عاشوراء في كربلاء: استعدادات رسمية وأهلية لإحياء المناسبة واستقبال الزوار

تقرير: رشا ابراهيم

نعيش هذه الايام استعدادات متواصلة من قبل الهيئات الحسينية والاجهزة الحكومية لإستقبال أيام عاشوراء الخالدة وتهيئة المدينة لإستيعاب مئات الآلاف من زوار الامام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، فعلى الصعيد الأهلي هناك مساعٍ حثيثة لإحياء هذه الذكرى الخالدة في نفوس المسلمين والشيعة منهم على وجه الخصوص حيث بدأت تنتشر التكايا في أزقة وشوارع وأحياء محافظة كربلاء المقدسة وهي من العلامات المهمة التي تميز هذه المدينة عن غيرها في مثل هذه الايام من كل عام.

وفي جولة نهارية في قلب المدينة( شوارعها الرئيسة/ شارع قبلة الحسين وشارع العباس وساحة الحرمين) استطعنا ان نرصد علامات واضحة تؤشر استعداد الأهالي لهذه المناسبة وتعطي للرائي صورة واضحة عن اهتمام الناس بالشعائر الحسينية التي مارسها المسلمون الشيعة منذ مئات السنين إحياءً لذكرى استشهاد الامام الحسين(ع)  وذويه وصحبه الذين قدموا أرواحهم قرابين على مذبح الحرية، وقد تنوعت هذه الاستعدادات التي منعها النظام السابق مما دفع بأهالي كربلاء لإقامة هذه الشعائر في الخفاء بعيدا عن عيون البصاصين الذين كانوا يحسبون على الناس حتى أنفاسهم.

 ومن هذه الاستعدادات بناء التكايا ونصب السرادق( الجوادر) الحسينية لإستقبال الزوار  وتهيئة أحواض ماء الشرب الصالح وتحضير أدوات الطبخ مبكرا من اجل تقديم كافة الخدمات للزوار الكرام، وفي هذه الجولة الكربلائية (العاشورائية) اذا جاز القول التقينا بعدد من المواطنين والموظفين الرسميين ممن يهمهم الامر واستطلعنا آراءهم وتحضيراتهم لهذه المناسبة الخالدة في ضمائرنا.

أول المتحدثين لنا هو المواطن( الشاعر الحسيني عودة ضاحي) وعن رؤيته لهذه المناسبة واستعداداته لأيام عاشوراء قال:

في مثل هذا اليوم من كل عام تتحول ارض كربلاء الى اجواء خاصة تعيدنا الى ايام الملحمة الحسينية الخالدة في ضمائرنا، وأنا شخصيا أفتخر بكوني أحد خدام الامام الحسين (ع) في كتابة القصائد الحسينية واحياء شعائرها وكنت ومازلت أقيم في بيتي في الثالث عشر محرم من كل عام إستذكارا لاستشهاد الامام الحسين وآله وصحبه (ع) يشارك فيه عدد من ادباء ومثقفي كربلاء، وكنا نقيم هذا الاستذكار الحسيني سرا إبان النظام السابق ونقرأ القصائد الحسينية التي تمجد الشهداء وتدين الطاغية وغالبا ما كنا نسبق القراءات بتناول وجبة طيبة من( التمن والقيمة) التي تعد واحدة من أشهر التقاليد المتعارف عليها بين الكربلائيين، والحمد لله الذي جعلنا اليوم نقيم شعائرنا من دون مراقبة او خوف بعد ان أزاح عز وجل غمة الدكتاتورية عن صدورنا وتفضل علينا بنعمة الحرية التي نتنعم بها في اداء شعائرنا الحسينية بعيدا عن عيون المتلصصين من وكلاء النظام السابق، وأتمنى لجميع زوار الحسين ع واهالي كربلاء ان ينعموا بهذه الذكرى الكبيرة في نفوسنا وفي تأريخنا على مدى العصور وادعوا الباري عز وجل ان يعيدها علينا بالسلامة واليمن والبركات.

وفي احد التكايا المشيدة حديثا وقد اصطفت الاعمدة الحديدية الى جانب بعضها وتم تحضير القماش الاسود الذي يسقفها ويسوّر أضلاعها، إلتقينا الحاج أبو مصطفى الذي كان يشرف على تشييد هذه التكية في شارع الامام الحسين (ع) وتحدث لنا قائلا:

في مثل هذه الايام من كل عام يبدأ أهالي كربلاء بتحضير مستلزمات ممارسة الشعائر الحسينية الخالدة، ونحن نقوم ببناء هذه التكايا تعبيرا عن نصرتنا لمبادئ الامام الحسين ع التي ضحى بنفسه وماله وآله وصحبه الاطهار من اجلها ومن اجل ان ينير طريق الحق للبشرية جمعاء.

·        وماهي مهمة هذه التكية؟

_ التكية مكان مقدس أمين يرحب بالزائرين للراحة وهي مظهر من مظاهر تأدية شعائرنا كما اننا نبقيها مفتوحة بأنوارها على مدار الساعة تعبيرا عن نصرتنا لأبي عبد الله (ع).

·        وهل كنتم تؤدون نفس هذه الشعائر سابقا؟

   _ أكثر من ثلاثين سنة يكتم نظام الطاغية على أنفاسنا وينشر وكلاءه بيننا ويراقبون كل ما نقوم به حتى اضطرنا الحال الى ممارسة شعائرنا سرا وفي بيوتات مخفية عن انظار الظالمين، ونحمد الله تعالى على نعمته التي أغدقها علينا بعد الخلاص من الطاغية، فنحن اليوم نؤدي الشعائر الحسينية دون رقيب او خوف من أي كان.

وقد لاحظنا انتشار قوات الشرطة والحرس الوطني بصورة لافتة للإنتباه حيث أكدت الجهات الرسمية نشر أكثر من 8000 عنصر أمني من شرطة وحرس وطني في كربلاء وضواحيها لحماية أمن الزوار وتأمين اداء الزيارة لمراقد أئمتنا الاطهار ع في هذه الايام الخوالد، وقد حدثنا أحد رجال الحرس الوطني( أبو فاضل) قائلا:

من الواجب علينا في مثل هذه المناسبة ان نحتاط بشكل جيد لمن يحاول ان يخترق حرمة مدينتنا وأمننا من المخربين والارهابيين الذين لا يتورعون عن سفك دماء الابرياء، ولا نقوم بهذا العمل كوننا ضمن الواجب الوطني فقط بل يدفعنا واجب مضاف هو محبتنا لأمامنا سيد الشهداء أبي عبد الله ع ولأهلنا الذين حُرموا عقودا طويلة من ممارسة الشعائر الحسينية الخالدة.

وقال لنا أحد رجال الشرطة( حسنين عباس): انه يشعر بالسعادة لخدمة زوار الحسين (ع) واهالي كربلاء الكرام ولا يشعر بالتعب او الضجر جراء ذلك، ويضيف ان زوار الحسين ع أمانة في اعناقنا، خاصة وانهم لم يتمكنوا من اداء هذه الشعائر طيلة عقود مضت بسبب القيود القاهرة التي كانت تضعها السلطات الحكومية آنذاك، ويضيف حتما اننا نكسب أجرا في الدنيا وفي الآخرة انشاء الله جراء ما نقوم به لزوار الأئمة الاطهار.

وقد بدت شوارع المدينة نظيفة وخالية من بقايا القمامة وهناك جهد واضح يبذل من قبل المنظفين الذين يؤدون عملهم بشكل متواصل وحثيث للحفاظ على نظافة مدينتهم المقدسة وقد قال لنا عامل التنظيف( مهدي محمد)  من بلدية كربلاء:

أشعر من واجبي اداء عملي بصورة جيدة وصحيحة خاصة اننا نعيش أياما مهمة نستقبل فيها ذكرى عاشوراء واستشهاد سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين ع، فكل ما كانت مدينتا نظيفة كل ما كان هذا العمل في محله لأننا نخدم الحسين ع قبل كل شيء، ومن الواجب علينا خدمة الزوار بكل ما نستطيع، فالاجر على قدر المشقة.

والتقينا السيد على داود من مديرية ماء كربلاء وسألناه عن استعدادات المديرية في هذه المناسبة المباركة فقال:

إعتادت مديريتنا ان تتخذ التدابير اللازمة لتوفير الماء خاصة ان مئات الآلاف من الزوار من داخل وخارج العراق سوف يتوافدون على مدينتنا المقدسة لإداء زيارة مراقد أئمتنا الأطهار ع بمناسبة ذكرى ملحمة الطف الخالدة، ولن يتوانى منتسبوا مديريتنا عن خدمة زوار سيد الشهداء الامام الحسين ع ونحن قبل كل شيء من أهالي كربلاء المعروفين بالكرم والاخلاص لشعائرهم الحسينية التي تعيش في قلوهم وضمائرهم الى الأبد.

ختاما نقول ان كربلاء المقدسة تكون في مثل هذه الايام من كل عام بحركة دائبة ليل نهار وهي تتهيأ لإستقبال أيام عاشوراء وزوار المدينة الذين يتقاطرون عليها من كل انحاء العالم لتأدية شعائر الزيارة الحسينية لأبي عبد الله ع ولا يخفى على المتتبع مدى الجهد البشري المطلوب من قبل الرسميين والاهليين في كربلاء المقدسة لتسهيل هذه الزيارة وجعلها متاحة لكل أحباب الامام الحسين ع في أي مكان وزمان.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 30  /كانون الثاني/2006 - 29/ذي الحجة/1426