الأميركيون يخرجون من قوقعة اللغة الواحدة ويقبلون على تعلم العربية والصينية

باتت اللغات البالغة الصعوبة مثل العربية والصينية تجتذب عدداً متزايداً من الطلبة الأميركيين العاديين بعد أن كانت تنحصر على عدد محدود من البحاثة والخبراء والمهنيين.

وقال تشن يانغ مدرس اللغة الصينية في كلية الدراسات العليا في وزارة الزراعة الأميركية، إن "العديد من الناس أصبحوا يرون أن تعلم اللغة الصينية ضروري في مختلف المجالات بسبب أهمية الصين السياسية والاقتصادية في المحافل الدولية."

وتقدم مدرسة وزارة الزراعة دورات تدريبية مهنية للموظفين والمهنيين التابعين للحكومة الفدرالية والحكومات المحلية وحكومات الولايات في عموم البلاد.

وقال تشن في مقابلة أجرتها معه نشرة واشنطن "إن البعض يدرس اللغة الصينية بسبب الإحساس بالفضول لمعرفة ثقافات ولغات الشعوب الأخرى." 

وقالت ليندسي بنسون، وهي طالبة في قسم العلوم الاجتماعية في كلية الدراسات العليا التابعة للجامعة الأميركية في واشنطن، إنها تدرس اللغة الصينية حتى تتمكن من إجراء البحوث في الصين بمزيد من السهولة.

وأبلغت بنسون نشرة واشنطن أن الدراسة المكثفة "تعد أفضل طريقة لتعلم اللغة الصينية؛ حيث أن المدرسين، في هذا الوضع، لا يستخدمون اللغة الإنجليزية إلا نادراً مما يتيح للطلبة تطبيق ما تعلموه من اللغة الصينية بالإضافة إلى تطوير فهم أسرع لاستخدام اللهجة العاميةالتي سيواجهونها في الصين."

وقالت فاطمة الديك مدرسة اللغة العربية في الكلية الأهلية لشمال فرجينيا إنه نظرا لأن الشرق الأوسط قد أصبح موضوعا بارزا في العلاقات الخارجية الأميركية، فقد أخذ المزيد من الأميركيين يتعلمون اللغة العربية.

وأكدت أن الكثير من الطلبة هم مهنيون يهتمون بتعلم اللغة من أجل الحصول على  فرص عمل في مجالات الأعمال التجارية، والقانونية والأمن". ولكنها أضافت "أن هناك طلبة عديدين من الجيل الثاني من الأميركيين العرب ممن يريدون فهما أفضل لتراثهم وجذورهم الإثنية."

أما مايكل أندروز، الخبير في مجال تكنولوجيا المعلومات في واشنطن، فقال إنه قد أمضى عاما واحدا يدرس اللغة العربية في المساء للإعداد للقيام برحلة شخصية إلى المنطقة.

وأفاد أندروز أن الدورات الثلاث التي أكملها تضمنت تشكيلة واسعة من الطلبة تتراوح أعمارهم بين 20 و 60 عاما.

وقال "إن البعض منهم يتعلم العربية للقيام بأعمال ذات علاقة بالحكومة الأميركية، غير أن طلبة عديدين يهتمون بتعلم المزيد حول الثقافة العربية والشرق الأوسط عموما."

وقد ظلت الصورة المنطبعة في أذهان الناس عن الأميركيين طوال عقود أنهم شعب لا يرغب في تعلم أي لغة غير اللغة الإنجليزية.

وكان المفروض أن صاحب هذه الصورة النمطية يقول لنفسه إن شعوب العالم الأخرى تتعلم الإنجليزية، فما الداعي إلى بذل كل الجهد والكفاح لتعلم لغة أجنبية؟

والواقع هو أن تعلم لغة أجنبية كان بالنسبة للكثير من الأميركيين في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي كفاحاً مريراً. فقد خضع الكثير من الأميركيين لنظام من الدروس المملّة في غرف الصف ثم ساعات طويلة يقضونها سجناء "مختبر اللغة" يصغون إلى أشرطة بلغات أجنبية.

ولكن كل هذه الأمور تغيرت. فقد حفزت مناهج التعليم المبتكرة وبرامج التدرب التفاعلية غير الباهظة التكاليف من خلال الكمبيوتر وازدياد الإمكانيات المتاحة للسفر والنظر إلى العالم من منظور أوسع، الأميركيين، من شبان وشيوخ، على الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية.

ومما زاد من زخم الإقبال على ذلك، مبادرة الأمن القومي اللغوية التي أطلقها الرئيس بوش أخيرا. وستسخر هذه المبادرة موارد من أربع وكالات حكومية لتحقيق زيادة كبيرة في عدد الأميركيين الذين يتقنون اللغات التي هناك حاجة ماسة إليها كاللغة العربية والصينية والهندية والفارسية والروسية وغيرها من اللغات. وقال بوش في خطاب ألقاه في 5 كانون الثاني/يناير في قمة التعليم الدولي إن من شأن هذه "المبادرة الواسعة النطاق" أن تعزز قوة البلد في مجالات الدفاع والدبلوماسية والاستخبارات، علاوة على تعزيزها المعرفة بالثقافات الأخرى.

وستغرس بذور مبادرة الأمن القومية اللغوية في تربة خصبة؛ فقد توصلت دراسة استكملتها  جمعية اللغات الحديثة في العام 2003، وهي جمعية علمية رسالتها تعزيز دراسة وتعليم اللغات والأدب في جميع أنحاء العالم، أن عدد الطلاب الأميركيين الذين يعكفون على دراسة لغة أجنبية، البالغ 1,4 مليون طالب، يفوق عددهم في أي وقت مضى. كما توصلت إلى أن الكليات والجامعات الأميركية تقدم تشكيلة أكثر تنوعاً من المساقات الدراسية اللغوية مما كانت تقدمه في أي من السنوات الخمس السابقة. 

وكانت دراسة لغة أجنبية في نظام التعليم الأميركي تعرض كموضوع اختياري في المرحلتين الإعدادية والثانوية في المدارس الأميركية. ولكن الأهالي يطالبون اليوم بشكل متزايد بتعليم لغة أجنبية لأطفالهم في الحضانات حتى قبل دخولهم المدرسة. فقد جاء في مقال نشرته صحيفة "إيديُكايشن ويك" (الأسبوع التعليمي) في العام 2004، وهي صحيفة مرموقة مخصصة للعاملين في حقل التربية والتعليم، أن الأهالي يريدون أن يتم تعريف أولادهم على الثقافات والتقاليد الأجنبية في مرحلة مبكرة من أعمارهم مع المحافظة على تراثهم الإثني.

ويشكل التنافس على الوظائف سبباً آخر للإقبال على تعلم اللغات الأجنبية. فقد نقل نفس مقال صحيفة إيديكايشن ويك الذي سبقت الإشارة إليه عن خبيرة برامج اللغات الأجنبية والتعليم الدولي في دائرة التربية والتعليم في ولاية جورجيا، إليزابث ويب، قولها: " أعتقد أن ما سيحدث، إن عاجلاً أو آجلاً، هو أن الناس سيدركون عدد الوظائف التي نصدرها إلى الخارج لأن شعوب البلدان الأخرى تتقن اللغة الإنجليزية بشكل ممتاز." وأضافت أن عدم تمكن الكثير من الأميركيين من تكلم لغة أجنبية، بدأ يصبح "نقطة ضعف تضرهم عند التنافس" على الأعمال.

ومن جهة أخرى، بدأ الأميركيون الأكبر سناً هم أيضاً في دراسة، والنجاح في تعلم، اللغات الأجنبية. وفي حين يعتقد بعض البحاثة أن إتقان اللغات الأجنبية أسهل على الأطفال منه على البالغين، فإن هناك بحاثة يخالفونهم الرأي.

فقد كتبت جون روبن وآيرين تومسُن، مؤلفتا "كيف تصبح دارساً أنجح للغات": " يكاد لا يوجد أي دليل على أن الأطفال في صفوف تعليم اللغات يتعلمون اللغات الأجنبية بشكل أفضل من الراشدين (أي من تخطوا الخامسة عشرة من العمر) الموجودين في صفوف مماثلة."

وأضافتا أن الراشدين يتمتعون بذاكرة أفضل وبوجود طرق أفضل لديهم لتنظيم المعرفة، كما يتحلون بالقدرة على التركيز لفترات أطول وبعادات دراسية أفضل وبقدرة أكبر على معالجة مهمات عقلية معقدة. ولكن روبن وتومسون أضافتا أن الأطفال يتميزون بكونهم لا يخشون ارتكاب خطأ يحرجهم.

ويجد الكثير من المتقاعدين الأميركيين اليوم أن لديهم الوقت الكافي لتعلم لغة أجنبية. والكثير من هؤلاء المتقاعدين قادرون مادياً على السفر إلى بلدان أجنبية ويريدون أن يكونوا قادرين على قراءة لوائح الطعام في المطاعم وطلبه وعلى طلب التوجيهات للوصول إلى مكان ما والتحدث ولو قليلاً مع أهل البلد بلغتهم. ومن جهة أخرى، يرغب أميركيون آخرون من كبار السن، تحدروا من مهاجرين، في تجديد صلاتهم الإثنية بالتراث الثقافي في بلد عائلتهم الأصلي من خلال تعلم اللغة التي ربما أخفقوا في استيعابها في طفولتهم. 

ومما يحفز من بلغوا الخمسين من العمر أو تجاوزوها على تعلم اللغات الأجنبية أيضاً الأدلة التي تثبت أن تعلم لغة أجنبية ربما وفر نوع التنشيط العقلي الذي يجنبهم الإصابة بأمراض تصيب الدماغ كمرض ألزهايمر. 

والأهم من كل هذا هو أنه تتوفر حالياً موارد أكثر لدراسة اللغات الأجنبية كما أن طرق تدريسها أصبحت أكثر إثارة للاهتمام. فتعليم الأطفال مثلاً لغات أجنبية يتم من خلال الأغاني والمقطوعات الشعرية المقفاة والألعاب والبرامج التلفزيونية. أما طلبة الجامعات فيمكنهم اختيار العيش في مبان للطلبة تفرض الانغماس الكامل باللغة؛ فيتدربون على استعمال تلك اللغة يومياً في مواقف عفوية مألوفة دون حتى الصعود إلى طائرة، ناهيك بالسفر إلى بلد أجنبي.

وتتيح برامج الكمبيوتر غير الباهظة التكاليف للطلبة تعلم اللغات الأجنبية بالسرعة التي تلائمهم. ويتيح الكثير من الأسطوانات المدمجة الخاصة بالتدريب على اللغات الأجنبية للطلبة تسجيل أصواتهم والمقارنة بين طريقة لفظهم لكلمة أو جملة ما وطريقة لفظ أشخاص تشكل تلك اللغة لغتهم الأم لنفس الكلمة. وتشتمل البرامج على صور وتمارين لغوية واختبارات وألعاب تفاعلية تجعل تعلم اللغة أمراً ممتعاً يغري بالإقبال عليه.

وقد قال الرئيس بوش في 5 كانون الثاني/يناير الماضي "إن تعلم لغة ما هو لفتة كريمة. إنه لفتة تدل على الاهتمام. وهو طريقة أساسية لبسط اليد لشخص آخر والقول له، إن أمرك يهمني." كما أكد الرئيس على أن أفضل طريقة للتحدث مع الآخرين عن قيم الحرية والديمقراطية العالمية في شموليتها هي بلغتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/اذار/2006 -8 /صفر/1427