الرسوم المسيئة تحطم جسور الدانمارك مع العالم الاسلامي وتقوض مشاريعها

ادت قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد التي اثارت ردود فعل غاضبة ضد الدنمارك في العالم العربي-الاسلامي الى تقويض مبادرة دنماركية للحوار وارساء الديموقراطية في دول عربية كما رأى عدة مسؤولين في كوبنهاغن.

وقال ستين غاد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان لوكالة فرانس برس "هناك خطر كبير بان تقوم الدول التي ابدت انفتاحا ازاء مبادرتنا باغلاق الباب في وجهنا في فترة يبدو فيها الحوار مع الدول العربية اهم من اي وقت مضى".

واعتبر غاد الذي تحدث بصفته ممثلا لحزب الشعب الاشتراكي ان "الوضع اكثر صعوبة لان الدنمارك بحاجة ماسة للحوار مع العالم العربي واصلاح الاضرار وتحسين صورة المملكة".

واضاف ان اللجنة البرلمانية ستجتمع "قريبا لتقييم مستقبل هذا المشروع" قائلا "انني اؤيد ان نراهن على المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في هذه الدول التي تريد الحصول على الديموقراطية بدلا من العمل مع قادتها" مبديا تاييده "لاعادة توزيع الاموال التي تصرف لاقامة مراكز حوارات" في العالم العربي.

وهذه "المبادرة العربية" اطلقتها الحكومة الليبرالية-المحافظة العام 2003 لتشجيع الديموقراطية والاصلاحات في الدول العربية كما اكد انذاك وزير الخارجية الدنماركي بير ستيغ مولر.

واضاف "من المهم المساعدة في ارساء الديموقراطية في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا بهدف وقف الارهابيين ومن المهم جدا ايضا ان تكون هناك اصلاحات لكي لا نواجه نزاعات ومواجهات كبرى في حوض المتوسط في غضون سنوات".

وردا على سؤال من المحطة الاولى في تلفزيون "دي ار 1" الاربعاء قال مولر انه لا يعتقد بان المشروع انتهى بسبب الوضع الحالي. واضاف "لقد فقد زخمه لكن نحن متمسكون جدا في مواصلته لان الحوار اصبح ضروريا اكثر من اي وقت مضى".

ولاعطاء مثال ملموس على هذه المبادرة اقيم في القاهرة عام 2004 معهد يدعى "المعهد المصري للحوار".

لكن بالنسبة للبروفسور مهدي مظفري المتخصص في الشؤون الاسلامية في جامعة آرهوس فان "هذه المبادرة ليس لديها الكثير من الفرص لكي تستمر".

وقال لوكالة فرانس برس "لقد واجهت انتقادات منذ الاعلان عن هذا المشروع الطامح والمشرف للدنمارك لان الحكومة لم تخصص له سوى مئة مليون كورون دنماركي (13,42 مليون يورو) سنويا وهو لا يتطابق مع تنوع وحجم هذه المهمة".

واضاف "لكن مفهوم هذه المهمة لدى دول العالم العربي كان من الصعب ان تتقبله الحكومات العربية لا سيما ان تاتي دولة صغيرة لاعطائهم دروسا حول الديموقراطية وحقوق الانسان ووضع المرأة".

وتابع "من المستحسن ان تقوم الدنمارك بالتركيز على اندماج المسلمين المقيمين على اراضيها وتشجيع الديموقراطية لديهم وهذا ما يفترض ان يتصدر الاولويات".

والمجموعة المسلمة في الدنمارك متنوعة جدا وتشكل حوالى 3,5% من الشعب الذي يعد 5,4 ملايين نسمة.

واقترح هذا الخبير ان تقيم الحكومة الدنماركية "مركزا للحضارات في بلاده على ان يكون منتدى مفتوحا خصوصا للعالم العربي-الاسلامي".

وقد اثيرت مشاعر غضب ضد الدنمارك في العالم العربي الاسلامي بسبب الرسوم الكاريكاتورية بما يشمل الدول الصغيرة التي تستفيد من المساعدات الدنماركية السخية للتنمية.

ووصلت المساعدة الدنماركية بما يشمل المساعدات الانسانية الى هذه الدول الى حوالى مليار كورون سويدي (134 مليون يورو) عام 2005 اي حوالى 13% الى 14% من اجمالي المساعدة للتنمية.

وتصل المساعدة خصوصا الى مصر وبنغلادش وباكستان وماليزيا واندونيسيا وافغانستان والاراضي الفلسطينية.

هذا وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة دنمركية أن أكثر من نصف الدنمركيين الذين استطلعت اراؤهم قالوا انهم يتفهمون سبب شعور المسلمين في أنحاء العالم بالغضب تجاه رسوم الكاريكاتير المسيئة للنبي محمد التي نشرت بادئ الامر في الدنمرك.

ولكن اقل من نصف هؤلاء الذين شاركوا في الاستطلاع يعتقدون ان صحيفة يولاندس بوستن أخطأت بنشر 12 رسما ساخرا وهي الرسوم التي أعادت نشرها صحف أوروبية أخرى وأثارت عاصفة من الاحتجاج من جانب المسلمين في أنحاء العالم.

ووجد الدنمركيون المسالمون عادة أنفسهم في قلب العاصفة بعد اضرام النار في بعثات دبلوماسية دنمركية ومقاطعة البضائع الدنمركية بعدة دول اسلامية.

وقالت صحيفة ستار الماليزية ان وزير خارجية الدنمرك طلب من نظيره الماليزي المساعدة في تهدئة غضب المسلمين تجاه الرسوم الساخرة.

وجاء تقرير الصحيفة بعد قليل من دعوة وزارة الخارجية الدنمركية رعاياها لمغادرة اندونيسيا لوجود "خطر قائم وواضح" من جانب متطرفين اسلاميين وبعد سحب الدبلوماسيين الدنمركيين من اندونيسيا وايران وسوريا.

وأظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد جالوب لحساب صحيفة بيرلينجسك تايدند ان 56 في المئة من اجمالي 1003 دنمركيين استطلعت اراؤهم الاسبوع الماضي أدركوا أن المسلمين تضرروا من الرسوم الساخرة بينما قال 41 في المئة انهم لا يفهمون سبب غضب المسلمين.

وردا على سؤال بشأن ما اذا كانت صحيفة يولاندس بوستن أخطأت بنشر الرسوم أبدى 49 في المئة من المشاركين موافقتهم على ذلك مقابل 43 في المئة قالوا ان الصحيفة كانت على صواب في النشر.

ويتوقع ان تستخدم الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد التي اثارت موجة اعتراض كبيرة في العالم الاسلامي في كتاب للتعليم المدرسي ولا يستبعد متحف دنماركي عرضها مستقبلا.

وصرح رئيس القسم الاكاديمي في دار النشر الدنماركية غليندندال بيتر موليروب لصحيفة بوليتيكن "ما يحصل راهنا يحمل دلالات كبيرة الى درجة لا يمكن التستر عليها".

وقال "لا بد من ان تعلم الاجيال المقبلة بامر تلك الرسوم". واضاف انه خلال عام "ليس ثمة ما يمنع طباعتها".

لكن دار غليدندال لا تنوي استفزاز المسلمين بل ترغب في نشر الرسوم في اطار دراسة دقيقة للقضية برمتها.

من جهتها قالت المؤرخة صوفي ليني باك من المكتبة الملكية للصحيفة ان هذه الرسوم اساسية للتاريخ و"ممارسة الرقابة على الماضي ستشكل وسيلة تاريخية سيئة".

وفي تصريحات لبوليتيكن "لم يستبعد" ايرفين نيلسن مدير متحف وسائل الاعلام في اودينسي "عرض الرسوم التي احدثت كل هذه الضجة في احد الايام".

 من جهته اعتبر رئيس الوزراء الدنماركي اندرس فوغ راسموسن اليوم الاحد في حديث مع شبكة "سي ان ان" التلفزيونية الاميركية ان بعض الدول مثل سوريا وايران استفادت من الجدل حول نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد في الصحافة الدنماركية لصرف النظر عن مشاكلها الخاصة.

وقال راسموسن ردا على سؤال للشبكة التلفزيونية "يبدو لي واضحا ان بعض الدول استفادت من الوضع لصرف النظر عن مشاكلها الخاصة مع المجتمع الدولي بما فيها سوريا وايران".

واضاف "اصبحت الدنمارك هدف احباط ناتج عن مشاكل تجاوزت سببها الاصلي".

وكانت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس اعتبرت في تصريح سابق ان ايران وسوريا تستغلان الجدل القائم حول نشر الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد في اوروبا لتأجيج الكراهية للغرب في العالم الاسلامي.

وردا على سؤال حول هذه التصريحات اكتفى رئيس الوزراء الدنماركي بالقول "انها على حق".

وفي المقابل رفض راسموسن مجددا تقديم اعتذار حكومته عن نشر الرسوم. وقال "لا الحكومة ولا الشعب الدنماركي يمكن ان يكونا مسؤولين عما نشرته صحيفة حرة ومستقلة".

واضاف "لكني اريد ان اكون واضحا انه لا الحكومة الدنماركية ولا الشعب الدنماركي كانت لديهما النية بشتم المسلمين في العالم". وقال "نريد الحوار مع العالم الاسلامي".

وفي اعقاب التظاهرات العنيفة المناهضة للدنمارك في عدد من الدول الاسلامية ذكر راسموسن بان حكومته امرت باخلاء سفاراتها في سوريا وايران واندونيسيا "لاسباب امنية" وانما من دون قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول.

وقال "نؤمن (بمزايا) بناء الجسور (مع العالم الاسلامي) وليس في تدميرها".

واخيرا رفض رئيس الوزراء الدنماركي كل الذرائع التي تلمح الى ان الازمة التي اثيرت تكشف عن فشل سياسة اندماج المهاجرين في الدنمارك حيث "ازداد عدد العمال المهاجرين والطلاب الاجانب منذ وصوله الى السلطة".

وقال "الامر اصلا هو مسالة تفسير حرية التعبير" مشيرا الى ان "افراد المجتمعات الدينية الاسلامية ينبغي ان يدركوا ان حرية التعبير هي الحق الاثمن وانه ينبغي دائما ان تسير جنبا الى جنب مع حس المسؤولية واحترام كل المعتقدات".

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 14  /شباط /2006 -15 /محرم الحرام/1427