طالبان والفقر يغذيان ازدهار صناعة الافيون في أفغانستان

يرنو المزارع الافغاني عبد الغني الى حقله الذي تكسوه نباتات قصيرة خضراء وهو يوقن أن هذا المحصول سوف يمد أسرته بالغذاء.

الحقل مزروع بنبات الخشخاش الذي يستخدم في صناعة الافيون وهو لا يزال مجرد أوراق لنبات يبلغ ارتفاعه نحو 10 سنتيمترات ولم تزهر بعد.

ويشرح عبد الغني منطقه البسيط الذي يجعله مشاركا في صناعة غير مشروعة تقول الحكومة انها تمول الارهاب وتهدد بتدمير البلاد.

وقال عبد الغني البالغ من العمر 50 عاما وله لحية يعلوها الشيب ويرتدي عمامة "اننا شعب فقير جدا. نزرع الخشخاش لنطعم أسرنا."

وكان طفلاه وأحدهما يبلغ من العمر 12 عاما والاخر 11 عاما يقفان بالقرب منه ويأخذان قسطا من الراحة خلال عملية تنقية الزراعات من الاعشاب الضارة.

وقال عبد الغني انه يزرع القمح والخضراوات مثل البندورة (الطماطم) غير أنه يحصل على عائد زهيد من تلك المحاصيل مقارنة بالافيون الذي يبيعه للمهربين الذين يظهرون على الدراجات البخارية أو في شاحنات خلال موسم الحصاد.

وقال "لا يمكننا أن نسد رمق أسرنا بما نحصل عليه من القمح الذي نزرعه ولكن يمكننا ذلك بالدخل الذي نحصل عليه من الخشخاش."

ويأتي حقل عبد الغني في بؤرة أزمة المخدرات التي تعاني منها أفغانستان في وادي نهر هلمند باقليم هلمند في جنوب البلاد.

وعلى مدى مئات السنين كانت شبكات القنوات تأتي بالمياه الى الحقول والبساتين وهو ما كان يؤدي الى انتاج محاصيل مربحة غير أن نظام الري قد انهار على مدى سنوات من الصراع.

الافيون فقط هو ما بات يدر ثروة الان.

ويقول مسؤولون إن متمردي حركة طالبان يشجعون على زراعة الافيون ويجوبون الجبال التي ترتفع من عند الوادي في الشمال وعبر مناطق شاسعة من الصحراء التي ينعدم بها القانون والتي تمتد جنوبا الى الحدود الباكستانية.

وضمان الامن حتى يمكن لجهود مكافحة المخدرات أن تمضي قدما في الاقليم الذي ينتج ربع ما تنتجه أفغانستان من الافيون سيكون مهمة رئيسية لنحو 3300 جندي بريطاني سيتخذون من الاقليم قاعدة قريبا.

وسيكون هناك ما قد يعرقل عملهم.

وقال الحاكم الاقليمي محمد داود لمجموعة صغيرة من الصحفيين هذا الاسبوع "وعدت طالبان المزارعين بحماية حقول الخشخاش التي يزرعونها... لقد أكدوا للمزارعين بأنهم لن يسمحوا لقوات الحكومة بازالتها.

"أولا يجب أن يتم إحلال الامن.. يجب ألا يكون هناك عناصر من طالبان.. عندئذ ستبدأ حملة الازالة."

وتعد افغانستان أكبر منتج للافيون في العالم. والهيروين الذي يتم الحصول عليه منه ينتشر في شوارع المدن بأنحاء العالم.

وتزايد الانتاج منذ الاطاحة في عام 2001 بحركة طالبان من السلطة. وكانت الحركة حظرت الافيون في نهاية حكمها.

واستغلت عصابات المخدرات حالة انعدام الامن وضعف الشرطة أو عدم وجودها بالاساس والفساد المتفشي بجانب الاحجام عن تعقب شخصيات بارزة متورطة في تجارة المخدرات غير أنها تدعم الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد طالبان.

وبعد ضغوط دولية متصاعدة للتعامل مع مشكلة المخدرات بدأت مبكرا هذا الموسم جهود إزالة الصناعة التي تدر نحو 2.8 مليار دولار سنويا لاتاحة الوقت أمام المزارعين لاعادة زرع حقولهم بمحاصيل غير محظورة. ويقول خبراء إن فرق الإزالة تقوم بحرث حقول الخشخاش غير أن قسما ضئيلا فقط من تلك الحقول لا يتجاوز في أغلبه 10 في المئة في أنحاء البلاد هو ما يمكن تدميره.

كما تضغط الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان تمولان وتشرفان على جهود مكافحة المخدرات مع الحكومة من أجل اتخاذ موقف صارم مع المهربين وتزويد المزارعين ببدائل.

وهما تتفقان إلى الآن على الأقل مع الرئيس حامد كرزاي الذي استبعد القيام بعملية رش حقول الخشخاش بمبيدات للأعشاب.

وكان للنهج الأكثر كياسة من جانب كرزاي ثماره.

فقد انخفضت زراعة الخشخاش بنحو الخمس العام الماضي بسبب جهوده في تصوير زارعيه كمصدر للعار ومناشداته لهم بالتوقف عن زراعته بالاضافة إلى التهديدات والمخاوف من إزالة الحقول.

غير أن مكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة يقول إن الانتاج ارتفع مرة أخرى هذا الموسم في نحو نصف الاقاليم بما فيها هلمند.

ويتذكر السفير الأمريكي رونالد نيومان زيارته إلى هلمند في الستينات من القرن الماضي عندما كان والده سفيرا هناك حيث ساعدت الولايات المتحدة في إعادة تأهيل شبكة الري التي حولت الوادي إلى اللون الأخضر.

والآن عاد نيومان إلى هلمند وتقوم الولايات المتحدة مرة أخرى بجهود طويلة الأجل لمكافحة الإرهاب وحركة طالبان.

وقال نيومان للصحفيين خلال زيارة له إلى لشكار كاه عاصمة هلمند هذا الأسبوع "هناك صلة أكبر هنا في هلمند بين تجارة المخدرات وحركة طالبان والإرهاب منها في أي مكان آخر في أفغانستان."

وعلى المدى الطويل كان حل مشكلة المخدرات هو إيجاد وسائل رزق بديلة وهو ما يعني استعادة الاقتصاد الريفي والقنوات والطرق والكهرباء.

وقال نيومان إن إزالة حقول المخدرات والتحرك ضد المتورطين فيها يجب أن تقنع المزارعين بالمخاطر.

وأضاف "يجب أن تثير مدى خطورة وتكلفة زراعة الخشخاش حتى في الوقت الذي تقدم فيه بدائل."

ولا يخاطر المزراع عبد الغني بالكثير فهو لن يخسر سوى المال الذي أنفقه على الحقل والوقت الذي ضاع في ذلك إذا دمرته السلطات.

وقال إنه سيتوقف عن زراعة الخشخاش إذا حصل على المساعدة.

وقال "هذا شيء لا يمكننا تناوله كما أننا لسنا من مدمني الأفيون. إذا ساعدتنا الحكومة.. فلن نزرعه."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 19/اذار/2006 -17/صفر/1427