
تدفع الاحتجاجات العنيفة في الشرق الاوسط بسبب الرسوم الساخرة للنبي
محمد الاقلية المسلمة في فرنسا وهي الاكبر في أوروبا الى محاولة ايجاد
توازن دقيق بين كونهم مواطنين فرنسيين والتضامن مع باقي المسلمين .
وترهق تلك المهمة أعصاب زعماء مسلمي فرنسا الذين يعملون منذ سنوات
لاظهار الاسلام كدين يحترم كلا من القران والدستور الفرنسي. ويخشون من
أنه بدلا من قبول الاسلام كثاني أكبر الديانات في فرنسا فان الرأي
العام يربط حاليا الاسلام وأتباعه في فرنسا بالعرب الغاضبين الذين
يحرقون سفارات دنمركية ويهتفون بشعارات إسلامية ويهددون منتقدي الاسلام.
وشكا محمد بشاري رئيس الاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا قائلا "اننا ندفع
فاتورة (هجمات) 11 سبتمبر وجميع التوترات وسوء التفاهم الذي ظهر بعدها."
وقال صهيب بن شيخ وهو رجل دين اسلامي بارز عن الاحتجاجات في الشرق
الاوسط "اننا نتعامل مع نوعين من الجهل.. الجهل بالاسلام والجهل بحرية
التعبير." وأضاف "انني مندهش لرد الفعل الزائد عن الحد لرفاقي المسلمين."
وحث مجلس المسلمين في فرنسا الاقلية المسلمة هناك على التزام الهدوء
وحاول دون فائدة منع مجلة اسبوعية تصدر في باريس من إعادة نشر الرسوم
الساخرة التي نشرتها لاول مرة صحيفة يولاندس بوستن الدنمركية. كما يدرس
المجلس أيضا اتخاذ إجراء قانوني ضد صحيفة فرانس سوار اليومية التي
أعادت نشر الرسوم الساخرة أيضا.
ومن المقرر الاستمرار في تنظيم مسيرات الاحتجاج. وقالت احدى
المنظمات في دعوتها للمسيرة "تعالوا مع أسركم وأظهروا صورة طيبة لمسلمي
فرنسا... تذكر أن تحضر معك علما فرنسيا."
وجاء أغلب مسلمي فرنسا الذين يشكلون نحو ثمانية بالمئة من السكان من
المغرب وأفريقيا وتركيا خلال نصف القرن الماضي . وكثير منهم ولد وتلقى
تعليمه في فرنسا وباتوا مكتملي المواطنة رغم ان معظم المجتمع لا زال
ينظر اليهم باعتبارهم ليسوا فرنسيين حقيقيين. وانخفض الحضور الى صلوات
الجمعة بالمساجد الى ما يترواح بين 10 و15 في المئة وهو نفس مستوى
الحضور تقريبا للصلوات الاسبوعية بالنسبة للمسيحيين واليهود الفرنسيين.
كما أن كثيرا من الشباب المسلم اما يعرفون القليل أو لا يعرفون شيئا عن
المدن والقرى واللغات الاجنبية التي تركها أسلافهم وراءهم. غير أن ذلك
كله لم يقنع الرأي العام الفرنسي الذي لا زال يميل الى اعتبار المسلمين
أجانب والاسلام مشكلة. وخلال مؤتمر حول الرسوم الساخرة حاول بشاري ان
يفصل مسلمي فرنسا عن الاضطرابات في الخارج قائلا "جاء رد فعل مسلمي
فرنسا فقط بعدما اعادت فرانس سوار نشر الرسوم الساخرة. لم يأت ردنا
بسبب الاحتجاجات في الشرق الاوسط." وأضاف "اننا نؤمن بحرية التعبير...
عندما ذهبنا الى بغداد للمطالبة باطلاق سراح الرهائن الفرنسيين (في عام
2004).. قلنا ان الفضل يرجع الى الصحفيين في اعلامنا بخصوص ما حدث في
سجن أبو غريب." واثنى بن شيخ على الحريات التي يمتلكها المسلمون للتحدث
علنا والحوار في فرنسا وانتقد المتظاهرين في الشرق الاوسط الذين طالبوا
الحكومة الدنمركية بالاعتذار عن الرسوم الساخرة. وقال "ذلك يظهر بكل
وضوح أن فكرة حرية التعبير الحقيقية لم تضرب بجذورها في البلدان
الاسلامية." وأضاف أن الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر والذي يعد أحد
أبرز الدعاة المسلمين كان مخطئا في انضمامه الى الدعوة للاعتذار.
"ذلك يبدو كما لو أنه لم يكن يعرف أن رئيس الوزراء الدنمركي لم يرسم
أو يفوض (بنشر) تلك الرسوم الكاريكاتورية ."
وأعرب رشيد بن زين وهو مثقف اسلامي شاب بارز عن أسفه لحقيقة ان
العرب المحتجين اعتقدوا ان دينهم يمنحهم الحق في استخدام العنف عندما
يهانون. وقال "اننا نشاهد اضفاء طابع ديني على العلاقات الدولية...البعض
يقول اننا نتجه نحو صدام للحضارات.. غير أنه يبدو بشكل أكثر صداما
للجهل من جانب كلا الطرفين. كيف يمكننا الخروج من تلك الدوامة." وقال
اوليفر روي مؤلف كتاب "الاسلامي العالمي" ان حكومات الشرق الاوسط
والحركات الدينية سعت لاستغلال المسلمين في الشتات بالتأكيد على قضايا
تبقي عليهم منفصلين عن جيرانهم الاوروبيين.
وقال ان دولا بالشرق الاوسط شهدت احتجاجات عنيفة كانت أيضا تسوي
حسابات مع الاتحاد الاوروبي الذي بات أكثر نشاطا في المنطقة خلال
السنوات الاخيرة من خلال ضغوطه على ايران بخصوص قضيتها النووية أو
ضغوطه على سوريا بسبب تواجدها في لبنان.
وكتب في صحيفة لو موند اليومية التي تصدر في باريس "المسلمون في
اوروبا يواجهون أوقاتا عصيبة يوميا في العيش مع رعاة مثيرين للمتاعب
مثل هؤلاء."
على صعيد مقارب اقترح زعيم فرنسي يميني متطرف يستعد لخوض سباق
انتخابات الرئاسة المقررة في عام 2007 يوم الجمعة السماح ببناء مساجد
في فرنسا مستقبلا شريطة أن يكفل المسلمون المساواة بين الجنسين وحرية
تغيير الاديان. وقال فيليب دو فييه الذي تشير استطلاعلات الرأي الى
تقدمه على الزعيم اليميني المتطرف جان ماري لوبان انه ينبغي على فرنسا
أن تواجه ما وصفه بانه "الاسلمة المتزايدة للمجتمع الفرنسي."
وقال لمحطة اوروبا 1 الاذاعية "ليس على فرنسا أن تتكيف مع الاسلام
ولكن على الاسلام أن يتكيف مع فرنسا."
وتشكل الاقلية المسلمة في فرنسا البالغ عددها نحو خمسة ملايين نسمة
أكبر اقلية اسلامية في اوروبا. وتريد منظمات اسلامية كثيرة بناء مساجد
مناسبة لتحل محل مرائب السيارات والمصانع المهجورة التي يستخدمونها
للصلاة غير أن ذلك عادة ما يثير معارضة من جانب الجيران غير المسلمين.
وقال فييه الذي يعارض حزبه الحركة من أجل فرنسا بشدة الاتحاد الاوروبي
والهجرة ان الجدل حول الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد اظهر ان هناك
"فجوة ثقافية" بين اوروبا والعالم الاسلامي. وأضاف "ينبغي أن نفرض
مفهومنا للحرية.. وليس مفهوم الاخرين."
ورفض فييه منح امتيازات مثل تقديم ما يعرف بالاطعمة الحلال لتلبية
مطالب المسلمين الغذائية في المطاعم والسماح بتحديد ساعات "للنساء فقط"
في المسابح العامة أو اعادة كتابة مناهج التاريخ الدراسية.
وقال انه ينبغي ان يتم ربط بناء المساجد في المستقبل بتعهدات من
المسلمين بضمان تطبيق "المساواة بين الرجال والنساء وحرية تغيير
الاديان واحترام الفصل بين الكنيسة والدولة وحظر التمويل الاجنبي." ولم
يذكر فييه مزيدا من التفاصيل غير ان من الواضح ان المسلمين سينظرون الى
مطالبه باعتبارها استفزازا. |