قال عدد من المتحدثين في ندوة يوم الاربعاء بأن الأرض هي العنوان
الرئيسي للصراع العربي- الصهيوني بشكل عام، والفلسطيني منه بشكل خاص،
وأن كل يوم من أيام هذا الصراع منذ بداياته في القرن التاسع عشر وحتى
اليوم، هو يوم الأرض. في حين أكد آخرون على ضرورة عدم انفصال الهوية
الوطنية الفلسطينية عن الأرض والوطن، موضحين أن الهوية الفلسطينية ليست
دعوة إقليمية أو شعوبية وليست دعوة للانفصال عن المحيط العربي
والإسلامي، بقدر ما أنها دعوة لإعادة ترتيب الأولويات في العمل السياسي.
جاء ذلك في الذكرى الثلاثين ليوم الأرض، خلال ندوة عقدها التجمع
الشعبي الفلسطيني للدفاع عن حق العودة، اليوم، حول: "الأرض والوطن
والهوية"، قال فيها رئيس المركز القومي للدراسات والتوثيق، عبد الله
الحوراني، إن الصراع على الأرض مع الاحتلال سابق للصراع على الاستقلال،
وبدونها لا وجود للاستقلال، في حين أن قضية الأرض والحصول عليها شكلت
الإطار الذي توحدت فيه كل فئات العدو الصهيوني.
وأضاف الحوراني في مداخلته عن "الأرض محور للصراع"، أن وضع الأراضي
والقوانين التي تحكمها سواءً في العهد العثماني أو عهد الانتداب
البريطاني، وتوزيع هذه الأراضي، وتملك الإقطاعيين العرب والفلسطينيين،
كلها عوامل سمحت بتسرب السرطان الصهيوني إلى جسم الأرض الفلسطينية.
وأشار بأن انتباه الحركة الوطنية الفلسطينية وقياداتها لقضية الأرض
وتسربها لليهود، أو تسرب اليهود إليها جاء متأخراً نسبياً، منوهاً بأن
الجهد كان منصرفاً آنذاك على مقاومة وعد بلفور ومقاومة الهجرة اليهودية.
وتحدث الحوراني عن القوانين التي كانت سائدة إبان العهد العثماني
والانتداب البريطاني، بالإضافة إلى ما بعد قيام الدولة العبرية،
مستعرضاً القانون الذي سنته الحكومة البريطانية في العام 1920، مع
بداية انتدابها، والتي من خلاله سمحت لغير العرب أن يتملكوا في الضفة
الصفقة الواحدة أو العقد الواحد ما لا تزيد مساحته عن 300 دونماً في
القرى و30 دونماً في المدن.
وقال رئيس المركز القومي للدراسات والتوثيق إنه رغم كل الأساليب
التي اتبعتها الحركة الصهيونية ومؤسساتها، ومساعدة حكومة الانتداب لهم،
ودور الإقطاع وسوء حال الفلاحين، وضعف الحركة الوطنية، إلا أن مجموع ما
حصلوا عليه من أراضي فلسطين حتى عام 1948 بلغ فقط 1.681.586 دونماً، أي
ما يعادل نسبة 6.4% من مجموع مساحة فلسطين البالغة 26.323.000 دونماً.
وأضاف الحوراني أن قرار التقسيم أعطى للدولة اليهودية ما مساحته
15.261.648 دونماً، أي ما نسبته 57.99% من مساحة فلسطين، ولكن مجموع
الأراضي التي قامت عليها الدولة الإسرائيلية بلغ 20.325.000 دونماً، أي
ما نسبته 77% من مساحة فلسطين الكلية.
من جانبه قال عضو المجلس التشريعي السابق الدكتور كمال الشرافي، إنه
في الثامن من فبراير 1976 أصدرت الشرطة الإسرائيلية أمراً منعت بموجبه
الفلسطينيين في منطقة الجليل من دخول أرض مرقمة بالعدد (9) مساحتها 17
ألف دونم، بحجة أن هذه المنطقة تستخدم كميدان لإجراء مناورات وتدريبات
عسكرية للجيش الإسرائيلي، مؤكداً بأن النواة الفعلية للإعلان عن يوم
الأرض في 30/3/1976، كانت أول حلقاتها بالمؤتمر الشعبي في سخنين بتاريخ
14/2/1976.
وأوضح د. الشرافي في مداخلة حول "يوم الأرض: حدث ودلالات"، أن
المنطقة شهدت أحداثاً مهمة خلال المناسبة الوطنية، ألا وهي يوم الأرض،
مشيراً بأن أولها -الأحداث- هو تشكيل حكومة من قبل حركة "حماس"،
بالإضافة إلى انعقاد القمة العربية في الخرطوم، والانتخابات
الإسرائيلية التي جرت في الثامن والعشرين من الشهر الماضي.
كما شدد بأن الشعب الفلسطيني احتفل على طريقته بيوم الأرض، في ظل
التصعيد الإسرائيلي تجاه سلب مزيد من الأراضي وتقطيع أوصال الأراضي
والمدن ومحاصرتها، وفي ظل الاستمرار في سياسة الاستيطان والتهويد،
وبناء الجدار، كما الإعلان عن خطة لرسم حدود الكيان الصهيوني.
وطالب د. الشرافي من أجل التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية بما فيها
حق العودة، طالب بالشروع الفوري في حوار وطني وشامل للوصول إلى برنامج
وطني موحد، والعمل على تعزيز صمود الإنسان وحمايته وتمتين الجبهة
الداخلية، كما تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد الخطاب السياسي
تجاه المجتمع الدولي لتفعيل قرارات الشرعية الدولية.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، الدكتور إبراهيم أبراش،
فقد أوضح بأن الخطر المحدق بالهوية الفلسطينية ليس مجرد تهويل أو شعار
سياسي تحريضي، بل هو حقيقة يجب أن يستحضرها كل فلسطيني فلسطيني،
المواطن العادي والسياسي، المثقف، المواطن والمهاجر، الفلسطيني الذي
يعيش في الوطن المحتل، والفلسطيني الذي يحمل معه الوطن في بلاد الغربة.
وأشار د. أبراش في مداخلة عن "الهوية الوطنية وتحديات البقاء"، أن
إعلاء راية الوطنية الفلسطينية والهوية الفلسطينية ليست دعوة إقليمية
أو شعوبية، وليست دعوة للانفصال عن المحيط العربي والإسلامي، وإنما هي
دعوة لإعادة ترتيب الأولويات في العمل السياسي، وإنقاذ الهوية
الفلسطينية من ضياع تسير إليه بسبب تغيرات دراماتيكية ومتسارعة دولية
وإقليمية وفلسطينية داخلية.
وشدد على أننا إذا أردنا التمسك بالأرض فإن علينا التمسك بالهوية،
موضحاً أن الهوية الوطنية تبلورت مع وجود منظمة التحرير الفلسطينية
وحركة "فتح". وقال إننا لسنوات غيبنا هويتنا الوطنية لصالح هويات أكثر
شمولية مثل القومية العربية أو الحركة الإسلامية، مؤكداً على أهمية
الهوية الوطنية التي تؤكد الخصوصية الفلسطينية وتفصلها عن أي هوية أخرى.
وفي مداخلته عن "يوم الأرض في الأدب"، قال المثقف والأديب أحمد
دحبور إن الكثير من أسماء المدن والقرى كانت حاضرة في أدبيات الكتاب
والشعراء، مشيراً إلى ارتباط الكاتب بأرضه، سواء خرج عنها بالقوة، أو
لم يحضرها في ذكرياته.
وأضاف دحبور أن الأرض الفلسطينية باتت محاطة بالخطر منذ أن تشكل
الوعي العالمي، في حين أنها عانت من التشريح والنكبة بعد الانتداب
البريطاني وقدوم الحركة الصهيونية، موضحاً أن أغلب الأدباء ربطوا في
أدبياتهم بين الأرض والاحتلال وحق العودة.
ونوه بأن الوعي الوطني كان حاضراً في قصص وروايات الأدباء، مثل
"عائد إلى حيفا" للأديب الشهيد غسان كنفاني، و"وادي الحوارث" لتوفيق
فياض، و"رأيت رام الله" لوليد البرغوثي.
كما أشار بأن العديد من الكتاب والأدباء كانوا يصورون الأرض على
أنها حبيبة، ومنهم من صور نفسه أرضاً، وآخرون كثر ربطوا الدم بالأرض. |