ديمقراطية بلير ابو ناجي

محمد الوادي

منذ سقوط نظام الصنم اختلفت تسمية العراقيين للقوات الاجنبية بين قوات احتلال وقوات تحرير , وبالتأكيد ان الراي في الحالتين لم ياتي من فراغ او دون مسوغ تاريخي او شخصي وليس هنا مجال الخوض في هذا الجانب . اذ ان دخول القوات الاجنبية للعراق لم يكن عمل خيري تقوم به هذه البلدان ولا لاسقاط نظام يهدد مصالحهم الستراتجية في المنطقة او غيرها , بل ان هذا النظام هو صناعة امريكية وغربية بامتياز وباعتراف قادة هذا النظام السابقين الذين "جاءوا بقطار امريكي " كما صرح وكتب حول ذلك الكثير من الوجوه البعثية المعروفة والتي مازال البعض منها حيآ يرزق وان هذا النظام القومجي قدم خدمات لهم ولاسرائيل لم يقدم مثلها احد سابقآ حتى شاه ايران السابق بكل قوته وجبروته لم يكن ليصل لها . وايضآ كما صرح احد اركان الادارة الامريكية الحالية الذي قال " نعم ان هذا النذل هو نذلنا " يقصد صدام حسين . لكن حسابات جديدة في المنطقة استدعت رسم ستراتجيات اخرى جديدة لم يكن لهذا" النذل" فيها مكان فصرح بوش الابن من امام البيت الابيض " صدام اللعبة انتهت "

وكانت هذه خلاصة الموقف الامريكي الجديد مع نظام الصنم واتخذ القرار باسقاطه ورفعه من الخارطة السياسية في المنطقة.

وهنا تطابق هذا التوجه مع ارادة المظلومين والمذبوحين من ابناء الشعب العراقي وبتنسيق وبدون تنسيق وقف الشعب يتفرج على انهيار نظام ظالم وعميل وجاهل ليولي بلارجعة عصر من عصور الظلام الذي استباح العراق في غفلة من الزمن.

ودخلت موجة" الديمقراطية والشفافية والنزاهة " بدون سابق انذار او مقدمات الى بلد يحكمه الحديد والنار منذ عقود طويلة.

لابل ان هذه المفردات تقدمت حتى على أمن المواطن ورغيف خبزه , وفعلا كانت الممارسة الديمقراطية رائعة وكبيرة من خلال اندفاع الناس الى مراكز الاقتراع وممارسة حقها في الاختيار والتقرير , لكن في طريقة ترجمة هذه النتائج الانتخابية كانت خيبة الامل مريرة بشكل لايشعربها الا الذين اتخذوا من حياتهم واجسادهم وقودآ لهذه الانتخابات و اما الشفافية والنزاهة فهذه تشهد على خيبتها مليارات الدولارات المسروقة علنآ , والسراق الذين مازالوا بدون حساب او رقيب , والحرامية الكبار الذين يدعمون هولاء السراق وشراكائهم الحقيقين اليوم هم في طريقهم لااخذ مناصب حكومية مرموقة في التشكيلة الجديدة .

 

اما ديمقراطية الامريكان والانكليز التي وعدونا بها فترجمت خير ترجمة بالاصرار على حماية هولاء السراق الكبار .

ولن ينتهي الامر عند هذا الحد بل انهم بدوأ يعيدون ممارسات ارهابية كان يمارسها الصنم الساقط بحق العراقيين وها

هي الصور الحية تنقل لنا احدى هذه الممارسات الفظيعة بحق اطفال صغار من البصرة , اذ كان الجنود الانكليز لايضربوهم فحسب بل يتلذذون بصرخات وعذابات هولاء الصبية العراقيين كما اظهرت الصور الحية المسجلة , ولم نعرف مدى الاذى الذي تعرض له هولاء العراقيين في عقر دارهم وفي وسط بلدهم من قوات همجية وعنصرية لاتقل ارهاب عن نظام ابن العوجة الساقط بل تعطي الاشارات الواضحة الى ان صدام كان أبنهم وتلميذهم الوسخ بكل جدارة , وبدون اي مكابرة او مبرر من بعض الاقلام المؤجرة التي تحاول تصور الامر وكانه صدفة او خطأ من فصيلة عسكرية معينة و لهولاء الانتهازين المتملقين فلقد رد مدير قوات الانضباط في الجيش الانكليزي نفسه بان هناك مايعادل مائة وخمسة وثمانيين حالة مشابهة قام بها فقط الجيش البريطاني في العراق هي تحت التحقيق لحد الان .هذا فقط الرقم المعلن اما المخفي فلايعلم به الا الذين جعلوا انفسهم " مطاية "لهولاء الاوباش الذين لايقلون دموية وارهاب عن الزرقاوي ونظام البعث الساقط , وهذه الصور الجديدة بالذات تذكر العراقيين بمشاهد نشرت كيف ان ازلام نظام ابن العوجة كانوا يحشرون المعتقلين في السجون في زاوية واحدة وينهالون عليهم باالضرب الجماعي وهم يصرخون من شدة الالم والوجع . 

اما حكومتنا الوطنية التي انتخبها الشعب العراقي وهو يجازف بحياته , فليس المطلوب منها ان تكتفي بيانات التنديد والرفض.

مثل هذا الامر ممكن ان تفعله الحكومة مع مشكلة " دار فور " في السودان او اي مسالة اخرى في القرن الافريقي  اذا عجب الحكومة ان تصدر بيان , اما امر يخص ابناء هذا الشعب المظلوم والمذبوح منذ عشرات السنين وهم الان الحكومة والسلطة في العراق وممثيلي الشعب , فسيكون ذلك نوع من محاولة الضحك على  النفس وعلى الاخرين واستخفاف بالامانة التي منحها لهم الشعب العراقي وسيكون واهم من يتصور ان الشعب العراقي سوف ينسى هذه المواقف وردود الافعال حولها .

وافترض ان هذه الحادثة تكون دافع وطني وانساني قوي للبعض الذي مازال يفاوض ويطيل الوقت ليس حرصآ على العراق واهله الطيبين بل حرصآ للحصول على اكبر كراسي ومناصب ممكنة في وقت شعب العراق الكريم يتعرض للاهانة واستباحة كرامته بشكل علني لايقبل التاويل او اي مبرر اخر . ومن جانب اخر يبطش به الارهاب دون رحمة او رأفه , اضافة الى منقصات الحياة الاخرى التي تبدا بفقدان الامن والامان ولاتنتهي مع مشاكل الكهرباء والوقود ولاحتى مع " أنفلاونزه الطيور " التي بدات تزحف على العراق من الشمال والجنوب بشكل هادىء لكنه مخيف ومرعب . فهل يقدر السياسين العراقيين كل هذه المخاطر والاحتياجات الانسانية التي تحيط بالعراقيين , او انهم يعيشون في وادي اخر بعيد عن الناس , الجواب على هذا السوال لن يكون بتصريح اعلامي وناري بل بفعل واقعي على الارض يعكس مدى جدية كل الواجهات السياسية الجديدة في العراق بالاهتمام  بالمواطن ومصالحه وكرامته المهدوره على يد القوات الاجنبية . ولايجب تحميل الجميع اكثر من طاقتهم الفعلية , لكن على الاقل اسرعوا بتشكيل الحكومة وبتقوية القوات العراقية والطلب من القوات الاجنبية بمغادرة البلاد . لان ديمقراطية بلير على طريقة ضرب واهانة العراقيين في بلدهم بهذا الشكل الارهابي تعيد الى الاذهان صورة ابو ناجي , وكيف كان يعامل ابناء هذا البلد في العشرينات من القرن الماضي  , فهل بدأ التاريخ يعيد نفسه لكن باشكال جديدة واسماء اخرى قد تكون انسبها بلير ابو ناجي .

 

[email protected]

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 19  /شباط /2006 -20 /محرم الحرام/1427