الاعتداء على شخصية الرسول الكريم لم يأت اعتباطا ومن شجع على ذلك هم الإرهابيون

وداد فاخر*

 ما قام به رسام الكاريكاتير الدنماركي وأعادت نشره الصحيفة الدنماركية Jylland – Posten من تجاوز على شخصية الرسول الكريم محمد لم يأت اعتباطا، ولا ابن ساعته فقد كانت هناك أسباب وعوامل عديدة مهدت وساعدت ولا زالت تساعد على تشويه سمعة الدين الإسلامي وترسم له صورة إرهابية مشوهة بديلا عن مفاهيمه ومبادئه الحقيقية السامية التي جاء من اجلها. فقد بدأت تظهر مفاهيم جديدة لا علاقة لها بالإسلام الصحيح،  ومنذ ظهور ما يسمى بجماعات التكفير والهجرة الوليد الشرعي لتنظيم الإخوان المسلمين، ومن بعد ذلك تنظيم الجهاد وسلسلة التنظيمات الإرهابية التي شوهت قيم وتعاليم الدين الإسلامي حتى ظهور منظمة القاعدة الإرهابية في أفغانستان.

 واستطاعت ممارسات قوى الإرهاب السلفي - التكفيري تشويه سمعة الإسلام والتغطية التامة على مفهوم رسول رب العالمين الذي قال (جئت من اجل مكارم الأخلاق)، وتحويل هذا المفهوم إلى المناداة بتطبيق آية السيف التي اختلف حتى المفسرون منذ صدر الإسلام حتى يومنا الحاضر في تشخيصها. فقد قال بعضهم هي الآية 5 من سورة التوبة، أو كما تسمى بسورة براءة، وهي السورة القرآنية الوحيدة التي نزلت بدون البسملة وتقول (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد). بينما يقول آخرون إنها الآية 36 من سورة التوبة (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)، وهناك أكثر من آية أخرى يظن إنها هي آية السيف التي يتمسك بها سلفيو العصر الحديث وتجار الموت من التكفيريين الذين يستخدمون الدين سلاحا لإشاعة الإرهاب وتشويه مفهومه الحقيقي في العفو والتسامح بحجة إن آية السيف قد نسخت ما عداها من آيات التسامح. وهي في منطوقها كأمر منزل لا جدال في مخالفتها كما يفسرها مستخدموها من اجل إشاعة ثقافة الموت الجديدة التي يلصقونها عمدا بالإسلام. ويقول البعض إن مثلها كمثل (كتب عليكم الصيام) ورديفها (كتب عليكم القتال). بينما يعترض البعض بكون القرآن كما قيل (حمال أوجه) عملا بقول الرسول الكريم (القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه)، وما قاله بعد ذلك إمام المتقين علي عند جداله مع الخوارج الذين رفعوا شعار (لا حكم إلا لله) يوم رفع جيش معاوية بن أبي سفيان في معركة صفين المصاحف (لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون).

إذن فنحن أمام جدلية جديدة خلقت واقعا مأساويا غريبا على المجتمع الإسلامي الذي ابتدأ بقوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) – الإسراء الآية 9 –، أو كما جاء في سورة النحل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) – الآية 125 – وفي تحول مفاجيء من (ولا تكن فظا غليظ القلب) إلى الدعوة العلنية لـ (غزو الكفار في عقر دارهم) كما ينادي بذلك القادة التكفيريين في العصر الراهن أسامة بن لادن وايمن الظواهري.

وعودة لقضية رسام الكاريكاتير الدنماركي والجريدة الدنماركية التي أعادت نشر الصور نرى إن هناك عامل أساسي رسخ مفاهيم وقيم غريبة على الإسلام ورسم له صورة أخرى هي صورة الإرهابي الذي يرونه أصلا بشكل لحية وعمامة بن لادن والظواهري، التي يتجاوزون بها على الإسلام ويشوهونه أمام أعين العالم الغربي الذي يعتبر عالم متلقي وليس باحثا عن الأصول والمفاهيم. لأن ما تلقاه إعلاميا كان فقط صورة بن لادن، أو الظواهري التي تهدد بالموت والفناء، وشاهد علانية وبالصورة الحية أفلام ذبح أبرياء بالسيف وبصورة لا إنسانية بشعة أمام عدسات الكاميرا لرجال ونساء لا ذنب لهم مطلقا سوى إنهم مواطنون من بلد يناصبه التكفيريين العداء. كذلك نقل غلاة التكفيريين كل ممارساتهم وتفكيرهم الخاطيء حول الدعوة الإسلامية للغرب الذي عملوا المستحيل للجوء فيه هربا من طغيان حكامهم المسلمين، وأجهدوا أنفسهم في الحصول على كل الامتيازات والأموال من دول الغرب (الكافر) بنظرهم. ولا زال دعائهم على الدوام في صلوات الجمعة وعلى التراب الذين يعيشون عليه في دول الغرب (اللهم اخسف بهم الأرض، واقطع عنهم قطر السما)، فماذا هم، واقصد هنا المواطنون الغربيين فاعلون في مثل حالة تصرفات ودعاء التكفيريين سوى القيام بردة فعل معاكسة تماما لفعل وتصرف التكفيريين، إن كان في بلدانهم، أو في البلدان الإسلامية حيث يجري قطع رقاب الأبرياء بحد السيف الظالم ؟؟!!.

فإذا كنا منصفين علينا أولا وقبل أن نرفع أصواتنا بالاستنكار ورفع شعارات ثورية بالمقاطعة وغيرها أن نرفع أصواتنا ضد من يشوه الإسلام ويعكس صورته الحقيقية، وهل هناك من وقف بصورة صحيحة وعادلة وإنسانية ضد ممارسة الإرهاب والإرهابيين في العراق وأفغانستان من السياسيين والمثقفين والكتاب وجمعيات النفع العام ومنظمات المجتمع المدني في طول العالمين العربي والإسلامي ؟؟!!. ولماذا لا زالت هناك شخصيات تدافع عن الإرهاب والدكتاتوريين القتلة أمثال عبد الباري عطوان ومحمد المسفر وشلة الخصاونة الأردنيين، وتابعهم القطري نجيب النعيمي (قفه) ؟؟!!.

إذن فالتقصير الحقيقي هو منا نحن كعرب ومسلمين عندما يقف بعضنا مع الإرهاب والإرهابيين ويسمي ذبح الأبرياء (مقاومة)، خاصة ممن يقف على تراب الغرب (الكافر) ويجمع الأدوية والمعدات الطبية، والأموال ويجند الإرهابيين باسم (المقاومة).

وفي الأخير دعوني أسالكم جميعا ودون أي إثارة للمشاعر، أو الإيحاء النفسي من هو المسبب الأساسي في الإساءة لرسول رب العالمين ؟!، ومن حرك مشاعر الرسام الدنماركي العدائية للإسلام ولرسوله الكريم، أليس ذلك المختفي بلحته غير المهذبة وشكله البدائي والمختفي دائما أما بين فقراء الناس من المواطنين الباكستانيين في وزيرستان، أو ذاك الذي يجعل الأطفال والنساء والشيوخ دروعا بشريه لحمايته من القصف المطارد له في غرب العراق كالزرقاوي ؟؟!!. وأخيرا قيل في الأمثال (قل الحق ولو على نفسك).

آخر المطاف : حجة البعض من القتلة وسفاكي الدماء التكفيريين في عدوانهم الأخير الغاشم على الكنائس المسيحية العراقية في بغداد وكركوك نشر صور الرسول الكريم المشوهة في الصحيفة الدنماركية، وهو (عذر أقبح من فعل) كما يقال، وقصة صلاة الإمام علي في إحدى المعارك في خربة أتضح بعد ذلك إنها آثار كنيسة مدروسة، عندما قال ردا على احدهم بأنها كنيسة (لطالما ’عبدَ الله فيها). والعدوان على الكنائس العراقية كان عدوانا على مواطنين عراقيين آمنين جاؤوا في يوم صلاتهم وعبادتهم لتقديم فروض الطاعة لبارئهم. ترى من هو رب التكفيريين إذن ؟؟!!.

     *  كاتب عراقي / فيينا - النمسا

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 2  /شباط /2006 - 3/محرم الحرام/1427