تلوث الحروب: العراقيون يعيشون في البقعة الأكثر حشدا للألغام الأرضية في العالم

فوق سفح جبل قريب من مدينة السليمانية يتبارى فريقان في كرة القدم . أعمار معظم اللاعبين دون العشرين ، وهو السن الذي ينشأ منه أبطال الكرة الدوليون . حامي الهدف في الفريق الأول مبتور الساقين. وقد صنع عارضتي الهدف من عكازتيه لأنه لم يتعلم بعد كيف يستخدمهما في الركض . مع ذلك كان يتحرك يمينا ويسارا على يديه محاولا صد الكرة بجسده .

في نفس الفريق مهاجم أيمن بقدم صناعية ، يركض دون توقف يلاحق الكرة ويناور بها عله يمرر هدفا على الخصم . في الفريق الآخر مدافع بساقين مبتورتين يستخدم عكازتيه في صد الكرة حالما يدخل المهاجمون ساحته .

حكم المباراة ، الذي فقد ساقين وثلاثة أصابع جلس على الأرض وهو يتابع المباراة بعينين حذرتين . هناك خامس قلعت الشظية فكه الأسفل . غير بعيد من الملعب حقل مسيج بالأسلاك الشائكة عليه علامة تحذر من الألغام .

الصبيان الخمسة هم جزء بسير من ضحايا الألغام التي زرعت على امتداد الأرض العراقية ، من سفوح جبال كردستان ، على امتداد الحدود العراقية الإيرانية ، في الصحراء على طول الحدود مع السعودية والكويت , يقدرها البعض بالملايين زرعت خلال ثلاث حروب خارجية وحرب داخلية مستمرة مع الأكراد .

لذلك قالت مهمة المساعدة من اجل العراق التابعة للامم المتحدة ان عقودا من الحرب والصراعات في هذا البلد ادت الى وجود مشكلة تلوث خطيرة نتيجة بقايا المتفجرات التي يحتوي بعضها على مادة اليورانيوم المستنفد.

وقالت مهمة المساعدة في بيان لها ان المسح الذي اجري على الالغام الارضية وشمل حتى الان 12 محافظة عراقية تعرف على اكثر من اربعة الاف منطقة تعاني من التلوث البيئي.

واشارت الى انه جرى مؤخرا تنظيف حوالي 5ر9 مليون مترا مربعا من الاراضي التي كانت تحتوي على اكثر من 25 الف نوع من الذخائر والمتفجرات تم تحويلها للاستفادة منها في الانتاج الزراعي.

على صعيد متصل يقوم برنامج التنمية التابع للامم المتحدة حاليا بتنفيذ حملة لنزع الالغام في العراق بتكلفة تصل الى 4ر8 مليون دولار بتمويل مشترك من الحكومة الايطالية والمجتمع الاوروبي.

ويصادف اعلان مهمة المساعدة من اجل العراق اليوم العالمي الاول للتوعية حول الالغام والمساعدة في التحرك لمكافحتها.

ويعتبر تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إن العراقيين يعيشون في البقعة "الأكثر حشدا للألغام الأرضية، والمعدات الحربية وغيرها من مخلفات الحرب القابلة للتفجير. "

وحتى الآن كشفت البعثة خلال عمليات المسح في 12 محافظة و 11250 منطقة سكنية، وجود أكثر من 4000 منطقة مشكوك بتلوثها بالألغام والمواد المتفجرة . ومما يزيد الخطر أن البعض منها ملوث باليورانيوم المنضب.

هناك بالطبع مناطق لم تكشف بعد ، وغالبا ما تتكشف من خلال مأساة ، بمرور سيارة تحمل عائلات قروية أو خلال عمليات الحرث استعدادا لزراعة الأرض. صيادو السمك في الأهوار الجنوبية يقولون إن آلاف الألغام المربوطة الأسلاك ما تزال مزروعة بين القصب وفي المياه ولا توجد إحصائية ثابتة لضحاياها . على الأرض غالبا ما كان الأطفال الأكثر حركة أول ضحايا الألغام .

نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والممثل لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ستيفان دي مستورا أن أوضح في بيان وزعته المنظمة أن "المدنيين عرضة لخطر فقدان حياتهم أو أحد أطرافهم نتيجة مخلفات الحرب من ألغام ومواد متفجرة، بل أيضا لمخاطر التلوث التي تشكل تحديا كبيرا أمام مشاريع الإغاثة، والتأهيل، والإعمار والتنمية".

وأوضح دي مستورا "أن الأراضي الزراعية لا تزال مهملة وتشكل خطرا على حياة الفلاحين والمواشي. كما أن عملية إعمار الطرق والمناطق السكنية يجب أن تأخذ بالاعتبار المكان المحتمل لوجود الألغام. إن تلوث أنابيب المياه باليورانيوم المنضب يشكل تهديدا خطيرا على صحة وحياة المدنيين العراقيين."

في أهوار الجنوب ما تزال آلاف الألغام التي زرعت بين أحراش القصب أو في المياه تشكل عائقا جديا أمام عودة السكان النازحين مما يعبق استقرارهم ، ذات المشكلة تواجه النازحين من المناطق التي كانت ساحات حروب في كردستان .

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبالتنسيق مع الحكومة العراقية مستمر بتنفيذ برنامج وطني طويل الأمد للتخلص من الألغام في العراق عن طريق تزويد البلد بالمستشارين، والدعم العملي وتحريك المصادر من أجل مواجهة هذه المشكلة الخطيرة.

فقد تم مؤخرا تطهير ما يقارب من 9.5 مليون متر مربع من الأراضي من أكثر من 25000 قطعة من الذخائر، حيث أصبح بالإمكان استخدام هذه المساحة للأغراض الزراعية.

وقد بذلت منظمة اليونيسيف جهودا كبيرة في إطلاق حملات إعلامية وتنظيم دورات تدريب وتوجيه للمواطنين حول خطورة مخلفات المواد المتفجرة.

وبالرغم من التقدم الذي تحقق في هذا المجال ، لا يزال هناك الكثير الذي يحتاج إلى الإنجاز.

واعتبر مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للألغام سلمون شرودور "أن عملية تطهير الذخائر الخطيرة "ممكنة ، وسوف يكون لها تأثير مباشر على الشعب العراقي". وتابع " نحن بحاجة عاجلة لدعم الدول المانحة من اجل مساندتنا في حل هذه المشكلة الخطيرة إلى أن يحين الوقت الذي تستطيع فيه السلطات الوطنية من المضي بمفردها".

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء  5/نيسان/2006 -6/ربيع الاول/1427