ندوة عن التمويل الخارجي للاقتصاد الفلسطيني.. البطالة سترتفع والفقر سيزيد

اختلف عدد من المتحدثين المختصين والمهتمين بالاقتصاد الفلسطيني، في معالجة القضايا المتصلة بالتمويل والدعم الخارجي، بين متفائل من إمكانية الاعتماد على الوضع الفلسطيني الذاتي من خلال سياسة اقتصادية فلسطينية تنموية ذاتية، وبين متشائم من أن الوضع الفلسطيني الذاتي لا يمكن أن يتحسن أو على الأكثر يطور نفسه، بمعزل عن الدعم والمساعدات الخارجية.

وقال عميد كلية التجار في الجامعة الإسلامية علاء الرفاتي، في ندوة حول "التمويل الدولي.. الطموح.. والتحديات"، إن الاعتماد على التمويل الخارجي في أي دولة يعد خللاً في بنية الاقتصاد، موضحاً أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من خلل، كونه مرتبط ومتبوع للاقتصاد الإسرائيلي، في حين أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل أساسي ورئيسي على الدول المانحة التي تموله بشكل أوتوماتيكي.

وأضاف الرفاتي في الندوة التي عقدها اليوم بغزة، برنامج دراسات التنمية التابع لجامعة بير زيت، أن حجم المبالغ والتمويل التي وصلت للشعب الفلسطيني من العام 1993 وحتى 2000 بلغت 3.8 مليار دولار، مؤكداً بأن حجم التعهد الذي حددته الدول المانحة لم يلبي الالتزام الحقيقي الذي هو أقل بكثير، بمعنى أن حجم الصرف للجانب الفلسطيني لم يتجاوز 60% من حجم التعهدات الدولية.

وأوضح أنه بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 28/9/2000، أصبح هناك تذبذب تمويلي في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، مشيراً بأنه في العام 2003 بلغت المساعدات (926) مليون دولار، في حين بلغت في العام 2004 (489) مليون دولار. كما نوه بأن القروض الخارجية المستحقة على الفلسطينيين بلغت حتى عام 2003، مليار و4 مليون دولار، إلا أنها زادت في العام 2005 لتبلغ مليار و300 مليون دولار.

وشدد عميد كلية التجارة الرفاتي على أن الهدف من المساعدات الدولية هو ترسيخ العملية السلمية، وإنشاء نظام شرق أوسطي له هيكلية معينة، سمي بالنظام الشرق أوسطي الجديد، القائم على شراكة تكون فيها إسرائيل صاحبة التكنولوجيا في عملية التغذية لهذه الشراكة، فيما يلقى عاتق العمالة على الجانب الفلسطيني والعربي، بالإضافة إلى تمويل عربي ودولي لهذا النظام الجديد.

وفيما يتصل بالوضع التمويلي للجانب الفلسطيني، قال الرفاتي إن البنية التحتية تستنفذ 33% من حجم المساعدات والتمويل المقدم للشعب الفلسطيني، والقطاع الإنتاجي بلغ حجم تمويله حسب الرفاتي، 9% من حجم المساعدات الكلية، القطاع الاجتماعي 28.8%، البناء المؤسساتي 26%، المساعدات الفنية 24%، دعم الموازنة 13%، وكلها تأتي ضمن حجم التمويل المقدم للشعب الفلسطيني.

وختم الرفاتي بإنه يمكن الاعتماد على الوضع الفلسطيني الاقتصادي الذاتي، باستعراض جملة من المعايير الفلسطينية التي حسب رأيه، يجب أن تستهدف ضرورة توفير مناخ استثماري مناسب وعقد شراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، كما ترشيد النفقات، والقيام بعملية إصلاح للمناخ الاستثماري.

المساعدات ضرورية..

إلا أن الخبير الاقتصادي د. محمد السمهوري، اختلف مع الرفاتي بتشخيصه لواقع الوضع الحالي، الذي اعتبره فيه أنه أصعب من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على التعامل مع تبعات تخفيف مستوى المساعدات الأجنبية إن لم يكن قطعها.

وقال د. السمهوري إنه إذا لم يعاقب المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي، فإن استمرار الدعم السنوي الذي يقدر بمعدل مليار دولار سنوياً، بعد انتفاضة الأقصى 2000، لن يفي الاقتصادي الفلسطيني من التدهور الاقتصادي، وهذا يعني أن متوسط دخل الفرد الفلسطيني سيستمر في الانخفاض، كما أن البطالة سترتفع والفقر سيزيد، مرجعاً هذا السبب إلى تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخراً حول الوضع الفلسطيني.

وشدد على أن البنك الدولي فيما يتصل بالوضع الفلسطيني، وضع 4 سيناريوهات، أكثرها تفاؤلاً هو استمرار الوضع الحالي.

وقال د. السمهوري إن الاقتصاد الفلسطيني لم يعمل في ظروف عادية بسبب اعتماده على المساعدات الخارجية بشكل كبير، ناهيك عن أن الهدف من المساعدات الأجنبية هو سياسي، أي أن المساعدات جاءت كنتيجة لاتفاق بين السلطة الوطنية وإسرائيل، تلتزم بموجبه -الاتفاق- الدول المانحة والمجتمع الدولي بتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني من أجل دفع عجلة النمو الاقتصادي.

وطالب عدم تحميل السلطة الوطنية فشل الاقتصاد الفلسطيني، موضحاً بأن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكبرى في خلق اقتصاد فلسطيني ضعيف ومترهل، يأتي نتيجة للقيود التي تفرضها قوات الاحتلال، كما ضرب البنية التحتية التي أثرت على الوضع الفلسطيني برمته وجعلته غير قادر على الاستمرار والنمو.

وأكد د. السمهوري بأن الاقتصاد الفلسطيني لا يمكنه التقدم في ظل عدم ترابط جغرافي، كتقسيم الضفة إلى 3 معازل، ووجود الجدار العنصري، وعدم ربط الضفة بقطاع غزة، وعدم سيطرة فلسطينية كاملة على المعابر، ناهيك عن عدم وجود مناخ استثماري مناسب، يشجع استقدام المشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى استحالة تحقيق شراكة اقتصادية بين القطاع الخاص والعام، في ظل كل تلك التحديات، وفي ظل استمرار الاحتلال والتدهور السياسي والأمني والاقتصادي الفلسطيني.

وقال د. السمهوري "إن فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية التي جرت في الخامس والعشرين من يناير الماضي، ولد مشكلة كبيرة لدى الدول المانحة التي تضع "حماس" ضمن الحركات "الإرهابية"، وبالتالي قانون تلك الدول لا يدعم الشعب الفلسطيني في ظل حكومة "إرهابية"، إلا أنها -الدول المانحة- مجبرة على تقديم المساعدات واستمرار تدفقها للشعب الفلسطيني، ولكن من خلال عدة وسائل، أولها أن يلعب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دوراً أكبر في تقديم المساعدات، وأن يكون للأنروا دور أيضاً في المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني، كما تقديم الدعم للمؤسسات الأهلية الفلسطينية والأجنبية لدعم الفلسطينيين، وتقديم الدعم لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية".

من جانبه قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الدكتور رمزي رباح، إن أزمة التمويل ليست قضية عابرة، بل يمكن أن تمس الحياة اليومية للفلسطينيين، مشدداً على أننا أمام معركة مزدوجة تتمثل في مواجهة الحل الإسرائيلي أحادي الجانب، الذي يستهدف مأزقة الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

وأضاف د. رباح بأن هذه الضغوط التي تصل إلى حد وقف وقطع المساعدات على الشعب الفلسطيني، تستهدف جلد الفلسطينيين على خيارهم الديمقراطي الذي أفرز حركة "حماس" في الخامس والعشرين من يناير الماضي، مشدداً بأن الجميع رفض الضغوطات الدولية وهو مدعو للتصدي لهذه الضغوطات من خلال اعتماد برنامج واحد يحقق مجابهة الحل الإسرائيلي أحادي الجانب، وتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية، كما الإصرار على تسوية سياسية وشاملة وفق القرارات الدولية.

وطرح د. رباح جملة من العوامل تمكن الاقتصاد الفلسطيني من مجابهة التحديات الداخلية والخارجية، منها على سبيل المثال لا الحصر، بأن سياسة الخنق المنظم الذي تمارسه إسرائيل يستوجب المحافظة على المساعدات الدولية وفق استراتيجية تنموية شاملة، كما إعادة توجيه الموارد والإمكانيات لخلق فرص عمل، وتوفير شبكة ضمانات قانونية وحقوقية واجتماعية، ومحاربة الاحتكار.

وأضاف: "يجب التحرر من قيود اتفاق باريس الاقتصادي، والتقدم بعملية إصلاح إدارية ومالية حقيقية، كما إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية الفلسطينية بما يضمن الاعتماد على الوضع الذاتي".

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 26/اذار/2006 -25/صفر/1427