صدام الحضارات نبوءة تتحقق في الصراع الأوربي الإسلامي

ما يعتبره البعض رسما كاريكاتيريا قد يراه آخرون جريمة.

فالخلاف حول الرسوم الكاريكاتيرية الدنمركية التي تصور النبي محمد والتي أدت الى احتجاجات ودعوات بالمقاطعة في ارجاء العالمين العربي والاسلامي تحولت الى حرب كلامية بين الحضارات يضع حرية التعبير الغربية في مواجهة المحرمات الاسلامية.

وكلما زادت الاحتجاجات وسحب السفراء ومقاطعة المنتجات الدنمركية في البلدان الاسلامية بسبب ما تعتبره كفرا كلما أعاد بعض الاوروبيين وخصوصا الصحفيين اعادة نشر الرسوم ويصرون على حريتهم في السخرية من أي سلطة.

وللخلاف بعده الديني وبعده السياسي مثل كثير من الصراعات حول الاديان. وتستند ردود الفعل في العالم الاسلامي الى أن الاسلام يحرم تصوير النبي وعزز من ردود الفعل هذه تصوير النبي كإرهابي يضع قنبلة تحت عمامته.

وقال دليل أبو بكر رئيس مجلس مسلمي فرنسا "هذا تشهير... وتضليل." ومضى يقول "نبي الاسلام لم يؤسس دينا إرهابيا بل على العكس."

وللنزاع أوجه شبه مع فتوى إيرانية في عام 1989 بقتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي. وهو ناجم عن حقيقة أن المسلمين ما زالوا يعتبرون إهانة المقدسات جريمة بينما بات الغربيون يسخرون من ذلك.

وغالبا ما يجرى التهكم على المسيح في وسائل الاعلام والاعمال الفنية الغربية ولم يعد ذلك يسبب أي غضب وعادة ما ترفض المحاكم دعاوى قضائية ضد الرسوم الساخرة غير أن وسائل الاعلام الغربية أكثر حذرا فيما يتعلق باليهود بسبب الفظائع التي ارتكبت في المحارق النازية.

ولا يزال كثير من البلدان الاوروبية يحرم اهانة المقدسات في النصوص لكنها لا تطبقها. وكانت اخر محاكمة في بريطانيا في عام 1922 لرجل شبه المسيح بمهرج السيرك.

وعلى النقيض فان اهانة النبي محمد قد تؤدي الى عقوبة الاعدام في دولة اسلامية مثل باكستان. ويعاقب كثير من البلدان العربية من يزدرون الاديان بالسجن.

وكانت وجهتا النظر منفصلتين جغرافيا لكن الهجرة أدت الى ظهور جالية تقدر بنحو 15 مليون مسلم في أوروبا ليصبح الاسلام ثاني أكبر ديانة في معظم البلدان الاوروبية. ومن ثم أصبح الكثير من القضايا الاسلامية قضايا أوروبية.

كما أعطت العولمة البلدان الاسلامية ثقلا اقتصاديا لم تتمتع به من قبل مما يسمح لها بمقاطعة السلع الدنمركية وغيرها من السلع المعروضة في أسواقهم.

وقال أبو بكر "تسمح الحداثة اليوم (للمسلمين) بالاعراب عن رفضهم الشديد لهذا الهجوم على دينهم الذي يدنسه ويشوهه."

والخلاف بشأن الرسوم الكاريكاتيرية الى جانب التوترات الدبلوماسية والتجارية التي يسببها يتصل مباشرة بقضية تعايش المجتمعات الحرة المتعددة ثقافيا دون الاساءة لجزء من شعبها.

كما تثير مسألة ما اذا كان يتعين على الدول الاوروبية أن تتغير ارضاء لاقلياتها الجديدة وكيف ستتغير.

ومني رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بهزيمة نادرة في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي عندما رفض النواب تأييد قانون اقترحه يحظر حرية التعبير عن الكراهية الدينية أيده بقوة مسلمو بريطانيا لكن كثيرا من الفنانين عارضوه لانه ينطوي على رقابة.

وأدت التوترات المتصاعدة بسبب الدين في أوروبا الى تغييرات غير متوقعة. فعلى سبيل المثال بدأ المسيحيون المتدينون الذين يشكلون الان شريحة صغيرة في المجتمعات الاوروبية العلمانية يتصرفون كالاقليات مطالبين بحقوقهم.

وعبر الكاردينال فيليب بارباران أسقف الكنيسة الكاثوليكية في ليون عن هذا عندما رحب باحتجاجات المسلمين وأعرب عن أمله في أنها ستؤدي الى مزيد من الاحترام لجميع الاديان. كما أيد جوزيف سيتروك الحاخام الاكبر لليهود الفرنسيين المسلمين.

واثار غياب حرية الصحافة في معظم البلدان الاسلامية ردود فعل عدوانية وأحيانا مسيئة من جانب الاوروبيين الذين يرون أن المسلمين يحاولون تكبيل حقوق نشأت في عصر التنوير وبعد قرون من التطور السياسي.

وكتبت صحيفة دي فيلت الالمانية عند نشر الرسوم الكاريكاتيرية الدنمركية "كنا سنتعامل مع احتجاجات المسلمين بجدية أكبر اذا لم تكن متسمة بقدر كبير من النفاق." وأضافت "الائمة لاذوا بالصمت عندما عرض التلفزيون السوري مسلسلا في وقت ذروة المشاهدة يصور الحاخامين اليهود بأنهم من آكلة لحوم البشر."

وكتبت صحيفة فرانس سوار تدافع عن حقها في نشر الرسوم الدنمركية تقول إن الثورة الفرنسية في عام 1789 فصلت الكنيسة عن الدولة ولا تعطي لاي دين الحق في أن يفرض اراءه.

ومن بين الاراء الاكثر هدوءا التي جرى التعبير عنها قال بعض المعلقين ان الرسوم الدنمركية ليست المثال الافضل لما ينبغي الدفاع عنه بدعوى حرية الصحافة.

وكتبت صحيفة داجنس نايهتر السويدية "فيما يتعلق بحرية التعبير هناك قضايا أكثر أهمية بكثير من تلك القضية."

وفي صحيفة الأندبندنت يرد الكاتب الصحافي روبرت فيسك على أولئك الذين قالوا بوجود "صدام للحضارات" ويقول "إنها بالأحرى صبيانية الحضارات".

فالأمر لا يتعلق برأيه بمواجهة بين الإسلام والعلمانية. لأن "المسلمين بكل بساطة ينظرون إلى نبيهم على أنه الرجل الذي اصطفاه الله لتلقي الوحي بينما ننظر نحن (في الغرب) إلى أنبيائنا على أنهم جزء من العهود التاريخية السحيقة لا يتلاءم مع حقوق الإنسان الحديثة".

ويضيف فيسك: " إن المسلمين ، وخلافا لنا نحن، يعيشون ديانتهم على الوجه الأكمل. وقد تمكنوا من الحفاظ على عقيدتهم رغم مطبات الدهر. "

ويقول: "لم يعد هنالك عدد كبير من المسيحيين في أوروبا. والحل لا يكمن في أن نهاجم ديانات العالم الأخرى ونتساءل لماذا لا يحق لنا أن نتهكم على النبي محمد".

ويهاجم فيسك أيضا القادة السياسيين الذين تذرعوا- برأيه- بالقول إنه ليس بإمكانهم التدخل في السياسية التحريرية للصحف، ويقول: " لو كانت تلك الصور تحمل رسما لحاخام يهودي يرتدي قبعة في شكل قنبلة لقامت الدنيا ولم تقعد ولصكت آذاننا من كثرة الحديث عن المعاداة للسامية، تماما كما يشتكي الإسرائيليون من الرسوم المعادية للسامية في الصحف المصرية".

ويضيف أن تشريعات بعض الدول ومن بينها فرنسا وألمانيا والنمسا تمنع نكران وقوع المحرقة اليهودية والآرمنية.

ويتابع روبرت فيسك قائلا إن الوقت غير مناسب لتسخين وجبة صمويل هنتينجتون حول صراع الحضارات. "فإيران يحكمها الأئمة. وكذلك الشأن في العراق الذي لم يكن يتوقع أن تؤدي فيه الانتخابات الديمقراطية إلى صعود حكومة أئمة، ولكن ذلك ما يحدث عندما تطيح بالطغاة.

ويقول فيسك في النهاية إن المسألة ليست هي تصوير النبي محمد لأن القرآن لا يحرم ذلك، على حد تعبيره، بل إن ملايين المسلمين هم الذين يحرمونه. و إن أخطر ما في الأمر هو أن تلك الرسوم صورت النبي محمد بصورة العنف على الشكل الذي يصور به بن لادن وأعطت صورة عن الإسلام بأنه دين عنف، والأمر غير ذلك. إلا إذا كنا نريد أن نجعله كذلك."

فتاوى 

ونشرت صحيفة الجارديان مقالا قال كاتبه" إن حرية التعبير لا تعني بأي حال من الأحوال وجوب الإساءة للمشاعر أو ضرورة تجاهل الحساسيات العقدية؟وإذا كان تمسكنا بحرية التعبير يكتسي أهمية محققة، فإن وقوفنا ضد العنصرية ينبغي ألا يقل أهمية عنه.

وكتب ألان كاويل في صحيفة الـ نيويورك تايمز قائلا: بعض المراقبين رأوا في النزاع الدائر الآن تكراراً لمواجهات ثقافية سابقة بين الغرب والإسلام كانت بدأت بإصدار الخميني في إيران حكماً بالموت عام 1989 على المؤلف البريطاني سلمان رشدي لنشره كتاباً مسيئاً للإسلام. وفي عام 2004 جرى قتل المخرج السينمائي الهولندي تيو فان كوخ بعد تقديمه فيلماً حول العنف الموجه للمرأة في المجتمعات الاسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد  5  /شباط /2006 - 6/محرم الحرام/1427