
من بين ملايين الفقراء في العراق يعتقد جميل محمود حسان أنه ينتمي
لأكثر الجماعات فقرا.. فهو من غجر العراق الذين يقيمون بوضع اليد منذ
سنوات على قطعة أرض في قرية بشمال البلاد. عاش عمره كله في الفقر
والقذارة والان يشعر بالخوف أيضا.
ومنزله لا يزيد عن خيمة مهترئة فيها سجاد ممزق ومشدودة على أوتاد في
قطعة ارض تتناثر فوقها أكياس بلاستيكية قذرة وعلب صدئة وزجاجات مكسرة.
وتستخدم مجموعة من علب الكيروسين المغطاة بالطين كموقد متنقل.
والذباب يحلق فوق كل شيء.. القمامة والاطفال وهم يلعبون وكلب مربوط الى
شجرة.
وداخل الخيمة يتكدس اطفاله الخمسة وزوجته بملابس متسخة بالطين على
قطع من السجاد وسرير طفل صغير. ومصباح الكيروسين هو مصدر الدفء الوحيد
في صباح شتوي بارد.
ووجبة من الطماطم (البندورة) والخيار والفاصوليا هي ما تتناوله
الاسرة عادة على الافطار والغداء والعشاء. اللحم عملة نادرة لا يرونها
الا مرة كل بضعة أسابيع.
وفي الفترة الاخيرة يشعر حسان بالخوف من أن تقبض عليه ميليشيا دينية
وتجبره على الانتقال الى مكان اخر.
ويقول لرويترز "ليس لدينا شيء.. نحن فقراء. اننا فقط نبحث عن مكان
آمن نختبيء فيه."
ويعيش غجر العراق الذين ينبذهم المجتمع في وضع محفوف بالمخاطر. فهم
يفتقرون لاي تعليم أو مهارات ويحتلون أدنى درجات السلم الاجتماعي
العراقي.
ومع ذلك فان غجر قرية حديد القريبة من بعقوبة على مسافة 65 كيلومترا
شمال شرقي بغداد قد يكونون من الاسعد حظا بين غجر العراق. فقد تعرضت
قبائل أخرى من الغجر للملاحقة والهجمات من جانب الميليشيات الاسلامية
التي يتزايد نفوذها والتي تعتبرهم وصمة عار على المجتمع.
ويقول العراقيون ان الغجر كانوا يتمتعون بقدر من الحماية من
الاضطهاد في عهد صدام حسين في مقابل انهم كانوا يقدمون الراقصات
والعاهرات والمشروبات الكحولية. لكن هذه الحماية اختفت مع سقوط صدام
مما تركهم عرضة لهجمات الميليشيات الدينية الناقمة على اساليبهم
المتحررة في الحياة.
وكانت قبيلة من الغجر تضم نحو 250 أسرة تقيم في قرية بالقرب من
مدينة الديوانية الجنوبية واحدة من العديد من القبائل التي عانت من
سطوة الجماعات الدينية.
ففي يوم رأس السنة من العام الماضي أطلقت قذائف المورتر على قريتهم
المكونة من أكواخ من الطين والقصب فقتلوا امرأة وجرحوا ثلاثة اشخاص.
وفر الغجر الذين كانوا مقتنعين بأن الذي هاجمهم هو جيش المهدي
التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر تحت جنح الليل قبل ان يطلبوا
المساعدة من زعماء دينيين.
وعادوا لديارهم بعد أن وعدهم مساعدون للصدر والزعيم الشيعي الاكبر
آية الله علي السيستاني بانهم لن يتعرضوا لمزيد من المضايقات ليجدوا
القرية قد نهبت.
فتركت المدرسة الابتدائية والعيادة الصحية اللتين بنتهما حكومة صدام
بلا نفع ودمرت منازل الغجر.
وعاد الفقر الذي كانوا يتصورون انهم خرجوا من تحت وطأته.
وقال بيزاي البارودي شيخ القبيلة "الاحزاب الدينية عذبتنا." وأضاف "كنا
قد بلغنا مستوى لائق من الحياة لكن بعد الهجوم الاخير كان علينا أن
نبدأ من الصفر."
ومازالت اثار الهجوم بادية على ميادة التميمي (20 عاما) فقدت سقطت
احدى قذائف المورتر على منزلها وقتلت والدتها وكسرت ذراعها التي تقول
انها مازال يتعين عليها علاجها.
وأضافت "اذا وجدت عملا شريفا ونظيفا لن اتردد في ترك هذا القبر
والعيش مثل أي فتاة في مثل سني."
ومثل غيرهم من غجر العراق يشعر الكثيرون من أفراد قبيلتها بالغضب من
انهم مجبرون على العيش هاربين مطاردين في أرضهم.
وتقول القبيلة أن جذورها ترجع الى اسبانيا وانها استوطنت العراق قبل
نحو 150 عاما. وأغلب غجر العراق ترجع جذورهم للهند في حين جاء قلة منهم
من دول في الشرق الاوسط.
ورغم انهم يتحدثون العربية ويقولون انهم مسلمون الا ان بشرتهم
الداكنة وملامحهم الحادة تميزهم عن بقية السكان ويشكون من الاضطهاد
العنصري.
ويقول البارودي "نحن مسلمون وبشر ونتمتع بالجنسية العراقية... لا
نريد سوى العيش في سلام." |