
استمرت عمليات التطهير ضد الشيعة في العاصمة العراقية بغداد مع
استمرار عمليات التفجير والتهديد للمراقد المقدسة والحسينيات.
فقد قال العميد خليل خلف ان الجيش احبط محاولة لتفجير مرقد الامام
موسى الكاظم في بغداد بصواريخ وقاذفات تم ضبطها قرب المرقد.
وفجر مسلحون فجروا يوم السبت الماضي حسينية آل البيت في كركوك،
ووصفت مصادر امنية الوضع الامني في منطقة «تسعين» في كركوك «بالمتوترة
جدا» اثر قيام مسلحين بتفجير حسينية اهل البيت ما اسفر عن سقوط قتلى
وجرحى.
واعتقلت السلطات العراقية مجموعة من الاشخاص يقودهم ناشط في «كتائب
جيش محمد» الذي اسسه حزب البعث العراقي المنحل اثناء توزيعهم مناشير في
بلدة الحويجة (50 كلم غرب كركوك) شمال العراق تدعو «السنة إلى قتل
وتهجير العوائل الشيعية في المنطقة».
وقال مصدر رسمي في كركوك (250 كلم شمال بغداد) إن الشرطة اعتقلت
نصير عبد جاسم من الحويجة الذي ينتمي إلى كتائب جيش محمد السرية، مضيفا
ان المعتقل «كان يوزع بيانات تحرض اهالي الحويجة السنة على قتل وتهجير
العوائل الشيعية والتركمانية، وتناشد المسلحين الذين وصفهم البيان
بالمجاهدين محاربة الشيعة الرافضة كونهم يستهدفون ابناء من وصفهم
بالطائفة المظلومة»، اي السنة.
وكانت قوات من الشرطة العراقية انتشرت مؤخرا في المنطقة لحماية
الاحياء التي يسكنها التركمان بعد تهديدات تعرضت لها عائلات اثر تفجير
مزار سامراء.
وبعد يومين من تفجير سامراء غادر ايمن جواد الفلوجة المعقل السابق
للمسلحين السنة الى بغداد مع اطفاله الستة بعدما تلقى تهديدا بالقتل
تحت باب شقته يقول "ان كنتم ايها الشيعة تريدون ان تعيشوا فعليكم
مغادرة هذه المدينة."
وقال جواد الذي يعيش الان في منزل لم يكتمل بناؤه في حي الشعلة
الشيعي في بغداد "اواجه صعوبات في العيش هنا."
واضاف "لا توجد نوافذ والبرد يشتد في الليل. وتركت كل امتعتي خلفي
واخشى العودة الى هناك. ولا استطيع تحمل رؤية اطفالي بلا مأوى."
وتقول مصادر خبرية من بغداد ان عمليات التهجير مستمرة بغداد حيث
تخرج عوائل شيعية كاملة من منازلها بعد وصول تهديدات لها باخلاء
المنازل، وتضيف المصادر ان هذه المنازل يتم اسكانها بعوائل سنية نازحة
من اماكن اخرى مع قيام اطراف بتزوير وثائق الطابو لهذه المنازل.
بدوره أعلن مسؤول في وزارة المهجرين والمهاجرين يوم الاثنين عن وصول
350 عائلة إلى محافظة واسط تم تهجيرها من المناطق الغربية بحسب الهوية
المذهبية، فيما بلغ عدد العوائل النازحة الى المحافظة من مختلف
المحافظات الأخرى 809 عائلات منذ نيسان أبريل 2003 وحتى نهاية شباط
فبراير الماضي.
وقال السيد علي عباس جهاكير مدير دائرة المهجرين والمهاجرين في
محافظة واسط لـ(أصوات العراق) المستقلة إنه إثر تداعيات الوضع الامني
في المناطق الغربية وصلتنا 350 عائلة"، مضيفا "أنها هجرت قسرا تحت
تهديد السلاح والتوعد بالقتل."
وأضاف أن من بين هذه العوائل 119 عائلة هجرت من مناطق مختلفة في
محافظة ديالى و56 عائلة هجرت من مناطق المدائن والوحدة والتاجي وأبو
غريب ،إضافة الى 175 عائلة هجرت من مناطق الفلوجة والطارمية وبيجي
واليوسفية.
واضاف مدير دائرة المهجرين والمهاجرين في محافظة واسط أن العوائل
التي وصلت إلى المحافظة تسكن في العراء وفي ظروف غير ملائمة لسكن
الإنسان.
وتابع ان هناك88 عائلة تسكن في معسكرات الجيش العراقي السابق في
الكوت و73 عائلة تسكن في إحدى محطات الوقود العسكرية (سابقا) بينما
تتوزع العوائل الأخرى في أنحاء متفرقة من المحافظة .
وكانت مصادر بيئية قد حذرت من سكن العوائل في معسكرات الجيش العراقي
السابق لاحتمال وجود إشعاعات نووية في تلك المعسكرات التي تعرضت إلى
عمليات قصف مكثف إبان حرب 2003 .
وطالب مدير دائرة المهجرين في واسط الحكومة المحلية بالسعي لإيجاد
مأوى لهذه العوائل وتوفير الفرص لابنائها العاطلين بعد أن تركوا
أعمالهم وممتلكاتهم في المناطق التي هجروا منها قسرا.
هذا ولم تغب بلدتا النهروان (جنوب شرقي بغداد) والمدائن (جنوب) طوال
أعمال العنف المذهبية التي تلت تفجير القبة الذهبية لمرقد الامامين علي
الهادي وحسن العسكري، لكنها تحولت أخيراً الى «قنبلة مذهبية موقوتة»
غداة عمليات اغتيال متبادلة أودت بحياة العشرات من العراقيين الشيعة
وأسفرت أيضاً عن نزوح باتجاه مناطق أكثر أمناً.
وقُتل حوالي مئة شخص خلال أقل من شهر في المدائن والنهروان في أعمال
عنف متفرقة، كان آخرها انفجار سيارة مفخخة الأحد في المدينة الأولى بعد
يوم واحد فقط من مقتل 28 عاملاً شيعياً في معامل الطابوق التي هاجمها
مسلحون دمروا محطة الكهرباء فيها.
وتقع المدائن التي يسميها سكانها أيضاً «سلمان باك» في جنوب بغداد
وتشكل أحد أضلاع «مثلث الموت»، ويقطنها سنة وشيعة، وفيها مرقد الصحابي
سلمان الفارسي و»إيوان كسرى». وتفصلها عن منطقة النهروان (15 كيلومتراً
شرق المدائن) أراض زراعية مفتوحة تمتاز بطرق معقدة تصلها ببغداد أيضاً،
ما أوجد بيئة جغرافية استثمرتها جماعات مسلحة ارهابية لتنظيم صفوفها
واختراق العاصمة.
ويؤكد أهالي النهروان أن بلدتهم الصغيرة لم تكن يوماً تعاني
احتقاناً مذهبياً بين سكانها، علماً أن تأكيداتهم هذه لا تخلو من
اتهامات متبادلة بإثارة التوتر الطائفي.
واعتبار هاتين المنطقتين «قنابل موقوتة» للعنف المذهبي في العراق،
مرده سهولة تحرك فرق الاغتيال فيها، في مقابل صعوبة بسط سلطة الدولة
على مساحتيهما الشاسعة وغير المتناسقة جغرافياً، والتي أصبحت بعد
الاحتلال الأميركي للعراق ساحة مفتوحة لاستهداف القوات الأميركية
والعراقية، وأخيراً منطلقاً لتنفيذ اغتيالات في حق الاهالي.
وكان مسلحون اقتحموا بلدة النهروان الأسبوع الماضي وقتلوا 19 عاملاً
شيعياً في معامل الطابوق المنتشرة في البلدة، اضافة الى تسعة من حراس
محطة توليد الكهرباء التي تعرضت لتدمير واسع أدى الى توقفها عن العمل.
وأعلن وزير الداخلية العراقي أول من أمس نشر 300 شرطي في المنطقة لضمان
الأمن فيها، فيما أكدت الشرطة العراقية نزوح عشرات العائلات من
النهروان الى مناطق الجنوب الأكثر أمناً.
ويرى مسؤولون أمنيون عراقيون أن المنطقتين الزراعيتين تشكلان «بوابة
نموذجية» لتسلل المسلحين والسيارات المفخخة الى بغداد. كما يؤكد مصدر
أمني أن ارتفاع نسبة تفجير السيارات المفخخة في منطقة بغداد الجديدة
(شرق العاصمة)، يعود الى اتصالها عبر شبكة الطرق الزراعية بالبلدتين.
ويخشى سكان بغداد من أن تكون المناطق المختلطة مذهبياً، كهاتين
المنطقتين بوابة للعنف المذهبي الذي بدأ بالانتقال الى العاصمة، تغذي
العنف في أحيائها وضواحيها، كالدورة جنوباً والغزالية والعامرية غرباً
وبغداد الجديدة شرقاً والراشدية شمالاً، وسط ضعف سيطرة قوى الأمن
العراقية على قرى تحيط ببغداد.
ويرى بعض المحللين ان هدف التطهير الطائفي يهدف الى اخلاء هذه
المناطق من الشيعة وتقسيم بغداد الى منطقتين منفصلتين مع توقعات
باندلاع حرب أهلية قريبا. |