكومة العراقية قد تخلت عن صحفييها لعدم فرضها شروطاً على أية وكالة إعلامية عربية او أجنبية تعمل في العراق من أجل التأمين على حياتهم في حال تعرضهم لحادث.  وأضافت الاعلامية أ.ج التي تعمل لدى إحدى الاذاعات المحلية إن الصحفي العراقي يتحمل مخاطر العمل الصحفي في العراق اكثر من غيره من الصحفيين الأجانب القابعين داخل الفنادق وإذا ما خرجوا الى مكان الحادث فيكون باصطحاب حراسٍ أمنيين وبسيارات مدرعة مضادة للرصاص. وتقول الصحفية أ.ج وهي تستذكر مرة كيف ان شخصاً هددها في وقت سابق "كنت اقدمُ برنامجاً سياسياً على الهواء في الاذاعة المحلية التي اعمل فيها، واتصل بي أحد المستمعين وقام بتهديدي جهاراً على الهواء مباشرةً وعندما دققنا لمعرفة هوية المتكلم أو الجهة التي ينتمي اليها، ظهر لنا انه ينتمي لجهة سياسية معينة تدعي الديمقراطية". وكانت الحكومة العراقية اعترفت بأنها لاتستطيع توفير الحماية لكل صحفي. لكن الرئيس العراقي المنتهية ولايته جلال الطلباني سمح بمنح الصحفيين رخص حمل السلاح.  وأخيراً يجب ان لا ننسى ان الصحفي العراقي هو احدُ ابناء الشعب العراقي الذين يصارعون الخطر المحدق بهم من كل حدب وصوب، على أمل ان يتوفر الأمن والأستقرار مع تشكيل الحكومة القادمة في اقرب وقت ممكن. وناشد وزير الثقافة العراقي نوري الراوي الحكومة منح "حصانة للصحافيين" العاملين في العراق وذلك خلال حفل تابيني اقيم بمناسبة الذكرى الاربعين لمقتل ثلاثة من العاملين في قناة "العربية" بينهم اطوار بهجت. وقال الراوي "اتمنى على الحكومة العراقية وقوات التحالف ان يمنحوا حصانة للاعلاميين". واضاف "على وزارتي الدفاع والداخلية وضع حد للاعتداءات على الاعلاميين كونهم يتمتعون بحصانة في العالم. ومع ذلك فانهم ما يزالون دون حصانة في العراق". وكان مصدر امني عراقي قد اعلن في 23 شباط/فبراير الماضي العثور على جثث ثلاثة صحافيين عراقيين يعملون لحساب قناة "العربية" الفضائية بعد خطفهم قرب مدينة سامراء (120 كلم شمال) اثر تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري (ع). وخطفت بهجت (30 عاما) والمصور خالد محمود الفلاحي (39 عاما) ومهندس البث عدنان خيرالله (36 عاما) بينما كانوا يقومون بتغطية الاحداث في سامراء اثر تفجير المرقد. واكد الراوي في كلمة القاها في الحفل الذي نظمه اتحاد ديوان الشرق الغرب "لو ان في العراق طائفية لكانت حدثت في التاسع من نيسان/ابريل 2003 " في اشارة الى سقوط النظام السابق. ووصف ما يجري في العراق بانه نتيجة "الافكار المتطرفة الدخيلة سواء كانت اسلامية او غير اسلامية". وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" فقد قتل 72 اعلاميا في العراق منذ بداية الغزو في اذار/مارس 2003 معظمهم من العراقيين.  

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد9/نيسان/2006 -10/ربيع الاول/1427