كتب بسام محمد حسين:
العنف ضد الأطفال من أكثر الموضوعات التي تشغل اهتمامات المؤسسات
الإنسانية؟ وهي بحق من أهم استحقاقات المستقبل إذ يتوقف المعالجة
الجذرية للعنف ضد الأطفال خاصة والعنف المجتمعي عامة، فالعنف يحصد
ملايين الموتى وملايين المشوهين جسدياً وأكثر بكثير من ضحايا العنف
النفسي والذهني والروحي؟ إذ أن هذا الموضوع معمم بدرجات مختلفة فالعنف
الحاصل لا يقتصر تأثيره مباشرة على الضحية بل على الذاكرة الإنسانية
التي لم تنفع معها كل الحياة فبقي هذا الموضوع ضمن المعالجة الجزئية
وفي أحسن الأحوال نوايا حسنة لهذه الجهة أو تلك أو موقف لهذه المنظمة
التي تبرر نشاطها متضمنة التذكير بالعنف وآثاره ونتائجه دون التوقف
العلمي الأكاديمي البحثي عن جذور العنف الحاصل، لقد زرت بيروت عاصمة
الثقافة والعلم والأدب وحضرت مؤتمرات ثقافية وسياسية ولقاءات متعددة مع
أقطاب الكتل الحزبية، إلا أنني عدت إلى بلدي وأنا أحاول أن افكك عبارة
مكتوبة على حائط وأجزم أن هذه العبارة لطفل مضطهد معذب، تقول أن حق
أطفالنا أن يخطئوا متذكراً قولاً مأثوراً: تعلموا من أطفالكم وعلموهم؟!!
إن أطفالنا أكبادنا التي تمشي على الأرض مهددون بأكثر أعمال العنف
وحشية – الحروب والنزاعات – الضرب – الإهانة – غياب الضروريات الحد
الأدنى للغذاء، الأعمال الشاقة والمرهقة، تغذية الروح العنفية ودور
الإعلام في توطينها في عقل الطفل من خلال التقليد والمحاكات عند
الكبار... إن عالم الطفل يوماً بعد يوم مهدد بالزوال والاختفاء وفق
مصالح وأهداف لا تؤسس لعلاقات إنسانية تتصف بالعدل والمساواة، وتغيب عن
مسارها كل الفلسفات والنظريات والآراء والديانات التي تدعو وتكرر
دعواتها من أجل طفولة سعيدة مبدعة، لا استغلال بكل أنواعه وأشكاله
لعالم الطفولة، ولنتذكر دائماً أن الطفولة التي تنحو في مجتمع متعافي
وصحي تحترم فيه واجباتنا اتجاه أطفالنا وتدعم فيه حقوق الطفل فعلياً،
وحتى أن تصبح كل تصرف أو عمل يسيء إلى الطفولة أبسطها يدعو للخجل،
ترتسم عالم الغد، والذي نحن الكبار كلاً منا بطاقاته وقدراته ومواقفه
من هذه الكارثة التي تحدق بعالم البشرية، إن التربية والتعليم والأجواء
التي تضع عالم الطفولة الصحيحة تحتاج كذلك لمناخات بيئية نظيفة، ولروح
تتصف بالحنان والرقة والمعاملة الحسنة لقوانين صارمة لكل تعدي على عالم
الأطفال من قبل الكبار الذين هم حقاً بحاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب
وتعلم كيف يتصرفون ويعيشون بتسامح وحب ودفء إنساني لم تفارقني لحظة
صورة سماحة الإمام محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) تحيط به ثلة من
الأطفال يلعبون هنا وهناك وهو غارق في كتبه وتأليفه لموضوعاته، وما كتب
عنه وما قيل عن مخزون عواطفه وحبه للأطفال، الكثير والكثير لترتبط
الحكمة والإيمان والتقرب من الله عز وجل، بالتواضع والبساطة وحسن
التعامل مع الآخر أياً كان الآخر، كبيراً أم صغيراً قوياً أم ضعيفاً
أسوة بأهل البيت عليهم السلام وتراثهم المفضي إلى العدل والحق
والمساواة والإخاء بين البشر باعتبارهم أما نظراء في الخلق أو أخوة في
الدين، معطفة على أهمية رأي وموقف سماحته من شمولية العنف في المجتمعات
بدعوته إلى اللاعنف الذي يضع ركائز وأسس مجتمع إسلامي متطور وحضاري
وغني في مضامينه وأهدافه. |