كتاب: الخيبة …. في كائن الفردوس

الكتاب: كائن الفردوس 

المؤلف : علي حسين عبيد

الناشر : دار الشؤون الثقافية

الطبعة : الاولى-بغداد-‌‌2001

 قراءة :   أحمد آدم (شاعر عراقي راحل)

 

 اذا كان عالم النفس ماسلو في تقسيمه لسلمه- سلَّم الحاجات - قد وزّع حاجات الانسان من المراتب الدنيا إبتداءً من الأكل والشرب الى أعلى مراتب السلم وهي حاجة تحقيق الذات فانه قد وضع في منتصفه حاجة تحقيق العلاقات الاجتماعية لدرايته وكما اثبتت كتب علم الاجتماع والانثروبولوجيا اهمية هذه العلاقات في تنمية نفسية الانسان واستقراره وإبعاده عن القلق وفي حالة فشله في ذلك فانه سيُحبَط وتصيبه خيبة الأمل في الإنسان الآخر والمجتمع والبيئة وفي ضوء ذلك قرر علماء النفس ان حالة الخيبة تواجه الانسان في جانبين يتخذ الجانب الاول فعل الإرتداد الى النفس أو ما اطلقوا عليه بتسمية النكوص وهي تمثُّل لحالة الماضي من الزمان والمكان ومحاولة العيش فيه ولذلك يلجأ الىاستعادة الطفولة مثلا واماكن الصبا وذكرياته في تلك السن لما يراه من تشويه في القيم العامة المتسيِّدة للراهن ، ويتخذ الجانب الثاني فعلا تمردياً سلبيا وكما أسموه علماء النفس بالسايكوباثية التي تتمثَّل بـإحالة الخيبة وافرازاتها على المجتمع واعتباره مسؤولاً عن حالات الفشل الواقعة في حياة الفرد الذي سيتصرف بدوره تصرفا لامعقولاً دافعاً بذلك نقمته وإحباطاته على المجتمع .

والأديب بمعناه الشمولي وكما هو متفق عليه يعدُّ من اكثر الناس إحساساً بالقيم الاجتماعية اذ ان أي تصدع في واقعه سيتحول الى رصد تلك النماذج القلقة المأزومة ومحاولة طرحها بشيء من الوعي..على ان الاديب فنان لا يعكس الواقع كما هو فمهمة الفنان تختلف عن مهمة الفيلسوف او المؤرخ اذ انه ليس مطالَباً بعرض الواقع بأكمله…

     وتتخذ قصص [كائن الفردوس] للقاص علي حسين عبيد من الخيبة مجملاً مركزياً فتقدم ابطاله بأوجه مختلفة وتعمل على تجسيدها الحي في قيم ودلالات ووقائع متنوعة واذا كانت ثمة تقسيمات لموضوعة الخيبة في هذه القصص فيمكن تجسيدها بالآتي :

     أولاً : الخيبة في المرأة .

          في قصة [تفاحة البحر] ص7 نجد البطل /الصبي/ يفشل في التكلم مع المرأة الناضجة بأنوثة صارخة لهذا فان الصمت سيكون ملجأه الوحيد اذ ليس من المعقول ان يبدي صبي اعجابه بكائن انثوي ناضج وهو في مثل هذا السن الذي اوضحته الفتاة لصاحبتها [تلفتتْ بعينيها بين المرأة والصبي ، شهق صوتها بضحكة ساخرة وهمست للمرأة بكلام لم يلتقط منه الصبي سوى بضع كلمات /مبارك لك هذا المغرم] ان خيبة الصبي في التصريح بأي كلام يدل على ان الفارق كبير بينهما وربما ادرك الصبي ذلك بوعي او من دونه إلاّ ان القاص وضحَّ محاولته في الوصول اليها وتساؤل المرأة باستغراب [ ما الذي يريده هذا الطفل!!] دليل على الفارق الجسدي بينهما .

   وفي قصة [سيرة ذاتية لعربة الأسكيمو]ص19 تأخذ الخيبة شكلا آخر إذ تتحدث عن رجل يحاول الوصول الى المرأة الحلم فيقول [بماذا تفكر ايها الرجل المتعب .. بامرأة خصبة كارض لاتملّ العطاء ، بـبيت صغير ، بأطفال يملأون البيت حياة].

   ان فشل الرجل في اقامة علاقة مع هذه المرأة يدل على أزمة بطل القصة النفسية والتي اسهم في ترسيخها وتعميقها الفارق الاجتماعي الكبير بينهما ، وسوف نلاحظ ان معظم القصص التي تناولت المرأة يقف فيها البطل مبهوراً مشلول الارادة امام بوابة سحرها وتظل المرأة حلم عصيّ شائق يخاف الاقتراب منه وفي اللحظة التي يظن انه اصبح بمستطاعه الاقتراب منها يذوب امامه فجأة كل شيء ليعود حاملا مرارة الخيبة والهزيمة.

      وتتجسد الخيبة في المرأة مرة اخرى في قصته – كتاب الكيذبان –ص 31 رغم محاولة المرأة كشف اسرار جسدها ومحاولة إغوائه والتغرير به إلاّ انه يقول [ ولم تصدقني حين قلت لها يا سيدتي انا اكتفيت برؤية وجهك الكوثري فدعيني أعد من حيث اتيت ] . أما في قـصة – فضاءات الوهم _ص100 فتدل العنونة على خيبة امل كبيرة ومنذ الفضاء الأول يؤكد القاص على الفقدان المستديم للمراة أذ يقول البطل [هنا التقيتها وهنا ضيعتها ]. ان الوهم الذي يصوره القاص لبطله هو –وهم واقع – فكل الدلائل تشير الى عدم امكانية تحقيق جزء بسيط من طموحاته وآماله[ ها انا اراها بوضوح وحين أدرت رأسي الى توأمي لم أرَه فانذهلت وفكرت في حقيقة كوني اعمى وان الفتاة التي تتراءى لي ليست سوى وهم ]ص103.

ان تكوين النماذج القلقة والمأزومة هو تكوين متعدد الوجوه ولكنه ليس الوحيد ، فالى جانب عناصر الخيبة والاغتراب هناك اوجه ايجابية في الشخصيات حيث ان القاص لا يفقد ايمانه بالانسان ليصل الى موقف عدمي بإزاء كل شيء كما يفعل بعضهم وبخاصة كتّاب العبث بل يقدم خلال عالم الخيبة والهزيمة وعياً حاداً يتمثل بالسخرية اللاّذعة والتطرق للحالات الانسانية المؤثرة وفي ضرورة تغيير الواقع الذي يحمل في اعماقه بذور اليأس والبؤس .

   ثانياً: الخيبة في الجسد .

       وتتمثل في قصة [كائن الفردوس ]ص21  التي حملت المجموعة عنوانها، حيث يقول الراوي :[ كان الرجل يمسك بقوة بجسد الكائن الطفل لكنه في لحظة نقاء مذهلة وهو في تلك الفضاءات الصافية أيقن انه سيسقط بالملاك باتجاه الارض فانفصل عنه وتركه يشهق عالياً بينما سقط هو بسرعة كبيرة باتجاه المائدة وتشظّت اشياء جسده في ارض الحديقة .] اما في قصة [ نتوء الشيطان ] التي تتحدث عن أحد ضحايا الحرب أُصيب في رأسه فخذله الجسد وتخلّى عن واجباته المستساغة من لدن المجتمع والخلل يتمثل بالعقل حيث يتهمه الناس بالجنون لذلك فان الخيبة التي تخذله في المجتمع تحول دون تمكنه من معايشتهم . وكذلك في قصة [رائحة الاب ] حيث الصورة الصامتة/ المتحركة التي توحي للطفل بوقائع لاتحدث في حقيقة الأمر.

   ثالثا: الخيبة في المجتمع.

       ويمكن اجمالها بالقصص جميعاً لعلاقة الأنساب بالآخر/ المجتمع ، وبذلك فان تجسيد مفهومي النكوص والسايكوباثية يتجليان بوضوح قي القصص حيث تتكشف لنا أزمات الشخصيات وهمومها ومعاناتها من خلال الحوارات والمنلوجات الداخلية ونستطيع ان نترصد فيها لحظتين الأولى لحظة تأّزم في حياة فرد مأزوم او متصارع مع نفسه او مع الآخر ، اما الثانية فهي ارتطام الظاهر او الوهم بالباطن او الحقيقة.

    مما تقدَّم نقول إن لحظات الاستثارة والتمرد تفعل فينا فعل الوحي الشعري ولذلك فان القاص يعيد خلق المادة الخام بعمل ابداعي موجود في الواقع إلاّ انه يحمِّله بجزء من الوعي إذ ان عملية الوعي عملية ذاتية تتحقق بالممارسة والامتناع أي تصبح جزءاً من وعي وسلوك وعقلية الكاتب وعندئذ يتحقق نوع من الذوبان بين الموضوعي والوجه الذاتي في عملية الخلق الفني ولذا نرى ان القاص علي حسين عبيد يكتب لنا شهادة عن الواقع وهو في ذلك يتفق مع سارتر الذي يشعر احيانا بأن مهمة الكاتب الوحيدة اليوم هي أن يكوِّن نوعاً من الشهادة الموجزة عن موت الانسان ولذا فالعنوان [ كائن الفردوس ] يدل دلالة واضحة على حاجة المؤلف الى كائـن خارق يحقق آمال الناس وطموحاتهم انه كالذي يبـحث عن [ سوبر مان] ذلك الخارق في كل شيء إلاّ ان الخيبة تطارده ما دام محدداً في الجسد ومقيداً بالمجتمع والتقاليد وأخيراً يقول – رامبو – في فصل في الجحيم [ لقد كتبتُ عن اشكال الصمت والليالي ودونتُ ما لا يعبَر عنه لقد ثـبَّتُّ جزئيات الطيش ] .

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 23/كانون الاول/2005 -  20/ذي القعدة/1426