من التاريخ: هزيمة روكفلر الإنـتـخابية ولأكثـر من مرة...لـمـاذا وكيف ! ؟

إعداد عفاف الصادق

 يقول هنري كيسنجر في مذكراته:

 (اني لواثق أن نلسون روكفلر سيصبح رئيساً كبيراً،اذا كانت لديه الشجاعة وبعد النظر، وهذه صفات أساسية لازمة لكل مرشّح للسلطة.. )

لكن الفوز في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية لـم يكتب لنلسون روكفلر(1)!!

منْ هو نلسون روكفلر ؟

هوسياسي أميركي.ينتمي الى عائله اشتهرت بالثراءالكبير.تولى عدة مناصب

حكومية هامة مثل وزير الخارجية(1940-1944) ومستشار لرئيس الجمهورية(1954-1955) قبل أن يصبح حاكما لولاية نيويورك1958، واعيد انتخابه لهذا المنصب عدة مرات.

روكفلر لم يهزم مرة واحدة، بل مرتين، مرة عام 1960، وأخرى عام 1968.

حاول عام 1960 الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة الأميريكية ألا أنه فشل وتكرر فشله في الدورات التالية.

لـماذا الهزيمة ومرتين ؟

بالرغم من کون نلسون روکفلر، وبحسب شهادة كيسنجر:

كان سياسيا حافظ على مبدئه من حيث ايمان لايتزعزع.

كان ذا قدرة كبيرة على التفكير، بل وصرف ثروته محاولاً معرفة ما يحسن عمله.

كان يقضي وقتاًغيرمحدود لتهيئة خطاباته.

 كان نشيطاً بلا حدود. تفكيره واقعي وتفاؤله دائم.

كان يصرف مبالغ جنونية لحملاته السياسية.

وكانت حملاته الإنتخابية تتركّز على فكرة:

ربح منتدبين في الدوائرالإنتخابية

وتقديم برامج جوهرية حقّا

هل هزيمته تعود الى:

عدم تنويعه لبرامجه، او لرفضه التزلّف المهين تجاه مندوبي الدوائر الانتخابية، أو لغفلته عن أن الفوز يرتكز على شخصية المرشح أكثر من برنامجه السياسي، أو لتأكيده وفقط على القضايا السياسية الأساسية، اولأن روكفلر لم يكن سوى هاو اناني لايترفع عن هدم ما لايمكن الاستيلاء عليه كما كان نيكسون يعتقد، او لأنه لم يملك تلك المواهب الخلاّقة، التي تمنحه القدرة على اصدار بيانات سياسية تقتضيها الحال لتحويل الأمور الصعبة لصالحه، حيث ينتهي الى الإجماع عليه،جاعلاً البرنامج عرضاً يتطلبه الرأي العام.

 لقد انهار الصحفي الذي قام بتغطية حملة روكفلر الانتخابية معلنا:

هذا آخر رجل سياسي ارتبط به، أحد رجالنا ممن كان يمكنه أن يصبح أحد أكابر الرؤساء قد شاهد بأم عينه اندثار هذا الأمل الى الأبد. وبالنسبة لأصدقائه كان ذلك شاقاً عليهم بمقدار معرفتهم انه لولا أخطاؤه التكتيكية ومماطلاته لاستطاع الفوز بالرئاسة.

فكيف أصبح ريتشارد نيكسون الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية؟

ماهي الأخطاء التكتيكية والإستراتيجية لنلسون روكفلر ومماطلاته التي كتبت عليه الخسارة ؟

لنرى السرّ في ذلك وبحسب رواية وتحليل كيسنجر الذي يقول في مذكراته:

- كنت قد درّست أكثرمن عشر سنوات في هارفرد،حيث كان يطيب على الأقل للأساتذة لصق إعلانات احتقا رشديد لريتشارد نكسون،أضف الى ذلك فأن الرجل ذا النفوذ الكبير في حياتي كان سياسياً هزمه نكسون مرتين في حلبة الترشيح للرئاسة وهو نلسون روكفلر.

- كان نلسون روكفلر في حينه معاوناً خاصاً للرئيس ايزنهور لقضايا الأمن القومي وقد أدخلني عام 1955في دائرة الأعمال السياسية العليا. وكان قد طلب من زمرة من جامعين كنت أحدهم،تقديم تقرير للرئيس حول موضوع سياسي بنّاء،لمعرفة كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرةعلى أخذ المبادهة في الأمر الدولية،على المدى الطويل،وتبيان الأسباب بوضوح.

أفادني هذا اللقاء كثيراً،إذ كان روكفلر مبتسماً.......جلس روكفلر،ثملاً بعظمة الإقتدار – وأتمكن من القول أيضاً سعة الثراء- جهد كل منا لاستمالته بحقيقة موقفه،فأبدى الأساتذة كل بدوره اقتراحات تنظيمية حول كيفية معالجة الأمم،بل القائمين على تسيير أمورها،وكيفية التدبير مع رئيس مجهول أو(وهذه المشكلة الدائمة لمستشاري القضايا الأمنية) التغلّب على وزير الخارجية غير معروف كثيراً. بعد الإنتهاء من تقديم عروضنا،كفّ روكفلر عن الإبتسام وظهرت على عينه نظرة مغشّاة سأكشفها مستقبلاً والتي تعني وجوب البدء بالأشياء الهامة. فأعلن:

أيها السادة،لم أكن أدعكم إلى هنا لتبينّوا لي ما يجب عمله أوما لايجب عمله. عند التوصل إلى إقناعي،سأفضي بذلك للرئيس، وإذا لم أتمكّن من إقناعه بمقترحاتكم سأتقدّم باستقالتي.

- بين جميع منْ عرفت من رجال سياسيين،روكفلرهوالوحيد الذي حافظ على مبدئه من حيث ايمان لايتزعزع،وأتمكّن من القول،وقدرته على التفكير. صرف ثروته محاولاً معرفة ما يحسن عمله. حملاته الإنتخابية الوطنية، كانت تتركّز على فكرة: ربح منتدبين في الدوائر الإنتخابية،وكان يجب تقديم برامج جوهرية حقّا،قاضياً وقتاًغيرمحدود لتهيئة خطاباته. وبالرغم من عدم امتثاليته الظاهرية،فقد كان نشيطاً بلا حدود. تفكيره واقعي وتفاؤله دائم من عنصريته كأمريكي: تجمعّت الموانع للتغلّب عليها. وكان يرى المشاكل ككثير من الأسباب الواجب اجتيازها: فليس هناك ظلم لايمكن اصلاحه وتسويته ولا غاية مثلى لايمكن الوصول اليها. وبالنسبة للأمم الاخرى فإن الطوبى تختصّ بالماضي- ماضٍ مقدس لن يعود أبداً- أما بالنسبة للأمريكيين فأن الطوبى تعطي مقياس القوة التي بموجبها يسيرون.

- اني لواثق أن نلسون روكفلر سيصبح رئيساً كبيراً،اذا كانت لديه الشجاعة وبعد النظر، وهذه صفات أساسية لازمة لكل مرشّح للسلطة،لكنه حال وصوله إلى غايته عام 1960ثم عام 1968 أبدى تردداً غريباً لم يكن متطبّعاً عليه. وفي سبيل تصرفاته الخاصة كان يتمسك برأيه ويظهر رباطة جأش وعناد لايقدّر.

- تألم نلسون روكفلر،في الواقع،وبكل مالهذه الكلمة من معنى،من تسابق الرجال الأغنياء في الإثراء في مجتمع يدّعي نصرة المساواة. كل تفكيره يرمز الى ابطال هذا الإلتباس الأساسي في القانون ليتأكد انه واصل الى منصبه بصفاته الخاصة لابثروته،وبجهوده الخاصة لابمولده......في الولايات المتحدة،فان ورثة العائلات الكبيرة،هم في خوف دائم من الاعتراض عليهم،انهم لايصلون الى السلطة إلاّ بمالهم. فهم اذاً ملزمون بالتفكير بواجب الحصول على مناصبهم باستحقاقهم الشخصي فقط. لكن كما أن المرأة ذاتها لاتتأكد أن تكون مرغوبة لذاتها-لأن ذاتها ملازمة لجمالها- فالأمريكي الغني لايثق بما أوصله الى السلطة. وبقليل من الحظ، سوف يعلم خلال وقت قصير،ان هذا غير مهم وانه سيحكم عليه في وظائفه العليا السياسية من خلال نجاحاته واعماله، وليس لثروته والأسباب التي ساعدته على الصعود. أن التاريخ لايحفل بامتيازات البداية لكن بحقيقة الأعمال المكملة.

- كان نلسون روكفلر يصرف مبالغ جنونية لحملاته السياسية،لكنه في الوقت نفسه كان بحاجة تجاه نفسه لتعديل طموحه بتنويع برامجه، حتى انه كان يرفض بعمق تحقيق حلمه بتزلّف مهين تجاه مندوبي الدوائر الانتخابية. ليس هكذا تكون السياسة الحقيقية لدينا. إذ انها ترتكز على شخصية المرشح أكثر من برنامجه السياسي.

- أخفق روكفلر خلال ثلاثة مؤتمرات حزبية من التمكن من إدخال اتجاهات سياسية حزبية حسب رغبته،بادئاً برنامجه بالتعاليم الحقيقية للتاريخ السياسي الأمريكي. علماًان توجيهات حزب ما لاتتجاوز الفترة العصيبة، التي ينتخب فيها المندوبون المجتمعون مرشحهم للرئاسة. وسريعاً ما يُمحى كل شيء بعد ذلك من فكر الجماهير.

- كان اسلوب ريتشارد نكسون مخالفاً،ففي أمريكا المعاصرة تتجه السلطة أكثر فأكثر نحو الذين يناضلون للحصول عليها بنوع شبه استحواذي. فالذي لايجنّد كل قواه في سباق تسمية المرشحين للرئاسة، سواء بالخوف أو بالاحتقار،سوف يكون واهماً مهما كانت صفاته.

9- أما مندوبو الدوائر الإنتخابية فهم يعرفون مجد الطيش الزائل: فهم يكرمون طيلة أيام وأسابيع،ويتزّلف لهم،ويحتك بهم،ويملّقون،ويسعى لارضائهم،ويتابعون باستمرار. وما يكادون يدلون بأصواتهم حتى انهم يقعون في النسيان لذلك فهم حسّاسون خصوصاً بأوضاع المرشحين الذين يسعون لنيل عطفهم ورعايتهم.

- ربما أن المؤهلات المطلوبة ليحق للفرد أن يعين كمرشح لرئاسة الولايات المتحدة من قبل مؤسسة ما مؤقتة،لاعلاقة لها بالمؤهلات المطلوبة لادارة دفّة الحكم. كما أن الالية الانتخابية تتطلب من المرشحين جهودا مكثفة أكثر فأكثر لدى كل انتخاب ومن الممكن أيضاً أن يكون انسجام أقل.

سباق التولية يحبّذ مرشحاً يملك مواهب خلاّقة،قديراًعلى اصدار بيانات سياسية تقتضيها الحال،سيد أمره،متمكناً من تحويل الأمور الصعبة لصالحه، حيث ينتهي الى الإجماع عليه،جاعلاً من برنامجه المستقبلي عرضاً يتطلبه الرأي العام،رجلاً قادراً على فهم تعقيدات الإدارة الرئاسية. ورجل مثل نكسون سوف ينتصر بكل تأكيد على مرشح لايهتم إلا بالقضايا السياسية الأساسية.

- ان مجابهة روكفلر الشديدة لنكسون كانت تقوم على عدّة أسباب من بينها كرهه المتميّزللتلاعب في الانتخابات- عنصر الاستراتيجية الرئاسية الامريكية الحديثة- الذي أصبح متفوقاًجدّاً. أضف الى ذلك فأن المنافسة بين روكفلر ونكسون لم تكن لتخلومن نفور شخصي يفوق الذي يورثه النزاع على الرئاسة العليا. بالنسبة لنكسون فان روكفلر لم يكن سوى هاواناني لايترفع عن هدم ما لايمكن الاستيلاء عليه. فمثل فئة عاملة بتسامح طيلة منصبه السياسي. أما روكفلر فكان يرى في نكسون رجلا غير مبالٍ عارياً عن المثالية  ووجهات النظر الصحيحة اللازمة لخلق مصيربلد.

- وفي العام 1968 بالرغم من انني لم أتردد على نكسون بكثرة لأتمكن من تبرير حكمي فقد كنت أشارك روكفلر الرأي في مجمل الأشياء، وشق النفس حضرت المؤتمر الصحفي المقتضب الذي اضطر روكفلر مرغماً على الاعتراف بالهزيمة من قبل نكسون. شعرت فعلا بشعور ذلك الصحفي نفسه الذي قام بتغطية حملة روكفلر الانتخابية والذي انهار معلنا:

(هذا آخر رجل سياسي ارتبط به السياسيون كالكلاب،أملهم في الحياة قصير جداً وارتباط المرء بهم يعود عليه بالسوء). أحد رجالنا ممن كان يمكنه أن يصبح أحد أكابر الرؤساء قد شاهد بأم عينه اندثار هذا الأمل الى الأبد. وبالنسبة لأصدقائه كان ذلك شاقاً عليهم بمقدار معرفتهم انه لولا أخطاؤه التكتيكية ومماطلاته لاستطاع الفوز بالرئاسة (2).


(1) سياسي أميركي. ينتمي الى عائله اشتهرت بالثراءالكبير. تولى عدة مناصب

حكومية هامة مثل وزير الخارجية(1940-1944) ومستشار لرئيس الجمهورية(1954-1955) قبل أن يصبح حاكما لولاية نيويورك 1958 واعيد انتخابه لهذا المنصب عدة مرات.

 حاول عام 1960 الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة الأميريكية ألا أنه فشل وتكرر فشله في الدورات التالية.اختاره الرئيس فورد لنيابة الرئاسه الأميريكية عندما تولى الرئاسة بعد تنحيه الرئيس نيكسون على أثر فضيحة ووترغيت.معروف بميوله اللبرالية وهوالذي رشح كيسينجر للمناصب الحكومية العليا ابان ولاية نيكسون. ( موسوعة السياسة – المؤلف الرئيسي ورئيس التحرير: د. عبد الوهاب الكيالي - الجزء الثاني – الطبعة الأولى – 1981-المؤسسة العربية للدراسات والنشر)  

(2) بإيجاز من كتاب: مذكرات كيسنجرفي البيت الأبيض 1968 – 1973 -المجلد الأول – ترجمة خليل فريجات ص(14- 20)- الطبعة الخامسة – 1999 – دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر

معهدالإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

Siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 23 /كانون الثاني/2006 - 22/ذي الحجة/1426