هل
تخيَّل الرجل في لحظة ما من لحظات رحلته الكونية غيابا كليا وأبديا
للكائن الحيوي الذي قاسمه الكوكب الأرضي المقفر منذ مطالع نشأته وتفانى
معه من أجل تطويع الأرض والتغلب على جبروتها وغوامضها وجعلها المكان
الأكثر ملائمة لأبداعه هو(أي الذكر) وتحقيق ذاته التي رامت في ما رامت
إليه مضاهاة الآلهة وقدراتها اللامحدودة ؟ هل تخيل الرجل قدومه وحيدا
لهذا الكوكب وبقاءه وحيدا فيه الى الأبد ؟ وهل تذكر الرجل وهو غائص حد
الغرق في المباهاة بنفسه وقدراته وإعجابه اللامحدود بذاته بأن ثمة
كائنا مذهلا شفافا قويا جميلا وذا إرادة جبارة هو المرأة التي رافقته
رحلة تذليل الصعاب والتأقلم المتدرج مع غياهب الأرض التي غدت الآن
مرتعا ملائما لبني الإنسان وغيرهم من الكائنات بعد رحلة من المصاعب
التي لايقدر آلامها وعذاباتها وتضحياتها إلاّ عالِم الغيب وحده ؟.
وإذا كان رجال الأرض غير متساوين في نظرتهم للمرأة وطريقة تعاملهم
معها وفي ماهية النظرة إليها وحفظ مكانتها واستحقاقاتها كاملة، فهل
تعامل الرجل العراقي معها بما تستحقه من حسن المعاملة ولطفها وهل حفظ
لها دورها في الحياة ومكانتها التي تستحقها فعلا بلا منَّةٍ أو تفضَّل؟
لقد عملت الممالك اليهودية على ترويض الكتاب المقدس كي يستجيب لرغبة
الرجل في التغييب الأبدي للأنثى وكذلك أقحمت التقاليد الرومانية
تصوراتها بهذا الشأن في العهد الجديد كما يقول أحد الكتاب المغاربة،
إذن فعملية إقصاء المرأة من لدن الرجل وشطب دورها وتحييد قدراتها في
الرحلة البشرية لحد التغييب الكلي ليست وليدة الراهن ولا تقتصر على
العربي او العراقي وحده غير اننا نتفق على ان تغييرات جذرية حدثت في
العديد من شعوب الأرض بهذا الخصوص وهذا ما يجدد جذوة الأمل في ان
العراقي هو الرجل الأقرب من غيره في إحقاق حق هذا الكائن الحيوي
المتدفق لاسيما ان العراقيين مقبلون على كتابة البنود التي تعطي لكل ذي
حق حقه وتحفظ لكل كائن مقامه الذي يليق به ، واذا اتفقنا على ان نسبة
النساء تفوق نسبة الرجال في العراق واذا اتفقنا ايضا على ان المرأة
العراقية تتسم بالحيوية والذكاء وتمتلك القدرة المناسبة لإظهار مهارات
عالية في تطوير الحياة فإننا نتوقع من كاتبي بنود الدستور
العراقي(نساءً ورجالا) وهم يشمرون عن سواعدهم وذاكراتهم الحية أن
يحفظوا لهذا الكائن الأرقى تضحياته عبر التأريخ الإنساني ومكانته ودوره
الحقيقي في الحياة وأن تسند نسوة البرلمان العراقي(نفسها)وتدرج البنود
التي تحجّم وتحد من سطوة الرجل عليها وأن يتخلى الرجل كليا عن مصادرة
آراء المرأة وتحديد أنشطتها الحياتية وحصرها في خانتي الممكن والمناسب
على وفق معايير ذرائعية أصدرها هو نفسه في اللحظة التي قرر فيها ان
يكون الكائن الأوحد في الكوكب الأرضي لاغيا بذلك كينونة المرأة وكيانها
متناسيا إنها تسكن أعماقه منذ الأزل وتلهبها شاء ذلك ام أبى،وأخيرا
هناك من يرى في المرأة العراقية كائنا حيويا عملاقا وان الحرية
الإنسانية هي الساحة الأنسب لدورها في الحياة ،تُرى ما الذي سيراه قلم
الرجل الذي سوف يكتب بنود الدستور العراقي الجديد في غضون الشهور
القادمة؟!!. |