السعودية تسير في خطوات الاصلاح لكن الفكر الوهابي يمثل العقبة الكبرى

يبدو ان السعودية المحافظة بدأت ببطء ولكن بثقة تخفف القيود المفروضة على المجتمع على الرغم من غياب مبادرات حكومية كبيرة فيما يتعلق بالاصلاح السياسي.

واعتلى الملك عبد الله وهو من انصار الاصلاح الحذر العرش العام الماضي لكن لم تتخذ خطوات للتخفيف من سلطات الحكم الملكي المطلق أو تحويل مجلس الشورى إلى ما يشبه برلمان حقيقي أو تعزيز حقوق المرأة.

ومع ذلك يشير المراقبون إلى مجموعة من الخطوات الصغيرة التي اذا أخذت في مجملها تشكل دليلا على ظهور مناخ سياسي جديد في بلاد مازالت المؤسسة الدينية القوية فيه مطلقة اليد في فرض المذهب الوهابي السني المتشدد.

وحكمت الاسرة المالكة هذه المملكة الصحراوية بتنسيق وثيق مع رجال الدين المتشددين منذ تأسيسها في قلب شبه الجزيرة العربية عام 1932. ويقول المحللون إن الاسرة الحاكمة تريد الاصلاح لكنها قلقة من اغضاب حلفائها من رجال الدين.

وقال الملك أثناء زيارة سلطت عليها الاضواء لاسيما الشهر الماضي أن المملكة تتقدم على طريق الاصلاح خطوة بخطوة دون اسراع وبخطوات ثابتة.

وتولى العديد من السعوديين العاديين مقاليد أمورهم بأيديهم. وحظيوا بموافقة ضمنية أو صريحة من الحكومة التي تخشى من اضطرابات اجتماعية بسبب ارتفاع معدلات البطالة في المملكة التي يقطنها 24 مليون منهم ستة ملايين أجنبي.

فانتخبت بعض النساء في مجالس ادارة شركات ومنظمات مهنية أصبحت تتحول بالتدريج الى كيانات أكثر استقلالية عن وزارت الحكومة.

وشجعت السلطات المرأة على النشاط الاقتصادي. فالكثيرات يستثمرن في سوق الاسهم المزدهرة مستفيدات من حقوق جديدة بأن يكون لهن بطاقات هوية منفصلة.

وسعى رجال الدين دون جدوى لتحجيم مثل هذه المبادرات التي جاءت مع ثورة تكنولوجيا المعلومات في العالم.

ويدفع بعض المسلمين بأن السعودية راعية الحرمين الشريفين ستظل محصنة ضد تيارات التحرر باعتبارها نوع من "المدينة الفاضلة" الاسلامية حيث يجب ان تسخر التكنولوجيا الحديثة لخدمة القواعد الثابتة للاخلاقيات العامة.

وأجهزة الهاتف المحمول ذات الكاميرات محظورة لانها يمكن ان تستخدم في توزيع صور النساء وهن غير مرتديات الحجاب في المدارس أو الافراح. وتراقب الانترنت بصرامة لكن العديد من الشبان يتمكنون من التحايل على الخدمة التي تتيحها الحكومة.

واجتذبت الحكومة رجال الدين لصفها في حربها الدعائية على المتشددين الاسلاميين الذين شنوا حملة في عام 2003 لاسقاط الملكية المتحالفة مع الولايات المتحدة في أكبر دولة منتج للنفط في العالم. لكن حملة التمرد المحدودة فقدت قوة دفعها بدرجة كبيرة.

وقال دبلوماسي غربي واصفا نظام الحكم بأنه من القرن الثامن عشر ان الملك "عبد الله يدرك فعليا أن بلاده تخلفت. المناخ تحسن بعض الشيء والناس تتحدث عن أمور بطريقة لم تكن تحدث من قبل".

وأضاف "لكن أعضاء كبار في الاسرة الحاكمة يخشون من فقد قاعدة تأييدهم (بين رجال الدين)."

وضجت وسائل الاعلام بمناقشات الاصلاح التي قمعت في الاعوام الثلاثة الماضية بعد ان أزال رؤساء التحرير القلقون الاصوات المطالبة بالتحرر خوفا من اقلاق رجال الدين أثناء التحضير لحرب العراق عام 2003.

وكتب حسين شبكشي مقدم البرامج التلفزيونية الاصلاحي في صحيفة سعودية في الفترة الاخيرة يقول ان هناك صحوة سعودية الآن والسعوديون يكتشفون شعورا بالانتماء لدولة ولهوية لها حقوق كما عليها واجبات.

ويشير المراقبون إلى تحول سلوكي على مر الاجيال. وقال سلطان وهو صحفي (30 عاما) لرويترز "اشعر بتفاؤل الآن تجاه المستقبل. الاقتصاد من المقرر ان ينمو بشكل لم يسبق له مثيل والناس سعداء بالملك. هناك قدر من حرية التعبير والصحف أصبحت أكثر جرأة."

وقال فيصل (37 عاما) وهو موظف حكومي "كل شيء تغير منذ تولي الملك الجديد السلطة. الملك لا يعارض الانفتاح لكننا مجتمع منغلق بشكل عام لذلك يجب ان نتقدم ببطء".

وأضاف "السياسة الدينية خفت بعض الشيء في الاشهر السبعة الماضية. من قبل إذا كنت رجلا ما كان يمكنك اطالة شعرك والان أصبحنا نرى الكثيرين من حولنا يفعلون ذلك."

وقال حسن بن عيسى الملا رئيس لجنة المحامين بغرفة الرياض ان هناك خطوات جارية ليكون بالمملكة نقابة محامين مستقلة يمكنها الحد من النفوذ السياسي وتؤدي الى تنظيم القضاء.

وأضاف أنه ليس هناك في الوقت الراهن أسس لاستئناف حكم اصدرته المحكمة العليا دون تنظيم القوانين خاصة فيما يتعلق بالقوانين المدنية والجنائية والاحوال الشخصية.

ومن المتوقع ان يفتح انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر كانون الاول الماضي الاقتصاد المزدهر على العالم الخارجي على الرغم من مخاوف رجال الدين من عواقب ذلك. وتريد الحكومة تشجيع الاستثمار الاجنبي لتنويع مصادر الدخل في الاقتصاد المعتمد على النفط.

وقال مصرفي امريكي "هناك رغبة في فتح الاسواق أمام المستثمرين الاجانب... ومنذ وصولك الى المطار يبدو واضحا أن هناك اتفاقا على عدم مضايقة الغربيين."

وأثارت الروائية السعودية الشابة رجاء الصانع جدلا كبيرا في الفترة الاخيرة بروايتها (بنات الرياض) حول المباديء الاخلاقية السعودية المتشددة فكشفت الرواية حقل الغام من القواعد الدينية المتعلقة بالجنس والزواج والتمييز الطبقي الذي يحرم العديد من النساء من السعادة.

ويطالب المجتمع السعودي المرأة أن تكون مغطاة تماما وبرفقة قريب ذكر في الاماكن العامة. والاختلاط بين الرجال والنساء غير المتزوجين ممنوع في السعودية وتمنع النساء من قيادة السيارات.

وقال الكاتب تركي الحمد انه يتعين الحديث في مثل هذه الامور فالمبالغة في الانعزال ليس أمرا طبيعيا وعاجلا أو اجلا ستنهار العزلة من تلقاء نفسها. وتابع انها بدأت تنكسر بالفعل وهذه الرواية وغيرها دليل على ذلك.

وكشف وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي الدكتور صالح بن عبد العزيز آل الشيخ عن وجود حملة دينية سعودية يقوم بها عدد من رجال الدين تمكنوا من إقناع 100 متشدد بالعدول عن أفكارهم.

وقال ال الشيخ أن الوزارة قد كلفت عددا من الدعاة لتصويب الامور الدينية «حيث يوجد على موقع (حملة السكينة) 12 داعيا من الوزارة حاوروا العديد ممن كانوا يحملون بعض الأفكار المغالية فأعلن 100 فرد منهم عن تراجعهم الصريح حتى أن بعضهم قد زار الوزارة والتقى مسؤوليها».

وأشار الدكتور صالح بن عبد العزيز آل الشيخ إلى أن «دعاة الوزارة يشاركون العلماء جهدهم فى مناصحة الموقوفين على ذمة قضايا الإرهاب وتولوا الرد على 1800 شبهة من قبل أرباب الفكر المنحرف».

وقال محللون ان السعودية نجحت حتى الان في تحجيم تنظيم القاعدة لكن الفكر المتطرف والتوترات الاقليمية والحكم الاوتوقراطي قد يجعل العنف الاسلامي واقعا لاعوام قادمة، وشن متشددون يعلنون ولاءهم لتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن حملة في عام 2003 للاطاحة بالحكام.

لكن التمرد المحدود الذي شمل هجمات على مجمعات لسكن الاجانب ومؤسسات حكومية فقد قوة دفعه خلال العام الماضي.

وقال نواف عبيد المستشار الامني السعودي «من الناحية الفعلية فان البنية الاساسية دمرت بدرجة كبيرة لكن المعركة الان تدور على الجبهة الفكرية، وهذه مازالت مشكلة كبيرة». وقال وزير الخارجية الامير سعود الفيصل هذا الشهر ان نحو 144 من الاجانب والسعوديين من بينهم أفراد من قوات الامن ونحو 120 متشددا قتلوا في 25 واقعة منذ عام .2003

ويقول المحللون انه على الرغم من أن المؤسسة الدينية القوية انضمت للحرب الدعائية التي تشنها الحكومة الا ان المذهب الوهابي الاصولي مازال قادرا على تغذية التشدد على مدى سنوات مقبلة.

وقال فارس بن حزام الباحث المستقل المختص بتنظيم القاعدة مشيرا الى مواقع وتعليقات على الانترنت «الحكومة تقول ان هذا الامر يحتاج لوقت لكني لم أر شيئا يتغير حتى الان.المشكلة ليست في داخل المدارس بل فيما هو خارجها».

وقال ان الوضع الاقليمي يمكن ان يغذي العنف كذلك.فالقوات الامريكية لا تزال في العراق بعد ان قادت الحرب عام 2003 وواشنطن ينظر اليها على نطاق واسع في العالم العربي باعتبارها مساندا لاسرائيل دون قيد أو شرط.ويتهم الاسلاميون وغيرهم من جماعات المعارضة في العالم العربي الحكومات بعدم القيام بما يكفي للتصدي للغرب.

وقال ابن حزام مشيرا الى أن المتشددين الذين قتلوا في اشتباكات جاءوا من طبقات اجتماعية مختلفة «الوضع الدولي يعطي هؤلاء الناس (المتشددين) المبررات الكافية». وحذر مسؤولون سعوديون من خطر السعوديين العائدين من العراق المجاور حيث انضم الكثيرون للمقاتلين السنة ضد القوات الامريكية والحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والاكراد.وقال ابن حزام «امريكا احتلت العراق لذلك من السهل اقناع الناس بالجهاد هناك». وقدر عدد السعوديين الذين قاتلوا في العراق بين عامي 2003 و2004 فقط بنحو 2500 مقاتل.

وينظر المذهب الوهابي للشيعة باعتبارهم روافض وكثيرا ما شكا الشيعة السعوديون من اضطهاد رسمي لهم.وقالت مي اليماني من المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن ان بعض مناطق المملكة مازالت تعاني من توزيع غير عادل للثروة مما قد يثير استياء من الحكومة يصب في مصلحة القاعدة.

ويرأس الملك عبد الله الذي دخل العقد الثامن من العمر وتولى العرش العام الماضي دولة تبلغ نسبة من تقل اعمارهم عن 18 عاما 60% من عدد سكانها.ويحث رجال الدين الموالون للعائلة الحاكمة الحكام على مقاومة الاصلاح السياسي الذي يدعو له الليبراليون.

وقالت اليماني «انها المشكلة طويلة الامد التي يتعين عليهم حلها...الاصلاح الحقيقي والقضاء على التمييز والبطالة». وتحكم أسرة آل سعود البلاد منذ تأسيسها في عام 1932 كملكية مطلقة حيث عوض نظام الرعاية الاجتماعية السخي الافتقار للمشاركة السياسية، كما انهم يستخدمون المذهب الوهابي المتشدد للحفاظ على تماسك البلاد.

وقالت اليماني ان ارتفاع أسعار النفط العالمية الذي يملأ خزائن المملكة في الوقت الراهن سيشجع الحكومة على تأجيل الاصلاحات السياسية المؤلمة والاعتماد فقط على الاجراءات الامنية المشددة، وتابعت «أموال النفط جاءت لانقاذ الموقف، فقد رفعوا الاجور وشعر الكثيرون بالسعادة وانشغلوا بجمع المال، لكن هذا الحل يبقي على النظام الابوي القديم».

ويقول المحللون انه على الرغم من ان المؤسسة الدينية القوية انضمت للحرب الدعائية التي تشنها الحكومة فإن الاصولية مازالت قادرة على تغذية التشدد على مدى سنوات مقبلة.

وذكرت مي اليماني من المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن ان بعض مناطق المملكة مازالت تعاني من توزيع غير عادل للثروة مما قد يثير استياء من الحكومة يصب في مصلحة القاعدة.

وقالت اليماني «انها المشكلة طويلة الامد التي يتعين عليهم حلها، الاصلاح الحقيقي والقضاء على التمييز والبطالة».

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة  3  /شباط /2006 - 4/محرم الحرام/1427