لم يعد خافيا على أحد رغبة الولايات المتحدة في إعادة ترتيب أجندتها
الإقليمية في منطقة المغرب العربي ، بهدف الحفاظ عل حيوية مصالحها،
والحد من أية مخاطر يمكن أن تهدد هذه المصالح.
إن تطور سياسات الولايات المتحدة تجاه المغرب العربي لا يمكن فصلها
بتاتا عن طبيعة العلاقات بينها وبين القوى الدولية الساعية لتكريس
نفوذها في المنطقة، ولعل الاختلاف يتجلى بين هيمنة النمط الإيديولوجي
على تعامل واشنطن مع الأنظمة السياسية لدول المغرب العربي خاصة منها
الجزائر، في إطار صراعها مع المعسكر الشرقي سابقا إبان الحرب الباردة،
وبين توسيع المصالح الاقتصادية بعد تلك الحرب، حيث يظهر التنافس
الاقتصادي بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي ، بعدما شهدت المنطقة
فتحا للأسواق وتوقيع اتفاقيات تبادل الحر مع كل من القوى الدولية (
كحالة المغرب)إلا أن هناك رأي سائد مؤداه أن طموح الولايات المتحدة في
المنطقة لاتحركه أهداف اقتصادية ويعزى ذلك إلى ضعف حجم تجارتها مع هذه
الدول بنسبة تقدر 2 في المائة فقط، بل غايتها الربط بين مختلف سياسات
دول المنطقة بمحور الأمن القومي الأمريكي، مما يعني دخول هذه الدول ضمن
منظومة التوسع العسكري الأمني والنفطي (الجزائر) بعد أحداث الحادي من
سبتمبر 2001 وذلك في إطار سياستها الرامية إلى تكريس زعامتها للعالم،
وتعاظم وزنها على الساحة الدولية وكسب المواقع في مختلف الواجهات عن
طريق إقامة تحالفات استراتيجية للقضاء على الإرهاب.
فبعد طرح ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم أساسا على
العمل على إجراء إصلاحات جذرية في العالم العربي والإسلامي وإدماجه في
مظلة الأمن الأمريكي الأوربي، في هذا الإطار أصبح من المهم أن تقوم كل
دولة محورية في الشرق الأوسط الكبير ( من المغرب في أقصى غرب العالم
العربي وإفريقيا وحتى باكستان في أقصى الشرق) بمراجعة دورها العسكري
والدبلوماسي والمخابراتي في ضوء المتغيرات الجغرافية الجديدة.
ويثير المغرب العربي الذي يعد نقطة الارتكاز الجغرافي التي تضم
مصادر الطاقة في شمال إفريقيا اهتماما متزايدا من جانب الولايات
المتحدة التي تسعى إلى تعزيز وجودها على حساب العلاقات المتميزة مع
أوروبا ، فمنذ اعتداءات سبتمبر ضاعف المسئولون السياسيون والعسكريون
الأمريكيون من زيارتهم إلى المنطقة وما الزيارة المغاربية التي قام بها
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي(إف بي أي) روبير مولر ووزير
الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في الأسبوع الماضي إلا لأجل إقناع هذه
الدول بفكرة إرسال فرق عسكرية من جيوشها إلى أفغانستان ومشاركة قوات
هذه الدول في المناورات العسكرية الأمريكية التي ستجري بالساحل الأطلسي
تحت ما يسمى بمبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، مما يفسر استمرار
الولايات المتحدة في البحث عن استراتيجيات عسكرية جديدة تتلاءم مع
طبيعة التحديات التي تهدد أمنها.
والجدير بالذكر أن اهتمام الولايات المتحدة بدول المغرب العربي، كان
يقتصر في البداية على المراكز الأكاديمية في عدة جامعات أمريكية، إلا
أنه اليوم تزايد هذا الاهتمام ليشمل مراكز الأبحاث الكبيرة كمعهد الأمن
الدولي بواشنطن، وهو أحد أبرز المراكز البحثية التي تعنى بتوفير
تحليلات وافية للشؤون الدولية التي تركز بصفة خاصة على القضايا
الأمنية .
CSIS وذكرت نشرة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية أن الولايات
المتحدة تعمل على عقد حوارات و نقاشات بهدف إلقاء نظرة على القضايا
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في منطقة الشمال الإفريقي وتتسع
لتشمل:
1) دعم المبادرات الأمريكية للترويج للديمقراطية في الدول العربية.
2) توثيق التحالف بين الولايات المتحدة ودول المنطقة لتأمين الشمال
الإفريقي من أي أنشطة إرهابية، خاصة بعد اكتشاف خلايا إرهابية موالية
لمنظمة القاعدة في المغرب.
3) تأمين آبار النفط ( الجزائر) لضمان تدفقها في الأسواق الغربية ،
مع الأخذ في الاعتبار، أن غالبية الاستثمارات في هذا المجال أمريكية.
إن تفاقم مهددات الأمن الخارجي في المنطقة والمتمثلة خاصة في
الإرهاب الدولي الذي أضحى يشكل أحد العوامل التي تهدد أمن الدول
ومصالحها، سيجعل حتما السياسة الأمنية للولايات المتحدة تمثل أحد
المفاهيم الرئيسية لفهم طبيعة سياستها الخارجية في عالم ما بعد الحادي
عشر من سبتمبر.
وفي الختام، لا يمكن فهم الإستراتيجية الأمريكية اتجاه المنطقة إلا
من خلال معرفة الإدراك الجيوسياسي الأمريكي للمغرب العربي الذي يعتبرها
الأستاذ الجيوبوليتيكي الأمريكي المعاصر" سول كوهن" البوابة الخلفية
لأوروبا وهذا يفسر القلق الأوربي في التطورات السياسية التي تعرفها
المنطقة على بوابته الخلفية.
*هند بطلموس، باحثة في قسم العلاقات
الدولية
جامعة محمد الخامس، الرباط ، المغرب |