أدباء مصر يفعِّلون أدب التحريض السياسي

وأحدهم يراهن على هزيمة القوات الامريكية في العراق

ربما نتفق على ان ادباء العالم وخاصة في الدول الديمقراطية لهم قصب السبق في تقويم وتغيير السياسات الوطنية والاقليمية في بلدانهم ومناطقهم من خلال قوة الفكر والادب عموما واهمية دوره في تنمية الوعي لدى الشعوب ولكن ما هو مدى هذا الدور في الدول الفقيرة او الدول الغنية المتخلفة!!!

ان دورا كهذا يكاد ان يكون معدوما وفي افضل الاحوال ضعيفا بسبب هيمنة السياسي التامة في هذه البلدان، فهل سيختلف ادباء مصر عن اقرانهم في الدول العربية والاسلامية، اننا جميعا نسمع بالندوات والمهرجانات والاجتماعات الدورية وغيرها ونسمع بالقرارات التي تنتج عنها ولكن المشكلة المستعصية هي بقاء تلك القرارات حبر على ورق، فهل شب ادباء مصر عن الطوق في مؤتمرهم الذي عقد مؤخرا حين أعلنو تأييدهم للهجمات التي تستهدف القوات الامريكية في العراق وأعلنوا رفضهم كل أشكال التطبيع مع اسرائيل مقدرين جهود الفلسطينيين لاسترداد حقوقهم؟!!.

لقد قرر مؤتمر الادباء المصريين الذي انتهت دورته العشرون الاربعاء الماضي في جلسة الختام "تأييده الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة وتقديره التام لنضاله الوطني المشروع لاسترداد حقوقه ويؤكد رفضه التام لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني."

ووجه المؤتمر التحية "للمقاومة العراقية الباسلة ضد العدوان الامريكي وقوى التحالف" مشددا على ضرورة استقلال العراق وتجنب محاولات تقسيمه.

وقد بدأت الدورة العشرون للمؤتمر الاثنين الماضي بمدينة بورسعيد على ساحل البحر المتوسط بمشاركة أكثر من 200 أديب وناقد وشاعر وباحث في التراث الشعبي يمثلون محافظات مصر.

ومنذ الدورة الاولى للمؤتمر عام 1984 وكتاب مصر يعتبرونه برلمانا يبحثون فيه سنويا قضايا تتعلق بالوطن والثقافة.

وحملت احدى ندوات الدورة الاخيرة عنوان(أدب المقاومة) وتحدث فيها عدد من أبناء بور سعيد الذين شاركوا في مقاومة العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي عام 1956 حيث دمرت كثير من منشآت المدينة الواقعة على المدخل الشمالي لقناة السويس عقب اعلان مصر تأميم القناة.

وتطرق عدد من بحوث المؤتمر الى المقاومة الشعبية التي تهدف الى تغيير الانظمة المحلية مثل بحث أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس محمود اسماعيل الذي استعرض فيه ثورات العوام في التاريخ العربي وبحث الناشطة المصرية فريدة النقاش بعنوان (من أدب التحريض السياسي).

وأدان المؤتمر ما وصفه بمحاولات الوقيعة بين لبنان وسوريا ومحاولات التدخل في الشأن السوداني كما شدد على رفض أية دعوى تنادي بالتدخل الاجنبي في شؤون مصر الداخلية تحت دعاوى طائفية أو حزبية.

ونوه المؤتمر بدور منظمات المجتمع المدني في دفع الديمقراطية مشيرا الى أن التعليم في مصر يحتاج الى "ثورة اصلاحية شاملة" كما شدد على ضرورة مواصلة الاصلاح الدستوري في مصر و"ضمان المواطنة الكاملة وحق تداول السلطة."

وفي سياق متصل يرى أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس محمود اسماعيل أن المقاومين في العراق قادرون على استنزاف قوات الولايات المتحدة الامريكية هناك لاجبارهم على الرحيل.

وقال ان للاعمال المسلحة بالعراق دور بارز في أن يعيد الامريكيون النظر في سياساتهم تجاه المنطقة " لولا المقاومة لبدأ الزحف الى سوريا أو السعودية أو غيرهما.. الصراع غير متكافىء لكن صمود أصحاب الحق سيجبر المحتلين على الرحيل بعد زيادة عدد قتلاهم وجرحاهم."

وأضاف على هامش مؤتمر أدباء مصر أن التاريخ العربي شهد حركات مقاومة للغازي الاجنبي أو للحكم الوطني حين يسود الظلم "لكن معظم حركات المقاومة كانت تنتهي بالفشل بسبب تواطؤ الشريحة العليا من البرجوازية مع العسكر لصالح المستبد المحلي."

وشارك عدد كبير من الادباء والشعراء وأساتذة التاريخ في المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام بمدينة بور سعيد على ساحل البحر المتوسط، وحملت احدى ندوات المؤتمر عنوان(أدب المقاومة) واستعرض فيها عدد من أبناء بور سعيد تجاربهم عام 1956 في مقاومة العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي عقب اعلان تأميم القناة شركة مساهمة مصرية. ودمر كثير من منشآت المدينة الواقعة على المدخل الشمالي للقناة.

وشارك محمود اسماعيل في المؤتمر ببحث حول جانب من المسكوت عنه في التاريخ العربي مشيرا الى وجود ما وصفه بالتآمر المعرفي الذي قال انه شوه قوى المعارضة بعد احراق كتبهم إذ "أحرق خلفاء بني العباس الاوائل الكثير من وثائق العصر الاموي كما أحرق صلاح الدين الايوبي كتب الفاطميين ضمن ما أحرق من محتويات دار الحكمة بالقاهرة/ كما أهمل مؤرخو الاسلام الكتابة عن العامة تحت تأثير نزعة استعلائية طبقية ترى في العوام رعاعا وسوقة وغوغاء ولصوصا وبطالين وغيرها من نعوت تسفه زعاماتهم وتكفر ثوراتهم وترى فيها محض فتن ضد أولي الامر."

وأشار الى أن كثيرا من المؤرخين والادباء شهروا بالعامة ومنهم الجاحظ. كما اعتبرهم فقهاء السلطة ومؤرخوها أهل فتن وضلالات في حين خصص بعض الفقهاء المستنيرين والفلاسفة مثل ابن سينا مدارس لتعليم الفقراء والمعدمين.

وأضاف اسماعيل قائلا: "أن العوام قاموا بانتفاضات وثورات ذات أبعاد سوسيو- اقتصادية وبرغم قمعها بوحشية وضراوة إلا أن بعضها نجح في تكوين امارات جيبية قصيرة العمر كانت أشبه بجمهوريات شعبية حققت الكثير من مبادىء العدل الاجتماعي."

وقال "ان الانتفاضات هي الوسيلة المناسبة حين تختل موازين القوى بين طرفين مشيرا الى أن الطرف الاقوى لا يتحمل كثيرا من الضربات التي يفاجئه بها الاضعف. وتساءل.. "ألا يفقد الجندي الامريكي في العراق صوابه وثقته بنفسه ويصاب بالذعر وهو يتوقع رصاصة من قناصة مجهول بين لحظة وأخرى.."

وتابع متسائلا.. "من كان يتصور أن ينسحب (رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل) شارون من(قطاع) غزة لولا أنها أصبحت عبئا عليه منذ بدء الانتفاضة" التي اندلعت في نهاية سبتمبر أيلول 2000."

ورجح أن يخرج الامريكيون الذين وصفهم بقلة الخبرة في مسألة الغزو والاحتلال بعد أن" تهزم قواتهم في العراق."

وأشار الى أن مقولة للمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي(1889 - 1961) أرجع فيها انهيار الامبراطوريات الى أسلوب الحكم "الانتحاري".

وعلق قائلا ان ما يحدث لامريكا في العراق هو"نوع من الانتحار.. أما اسرائيل نفسها فهي كيان عارض وضد الطبيعة البشرية للمجتمعات. انها معسكر دائم لا تتحقق فيه فكرة المجتمع. هل يستطيع انسان طبيعي أن يظل مشدود الاعصاب وفي حالة حرب طوال الوقت..".

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 3/كانون الثاني/2006 -  2/ذي الحجة/1426