يحتل أئمة أهل البيت (ع) جزءاً كبيراً ومهماً في نتاج العلامة الشيخ
حسن بن موسى الصفار، بل ويسيطر فكر أهل البيت (ع) على كل فكره وعطائه،
وله فيهم عدة مؤلفات، منها: أئمة أهل البيت رسالة وجهاد، حياة الأئمة
والتاريخ المزيف، الرسول طريق إلى القمة، الإمام علي ونهج المساواة،
الإمام الحسن ونهج البناء الاجتماعي، الحسين ومسؤولية الثورة، الإمام
الحسين رمز التضحية والفداء، الثائر والسجن (الإمام الكاظم)، الإمام
المهدي أمل الشعوب، الإمام المهدي وبشائر الأمل، المرأة العظيمة (السيدة
زينب)،...
ومنها أيضاً، كتابه (الإمام الحسين.. الشخصية والقضية) الذي
صدر حديثاً في طبعته الثالثة في أقل من عام من تاريخ تأليفه.. هذا
والإمام الحسين بن علي (ع) يأتي في طليعة الثائرين المصلحين الذين
يرفضون السكوت على الظلم، ويرفعون صوت الحق، وقد احتل الإمام الحسين
(ع) -كما يقول عنه العلامة الصفار [ص10]- "قمة المجد السامقة لمسيرة
الطليعة الثائرة في التاريخ البشري. لذا ليس غريباً أن تملأ الآفاق
ذكراه العطرة على امتداد الزمن، وأن نشهد اتساعاً أفقياً وعمودياً،
كمياً ونوعياً في الاحتفاء بذكرى نهضته المقدسة مطلع كل عام هجري جديد".
وهو في هذا الكتاب الصغير حجماً، يحاول أن يختزل حياة شخصية
مهمة (الإمام الحسين) ويلقي الضوء على قضية مهمة (عاشوراء)، وعلاقة كلاً
من الشخصية بالقضية والعكس، وعلاقة كلاً منهما بالأمة والعكس.
تأملات في مولد الإمام الحسين (ع)
أشار العلامة الصفار في كتابه هذا [ص14] إلى أن نصوصاً
عديدة تشير "إلى ظاهرة فريدة من نوعها، رافقت ولادة الإمام الحسين (ع)،
ونشأته في أحضان جده المصطفى (ص)، وهي استحضار النبي (ص) لحادثة مقتل
الحسين (ع) وشهادته، وإعلانه التأثر والتألم لذلك".
ونقل في مؤلفه بعض تلك النصوص التي روتها مصادر الحديث
المعتبرة عند المسلمين سنة وشيعة، والتي أكد المحققون في علم الحديث
صحة أسانيدها، ومما نقله؛ نكتفي بذكر هذه الرواية المؤكدة بقول
المحققين كالحاكم النيسابوري والشيخ محمد ناصر الدين الألباني
[ص15-16]:
"في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، حديث رقم
(4818) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله (ص)،
فقالت: يا رسول الله، إني رأيت حلماً منكراً الليلة.
قال: ما هو؟
قالت: إنه شديد.
قال: ما هو؟
قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.
فقال رسول الله (ص): رأيت خيراً تلد فاطمة إن شاء الله
غلاماً فيكون في حجرك.
فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري، كما قال رسول الله (ص)،
فدخلت يوماً إلى رسول الله (ص) فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة،
فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان من الدموع.
قالت: فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما لك؟
قال: أتاني جبريل (ع) فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا. فقلت: هذا!
فقال: نعم. وأتاني بتربة من تربته حمراء".
ويتساءل -هنا- العلامة الصفار [ص20]: "لماذا يتحدث رسول الله (ص) عن
مقتل سبط الحسين بعد خمسين عاماً وهو -الحسين- في الأيام الأولى
لولادته؟ ولماذا يبدي الرسول (ص) تألمه وحزنه لحدث سيحصل بعد أكثر من
نصف قرن؟ ثم لماذا هذا الاهتمام من قبل الله تعالى بإخبار نبيه (ص)
بذلك، وتحديد الأرض التي سيجري فيها الحدث، وإعطائه قبضة من ترابها؟".
إن الجواب يكمن في أهمية الشخصية (الإمام الحسين) والقضية/الحدث
(عاشوراء).. والمسألة -كما يقول العلامة الصفار- أعمق من أن ينظر
الإنسان إليها بسطحية، فيتصور أن حادثة كربلاء مجرد صراع سياسي بين
طرفين، أو مجرد خلاف بين أسلاف لا شأن للأجيال اللاحقة به، وإلا فلِمَ
حظي الأمر بهذا الاهتمام الإلهي واستدعى هذا التفاعل الكبير من قبل
النبي (ص)؟
وإذ ذاك، فالمسألة ترتبط بحفظ مكانة النبي (ص) في الأمة أولاً،
وثانياً تبيان موقعية أهل بيته (ع) الذين يشكلون امتداه الرسالي
ولطالما أوصى بحبهم وأداء حقوقهم، وثالثاً توجيه موقف الأمة تجاه الظلم
والانحراف الذي بلغ أوجه بمأساة أهل البيت (ع) في كربلاء عام 61هـ.
البعد الاجتماعي في حياة الإمام الحسين (ع)
يتناول العلامة الشيخ الصفار في كتابه البعد الاجتماعي في حياة
الإمام الحسين (ع) من خلال ثلاث نقاط، هي:
أولاً/ الحضور الاجتماعي، فالإمام الحسين (ع) نشأ من بداية حياته في
عمق الشأن الاجتماعي وفي صميم الأحداث، والتصق بجده المصطفى (ص) في
مواقف شتى. وقد كانت تلتف حول مجلسه في المسجد النبوي الشريف حلقة
واسعة من طلاب العلم وأصحاب الحاجات.
وثانياً/ النموذج الأخلاقي، حيث كان الإمام الحسين (ع) قمة في هذا
المجال، لا يقابل مسيئاً بإساءته، ولا مذنباً بذنبه.
وثالثاً/ الاهتمام بمناطق الضعف في المجتمع، حيث تتجلى إنسانية
الإمام الحسين (ع) في الاكتراث بالمحتاجين والفقراء واليتامى في
مجتمعه، وقد كان طوال حياته ملاذاً للمحرومين والوافدين.
ثورة الحسين (ع) وثروة المعرفة
يشير العلامة الصفار إلى أن أهمية أي حدث من الأحداث في مختلف
المجالات إنما تتحدد وفقاً لحجمه ومستوى التفاعلات التي يخلقها في
الحياة الاجتماعية. والآثار الأكبر تكسب الحدث أهمية أعظم.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة، يقول العلامة الصفار [ص48]: "إن ثورة
الإمام الحسين (ع) تنفرد في عالم الأحداث والثورات بما أفرزته من آثار
كبيرة، وانعكاسات واسعة، تجعلها في صدارة الأحداث الأهم في تاريخ الأمة
الإسلامية بل والتاريخ البشري بشكل عام. لقد تجاوزت تفاعلات ثورة
الحسين حدود المكان، وحواجز الزمان، واختلاف الشعوب والأقوام، ولا تزال
تموجاتها متلاحقة متتابعة في مختلف بقاع الأرض، وعلى مساحة بشرية كبيرة
متنوعة في أعراقها وقومياتها، رغم مرور أربعة عشر قرناً من التاريخ".
ويعود العلامة الصفار ليؤكد أن تأثير قضية الإمام الحسين يتجاوز
زمانها ومكانها. وهي قد أنتجت حركة فكرية ثقافية واسعة تطال مختلف
جوانب المعرفة والحياة، لأنها ثورة تريد العودة بالأمة إلى أصول
الرسالة، ومبادئ الدين، وأنظمة الشريعة وقوانينها، لذلك حفل سجل النهضة
الحسينية بالكثير من الخطب والرسائل والكلمات والمحادثات والشعارات
والأبيات الشعرية.
كما أعادت نهضة الإمام الحسين (ع) طرح موقعية أهل البيت (ع) في
الأمة بعد فترة من التجاهل والتنكر لحقهم ولدورهم، رغم تأكيد القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة على مكانتهم وحقوقهم.
وأعادت النهضة الحسينية -أيضاً- فتح ملف الخلافة والحكم، والمواصفات
التي يجب أن تتوفر في قيادة الأمة، والمنهج الذي يجب أن تسير عليه،
وموقف الأمة من انحراف الحكم عن دين الله وقيمه.
كما قدمت حركة الإمام الحسين (ع) منظومة مناقبية جديدة، تنبثق من
روح المسؤولية والالتزام الأخلاقي، وتجلى ذلك في أخلاقيات معسكري
الحادثة، حيث معسكر الإمام الحسين وأنصاره الذين دافعوا بعز وفداء
وأخلاقية عالية عن الدين والمصلحة العامة، في مقابل من في المعسكر
الآخر الذين سيطرت عليهم الأنا والمصالح والانتهازية على حساب ضمائرهم
ودينهم وأمتهم.
ويعلق العلامة الصفار على هذا التأثير، بقوله [ص53]: "هذا التأثير
الفكري الثقافي الكبير الذي تركته ثورة الإمام الحسين في أوساط الأمة،
خلق موجاً هائلاً، وحركة معرفية ضخمة، لا تزال تتواصل وتنمو وتتراكم،
ضمن مختلف أبعاد المعرفة. ما وفر للإسلام والأمة ثروة معرفية كبيرة،
لها مؤسساتها الخاصة، وتمويلها الأهلي الذاتي، ومدارسها المتخصصة،
ومواسمها الدائمة والمتكررة، وتقاليدها وأعرافها".
ومن نماذج تلك الثروة المعرفية؛ خطباء المنبر الحسيني، الأوقاف
الحسينية، النتاج الأدبي الحسيني، الكتابات والبحوث التاريخية المتعلقة
بقضية الإمام الحسين (ع)،...الخ.
ويدعو العلامة الصفار إلى الاهتمام بهذه الثروة المعرفية واستثمارها
لتأخذ موقعها المناسب في عالم المعرفة والثقافة الإنسانية. كما دعا إلى
ضرورة جمعها وتنظيمها وتحقيقها وتحليلها.
عاشوراء: برنامج رسالي
يعتبر العلامة الصفار أن العشرة الأولى من شهر محرم الحرام في مطلع
كل عام هجري؛ تشكل أهم موسم ديني ثقافي لدى المجتمعات الإنسانية. ومن
أهم برامج هذا الموسم: الخطب والمحاضرات التثقيفية التوعوية التي تذكر
الناس بتعاليم الدين وتشرح لهم مبادئه وأحكامه، وتتحدث لهم عن سيرة
النبي المصطفى (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، مما يساعد في تحصين الناشئة
من المفاسد والانحرافات وتوعية الجمهور بالواجبات الدينية والمسؤوليات
الاجتماعية.
ويذكر العلامة الصفار ببعض الأمور التي يمكن من خلالها استثمار موسم
عاشوراء بشكل أفضل، ومنها تكثيف البرامج وتركيزها، وتوفير روحية
التعاون والتنسيق بين القائمين على البرامج، وبث فكر الوحدة والتقارب،
ومراعاة الأمن والنظام.
عاشوراء وثقافة المجتمعات الشيعية
تحت هذا العنوان يشير العلامة الصفار إلى بعض الآثار والانعكاسات
لاستحضار سيرة أهل البيت (ع) في ثقافة المجتمعات الشيعية، وهي على وجه
الاختصار:
1- الارتباط بالقيادة الدينية وفق الضوابط والقيم.
2- تحصين الإنسان من اقتراف الظلم والعدوان على الآخرين.
3- ضبط الانفعالات والتحلي بالصبر وكظم الغيظ.
وأخيراً، يدعو العلامة الصفار إلى تركيز الاستفادة والاستثمار لهذا
الموسم في مختلف مجالات الاهتمام بالشأن العام، ومن أبرزها: التأكيد
على التمسك بالقيم والالتزام بالأخلاق، والتماسك الاجتماعي، والتفاعل
الوطني.
*مدير تحرير مجلة وسلسلة كتب القرآن
نور
basheerq@yahoo.com |