اسلاميون يصلون الى السلطة في ظل الاجواء الديمقراطية الامريكية

حينما توجه العراقيون الى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، رأت إدارة الرئيس بوش في ذلك انتصاراً كبيراً للديموقراطية في منطقة تعاني منذ زمن طويل من الفساد، المحاباة والدكتاتورية، غير أن نتيجة هذه الانتخابات قد لا تكون كما كانت تأمل به الإدارة حينما اجتاحت القوات الأمريكية العراق، واسقطت نظام صدام قبل سنة ونصف السنة.

إذ لما كان رجال الدين هم من هيمن على انتخابات العراق الأخيرة، من المتوقع ان يضم البرلمان المقبل عدداً كبيراً من الاعضاء الاسلاميين ممن يرتبطون بإيران، والحقيقة ان الاحزاب الاسلامية استفادت بمهارة خلال الانتخابات التي جرت مؤخراً في العراق، وفي دول اخرى بالمنطقة من موجة الحرية السياسية الجديدة لتعزز صفوفها وتحقق لنفسها شرعية لا سابق لها من قبل في الشرق الاوسط الحديث.

وويقول ميغان ستاك من مقال له في هذا الصدد نشر في صحيفة لوس انجليس تايمز الامريكية: ما من شك ان تنامي قوة الاحزاب التي تستند الى العقيدة الدينية في عملها لم يكن وارداً على الارجح في رؤية ادارة الرئيس بوش الكبرى الخاصة باستبدال الطغاة بالديموقراطية.

فمن الواضح ان الاحزاب الاسلامية مثل التحالف العراقي الموحد في العراق، وحزب الله في لبنان، وحركة حماس في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وحزب الاخوان المسلمين في مصر استفادوا جميعاً من مساندة ادارة الرئيس بوش للديموقراطية في العالم العربي، كما استفاد الاسلاميون ايضاً من المعارضة الواسعة النطاق للسياسة الامريكية التي دفعت بعض المسلمين للاعتقاد ان ديانتهم تتعرض للهجوم.

اذ يقول جمال البنا، وهو كاتب مصري ليبرالي شقيق لمؤسس حركة «الأخوان المسلمون» في مصر: لقد ساعدت السياسة الخارجية الامريكية مباشرة في نهضة الاسلاميين، فالتدخل في العراق وتأييد سياسات اسرائيل اثارا غضباً كبيراً في المنطقة استفاد منه الاسلاميون.

المسؤولون الامريكيون يعترفون فيما بينهم بأنهم يشعرون بالقلق من مستوى النزعة المناهضة لأمريكا، ومن القوة التي وفرتها هذه النزعة للأحزاب الدينية في صناديق الاقتراع إلا أن هؤلاء المسؤولين يؤكدون ايضاً ان بالإمكان احتواء خطر الايديولوجية المتطرفة.

فبعد ان اشار باري لوينكرون مساعد وزيرة الخارجية الامريكية، الى الاخطار التي يمكن ان يشكلها وصول حكومات متطرفة- سواء كانت اسلامية او لا- الى السلطة هي مجرد مطبات على الطريق، وعدد في(لقاء مع الصحافة) الخطوات التي يتعين اتخاذها لتشجيع الاحزاب العلمانية في العالم العربي ومنها: رفع قوانين الطوارىء، توسيع حرية الصحافة والسماح للناس بإقامة التجمعات بالإضافة لجملة من الاجراءات الاخرى من اجل ضمان سماع اعلى نسبة من الاصوات المتنوعة.

وذكر لوينكرون ان هناك فارقا بين ما وصفه بالمتطرفين وبين الاحزاب الاسلامية.

لكن بالرغم من هذا لا تزال المجموعات الاسلامية تمثل مأزقا للولايات المتحدة. صحيح ان واشنطن تمكنت تاريخيا من ابعاد الاسلاميين عن الساحة السياسية، الا انه من الصعب على اي بلد ديمقراطي تجاهل التأييد الشعبي الواسع الذي تتمتع به الاحزاب الدينية في المنطقة.

ومن الواضح ان الاسلاميين كانوا ماهرين في اعادة طرح انفسهم وافكارهم باسلوب ومضمون جديدين يتفقان مع المزاج العام. فقد توقف العديد من الاحزاب الدينية عن التحدث حول اقامة جمهوريات اسلامية واصبحت تنادي بالحرية والديمقراطية.

يقول مهدي عاكف، زعيم حركة الاخوان المسلمين في مصر:نحن نؤمن بالديمقراطية وصندوق الاقتراع هو الفيصل النهائي في ما اذا كنت ستحكم ام لا. اننا لا نؤمن بأية وسيلة اخرى لتولي السلطة. ثم يتساءل عاكف: كيف يمكن ان اكون مسلما واعمل على الغاء الحرية في نفس الوقت؟

لكن بالرغم من هذا فثمة شعور بالخوف من ان يستغل الاسلاميون اجواء الانفتاح الديمقراطي للوصول الى السلطة تدريجيا ومن ثم يعملون على الغاء تلك الحريات بعد سيطرتهم عليها.

اذ يقول عماد جاد، خبير الشؤون الاسرائيلية في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: انني متأكد من ان الاخوان سيطبقون رؤيتهم القديمة للشريعة، وسيبقون بالسلطة للابد بعد وصولهم اليها. وهم يرفعون هذه الشعارات المعتدلة اليوم حتى لا يخيفوا احدا ولاسيما الغرب.

لكن ثمة محللين آخرين يختلفون مع هذا الطرح بالقول ان لا سبب يدعو الى الخوف من الاسلاميين لان مجموعاتهم مثل الاخوان المسلمين التي فاجأت الكثيرين في مصر بحصولها على حوالي 29% في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، ستتطور الى تنظيمات اكثر اعتدالا مع وصولها الى السلطة.

ويبدو ان هذا الرأي بات يحظى بشيء من القبول في الولايات المتحدة، فقد قال مسؤول امريكي رفيع، طلب عدم الافصاح عن اسمه: اذا كنا نريد التحدث بصراحة، علينا الاعتراف بضرورة افساح المجال امام الاحزاب الاسلامية، لكن السؤال هو: هل ستلتزم هذه الاحزاب بقواعد اللعبة؟ هناك دليل يشير الى ان هذه الاحزاب تقوم بذلك فعلا. فقد قدمت حركة حماس وحزب الاخوان المسلمين مرشحات اناث لخوض الانتخابات هذه السنة. وأدلى رئيس الاخوان المسلمين بتصريح مذهل حينما اعلن مؤخرا ان بمقدور أي مسيحي ان يصبح رئيسا في مصر اذا جرى انتخابه (او انتخابها) عبر صناديق الانتخاب.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 3/كانون الثاني/2006 -  2/ذي الحجة/1426