أقنعة مجتمعية

مازن مرسول محمد

من المعقول ان مرور فترة زمنية طويلة جداً على وجود واستقرار وديمومة البشرية، له الاثر الكبير في خلق أنماط حياتية في كل يومٍ غريبة ولربما متطورة عن مثيلاتها في الأمس.

فنحن اليوم نكاد ننبهر بما وصلت اليه مجتمعاتنا الآن وخلال كل تلك المخاضات العسيرة وما آلت اليه اوجهها المختلفة، ولكننا نعود ونتساءل او بالتحديد نسأل انفسنا لماذا الاستغراب من الفوضى المجتمعية هذه التي انعكست مدياتها الواضحة على سلوكياتنا واسقاطاتنا وحياتنا برمتها ؟ ثم لماذا نتعجب من شيءٍ نحن قد ساهمنا وعملنا بوعيٍ او بغير وعيٍ في تأصيله ودق الاساسات الراسخة له؟ 

ان ما يدور في انماط حياتنا المجتمعية ناجم عن تراكم علاقاتي فعلي ساهمنا بقوةٍ في ترسيخه ليكون على هذا الشكل.

حقيقةً ان الانسان اليوم متعباً ومجهداً الى حدٍ كبير، وما مشاكله الا قد نتجت من بين ظهرانيه، فهو من ساهم بوصول حياته الى تلك الدرجة، الم يخلق الانسان التباغض والتباعد والعدوانية بينه وبين اخيه الانسان، ليترتب على ذلك انقسامات وتهدمات بنائية مجتمعية ساهمت في تقزيم وتحطيم اسس حياة البشرية، الم يفتعل الانسان الحروب المبررة وغير المبررة ليساهم وبشكلٍ فعال في تخريب ارضه التي اوصى (الله) تعالى بأعمارها، إضافة الى تأزيم النفس ومسخها الى جادة الخطأ والرذيلة.

ان الشرور التي نعاني منها لم تأتينا غفلةً من السماء وانما ساهمت اليد البشرية في غرزها لتنتفع مجموعات وتتعافى من ورائها وتتضرر اخرى وتستحيل الى جماعات مهمشة غير قادرة على الحياة، فالمشكلة هي ان البشرية ليست برمتها هادفة الى الاصلاح وتعمير المجتمعات، وانما يقف على النقيض من ذلك محاولات تفتيتية هادفة الى جني المصالح دون مراعاة الهدف الاعم والاشمل.

نحن في كل يوم نخلق ونركب قيماً ناجمة عن تفاعلاتنا وعلاقاتنا الحياتية بغض النظر عن كون تلك القيم ملائمة للاصلاح ام لا، ولكن ظروف حياتنا قد تدفعنا الى تقمصها والاتيان بها، فالممارسات السلوكية الخاطئة تمارس من قبل الكثيرين الآن ولن تذهب هذه الممارسات بتأثيرها سدىً، وانما تصيب جوهر علاقاتنا وما تنطوي عليه حياتنا.

ان الصفات الانسانية الآن في محنةٍ حقيقية لكونها عرضةٍ وبشكلٍ فعال للتسطيح والتهميش والقولبة، فما يعانيه الانسان في كل ارجاء العالم من قهرٍ وفقرٍ وتفكك بنيوي مجتمعي ومسخ للحقوق والامتيازات، لم يأت من فراغ وانما عملت جهود البشر بجانبها غير السوي لايصالها الى هذه الدرجة.

اليوم حال البشر ليس على ما يرام وتلك ليست مبالغة وانما لسان حال الوضع البشري يشير الى ذلك، فالعالم يعج الآن بالحروب والمجاعات والاختلافات والصراعات التي لم تتوصل الجهود الانسانية الى حلها بالشكل المطلوب، وذلك ما يدل على تردي السلوك الانساني الهادف الى الاصلاح ورواج السلوك المناقض الذي يرمي الى اشاعة العنف والخراب.

ان مشكلاتنا تبدأ من انفسنا لتنتقل وتعم كل مجتمعاتنا، وتكمن المشكلة الاكبر في عدم فهمنا لكيفية المحافظة على حياتنا. فنحن ربما نعتقد ان المحافظة على مصالحنا الخاصة قد يبعد عنا شرور العالم الاخرى، ولكن النتيجة هي العكس، فالعمل بالمصلحة الخاصة دون العامة له الاثر في ضرب القاعدة العامة التي يستند عليها ذلك الفرد، فيتم تهميش حياته بطرقٍ اوسع من وضعه وظرفه الخاص.

لربما ان المسألة تحتاج الى وقفة تأملٍ بما نفعله في حياتنا، فما نعيشه نحن قد فرضناه على انفسنا، والمعادلة بسيطة، فلماذا لا نسير بتوجهٍ سلوكي واحد يعمل على تذليل صعوبات الحياة دون المصلحية والمنفعية الخاصة ؟ الا ان الاماني سهلة ولكن الصعوبة تكمن في التطبيق، فهل نستطيع نحن البشر ان نكون رأياً عالمياً واحداً يضمن كل الحقوق دون استلابها، بالطبع لا لان غرائز الانسان وتطلعاته لا يمكن ان تكون على وفاقٍ بأتجاهها نحو غرضٍ واحد، فمن يريد تعمير مجتمعه وبناءه يقابل بآخر يعمل على الضد منه لأغراض يؤمنها لنفسه، وهذا هو حال حياتنا وما آلت اليه مجتمعاتنا التي تقابل في كل لحظة تقلبات وافرازات تحركها وتمحورها في اتجاهات قد لا تتوافق مع سكون واستقرارية من يريد العيش بسلامٍ.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 7/كانون الاول/2005 -  4/ذي القعدة/1426