الديكتاتور الديمقراطي الجديد..

محمد الوادي

 قبل عدة ايا م كتبت مقالة بعنوان "ولاية بطيخ العراقية " وقد نشرت في بعض الصحف المحلية وبعض المواقع والصحف الالكترونية اضافة لكونها قراءت  في برنامج للصحافة في احدى القنوات الفضائية العراقية, انتقدت في هذه المقالة استجابة الحكومة لتدخل امين عام الجامعة العربية عمرو موسى في الشأن العراقي الداخلي وبشكل صارخ وغير مسبوق لافي العلاقات العربية  ولافي العلاقات الدولية، والتي تم من خلالها الغاء عملية عسكرية ضد الارهابين وكأن الامر كان مجرد نزهة وتم الغاها ليس  الا.

وعلى اثر هذه المقالة كتب لي واتصل بي الكثير من الاصدقاء الاعزاء العاملين في المجالين الاعلامي والسياسي في بغداد ومن خارج العراق وكان بعضهم عاتبآ على قسوة العنوان، رغم اتفاقه معي على المضمون، على العموم كانت فرصة ثمينة ان اتبادل معهم بعض الاراء، وأن  اعرف منهم بعض مايدور في بعض  الكواليس السياسية للعراق الجديد.

مااريد ان اقوله هنا.. اني لاانتقد الشخص المعني في بعض كتاباتي لشخصه، وانما قد افعل ذلك انتقادآ لتصرف او تصريح معين اراه من وجهة نظري الخاصة انه ليس متناسبآ مع العراق الجديد الذي نبشر به شعبنا العراقي الذي مازال الحيف والظلم والموت والفقر توأم له لاتريد ان تفارقه، وقد يكون ان أتفق مع نفس هذا الشخص في رؤية اخرى في موضوع اخر، ولن اتردد في اعلان موقفي هذا من خلال كل المجالات المتاحة.

 لكن في هذه السطور الحالة مختلفة تمامآ، اذ ان الدكتور اياد علاوي كان ومازال يطرح نفسه مبشرآ للديمقراطية وهاديا للمستقبل الواعد وداعية لااحترام القانون وحقوق الانسان يشعر معه الانسان خاصة البسيط  احيانآ, انه يرى امامه "راهبا " قد استوطن "الدير" ونذر حياته لخدمة الفقراء والمظلومين، لكن معدن وحقيقة الانسان يعرف من خلال الفعل لا من خلال بيع الكلام، وهذا الاخير لايوجد ارخص منه اليوم في العراق خاصة اذا من شخص متمرس في العمل الحزبي والبعثي منه على وجه الخصوص وكان رفيقآ لصدام وطالبا من مدرسة "الاستاذ المؤسس الله يرحمه " ميشل عفلق، كما صرح بذلك د. اياد علاوي نفسه في مقابلاته التلفزيونية من على شاشة العربية، والتي كانت ضمن حملته الانتخابية في الانتخابات التشريعية الاولى في تاريخ العراق، وقد دفع مبلغ عشرين مليون دولار كثمن لهذه الدعاية كما صرحت بذلك القناة نفسها. وايضآ هو رجل متمرس في العمل السياسي ودهاليزها خاصة وانه تعامل مع اكثر من تسعة اجهزة مخابرات عالمية لاجل اسقاط نظام الديكتاتور العراقي الاول صدام حسين وقام بعدد من التفجيرات في بغداد على اثر ذلك، وكل هذه المعلومات مقتبسة من تصريحاته الاعلامية.

مازال اياد علاوي ورغم مغادرته للوزارة التي لم ينتخب لها من قبل الشعب، ورغم مرور الاشهر على ذلك لكن وحتى هذه اللحظة الرجل مازال يتصرف وكأنه فعلا رئيس لحكومة العراق، فهو بداية  لم يحضر سوى جلستيين من جلسات الجمعية الوطنية، وكذلك مازال يسافر ويلتقي رؤساء الدول والحكومات وخاصة العربية دون تكليف رسمي من الحكومة او اذن من الجمعية الوطنية التي هو عضو فيها. ومثل هذا السياق في العمل السياسي  لايمكن العمل والقبول به في كل دول العالم حتى في اكبر امبراطورية عرفها التاريخ الحديث وهي الولايات المتحدة الامريكية.،  تفسير هذا انه يرى نفسه اكبر من العراق ومن كل الوضع القائم في وهذه احدى صفات الطغيان التي هي البنت الشرعية للدكتاتورية، لذلك فهو يتمادى ويصرح علنا ان الفدرالية مرفوضة للجنوب، والخطورة ان هذا التصريح الخطير ياتي بعد التصويت على الدستور وخروج اكثر من عشرة ملايين عراقي في يوم الاستفتاء، وهذه صورة مجددة لصورة وديكتاتورية صدام الذي كان يرى أن ملايين العراقيين مجرد قطعان يسوقهم حيث يريد هو لاحيث هم يريدون، وكان صدام يشتري ضمائر البعض "بمكرمة " توزيع السيارات الفخمة على اعوانه المقربين بالاضافة الى مكارم المبالغ الخيالية التي توخذ من فم الفقير المعدم وتمنح الى هؤلاء وعاظ وسيوف وأداة وجلاديين القائد الضرورة.

على نفس النهج سار الدكتور اياد علاوي وقد وزع قبل الانتخابات السابقة ماكنة " حصاد " على شيوخ بعض العشائر لضمان تصويتهم له، وهذه جدا غالية وثمنها كان من اموال خزينة الدولة !! ونفس الشيء عمل مع الصحفيين حيث وزع على كل مقالة تسانده مبلغ مائة دولار !! وعندما افتضحت عملياته هذه في الاعلام وامام شاشات التلفاز لم يعتذر ولم يبرر بل اصدر بيان قال فيه ان هذه كانت ثمن وجبة "غداء " للاعلاميين المشاركين في دعمنا، ولااعرف من اعطاه حق هذا الكرم الحاتمي من اموال الشعب العراقي في الوقت نفسه الذي كان فيه حفيد سيد مهدي الموسوي أبن هذا الشهيد البطل الذي شاهده كل العراقيين وهو يموت عن طريق وضع القنبلة في جيبه وتفجيرها عن بعد على ايدي ازلام النظام الصدامي، كان هذا الشاب واخته اولاد هذا الشهيد البطل يصارعون العوز والحاجة ويلوذون بالصمت الشريف الرفيع. واثمان الحاصودات الزراعية ووجبات الغداء بالدولار توزع في الهواء الطلق وبالنقل المباشر على الذين لايعرفون للجوع معنى!! أن اخر ابتكارات اياد علاوي هي حضوره قبل اسبوع حفلة استعراض لفرقة عسكرية عراقية  وتوزيع شهادات التخرج على المقاتلين، وبعد يومين نفس الشيء مع قوة للشرطة العراقية، وحقيقة لا اعرف ماهي الصفة الرسمية والدستورية والقانونية التي تسمح له بهذا العمل وفي هذا الوقت الحرج من الاستعداد للانتخابات المصيرية المقبلة في العراق، ولا اعرف ماذا كان رد الحكومة عليه وعلى من سانده بهذا الخرق الصارخ للقانون والاعراف من وزارتي الدفاع والداخلية !!

 وموقف اخر اكثر خطورة تمارسه القائمة العراقية برئاسة علاوي في الجمعية الوطنية بالتنسيق مع القائمة الكردية هذه الايام والمتمثل بالتغيب عن الحضور الى اجتماعات الجمعية لغرض عدم اكتمال النصاب الذي يسمح للجمعية التفاعل والتجاوب مع قرار هيئة النزاهة والقرار القضائي بسحب الثقة من بعض الأعضاء المختلسين لمليارات الدولارات من اموال الشعب العراقي ايام حكومة علاوي. كل هذه الامثلة وغيرها الكثير تنزع عن الدكتور اياد علاوي رداء الدولة والقانون وغيرها من المفردات الصاروخية التي يكرر استخدامها في تصريحاته، بل الافعال تعطينا صورة مغايرة تما مآ لشخص علامات الديكتاتورية واضحة عليه ويصر كل يوم على شحن اشارات اضافية على جدارته بها أما  مسالة الديمقراطية وغيرها فمن الواضح هي في نظره مطية للعبور عليها والوصول الى اهدافه السياسية المعلنة والذي يدعمه بها البعثيين الصداميين والبرجوازين الجدد في العراق ومن الواضح ايضا انه قد فضل هؤلاء وابطال الاختلاسات والسرقات كااعمدة رئيسية في قائمته، اما ابناء الجوع والعوز والمظلومين والمحرومين فمثل هؤلاء ليس في جعبته من شيء لهم سوى تلك " البطانيات " التي وزعها قبل ايام في مدينة النجف الاشرف لبعض العوائل، التي تذكرها في الوقت الضايع من هذا الزمن المر الذي يجعله يتفضل عليهم بفلوسهم، والا من اين لك كل هذا ؟ وللموضوع بقية في مقالة اخرى. لكن الاكيد ان لابقية لدكتاتور جديد حتى لو سبح كذبا بالديمقراطية اربعة وعشرين ساعة في اليوم، والاكيد اليقين ان العراقيين لم ولن  يسمحوا بعد الآن ان ينصب او يشيد صنم جديد حتى لو اضطروا الى تهديمه باظافرهم واسنانهم وبالشد على بطونهم وعلى قلوبهم التي فاضت قيحا من هذه الاصنام المتحركة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 4/كانون الاول/2005 -  1/ذي القعدة/1426