الدجيل البستان الكبير الذي حوله صدام الى ارض قاحلة

كان الثامن من يوليو من العام 1982 نذير شؤم عند اهالي بلدة الدجيل الذين لم يترددوا ان يطلقوا عليه يوم الكارثة فما هي الدجيل ومن هم اهلها وما هي الكارثة.

لم تذكر المصادر بالتحديد نشات الدجيل لكنها تعد تاريخيا من المناطق الزراعية المعروفة في العصر العباسي وكان العباسيون يمنحونها لمن يريد تضمينها.

وفي اوائل محرم من عام 656 هجريا عام 1258 ميلاديا شهدت الدجيل اشتباك جيوش الدولة العباسية بالجيش المغولي وانتهت المعركة بتحطيم الجيش العباسي وتقدم هولاكو بالجيش المغولي المؤلف من مئتي الف محارب الى بغداد .

وسكان الدجيل من قبيلة الخزرج الذين يتفرعون من خمسة بطون اعتنق عدد منها المذهب الشيعي وهي البطون التي نزحت فيما بعد الى الكاظمية والنجف والناصرية والسماوة.

تبعد الدجيل مسافة 60 كم الى الشمال من بغداد وتحيط بها بلدات الضلوعية وقضاء بلد من الشمال وناحيتي التاجي والطارمية من الجنوب الشرقي وفي الجنوب الغربي هناك ذراع دجلة ومنطقة سبع البور والنباعي وفي الغرب تحاذيها منطقة الثرثار وهي ارض منخفضة .

والدجيل بستان كبير لكنها مدينة صغيرة وعلى الرغم من ان الاراضي الزراعية تحيط بها من كل مكان فان بيوتها ليست كبيوت القرى ويشقها نهر صغير يطلق عليه تسمية " مشروع الدجيل " وتكثر فيها اشجار الحمضيات بكل انواعها والكروم والنخيل غير ان صدام اقدم على تجريفها وحولها فيما بعد الى ارض قاحلة .

تبدا كارثة الدجيل حين مر صدام بهذه البلدة في الثامن من يوليو من العام 1982 وتعرض موكبه الى اطلاق نار اثناء مسيره في احد شوارع البلدة وعلى اثر ذلك انتقلت اجهزة امنية متعددة تابعة لنظامه متمثلة بوحدات من قوات الجيش والامن العامة والمخابرات العامة وميليشيا الجيش الشعبي التابعة لحزب البعث المنحل الى موقع الحادث للتحقيق والاعتقالات.

واعتقل المئات من اهالي الدجيل ومنهم من تعرض لعقوبة الاعدام ومنهم من تعرض الى الحجز القسري في صحراء السماوة ومكثوا في معتقلاتها اربع سنوات بينهم رجال ونساء واطفال وشيوخ كما تم تجريف الاراضي الزراعية والبساتين للسكان الذين تم اعدامهم واعتقالهم على خلفية اطلاق النار الذي تعرض له صدام.

ارتكبت كل هذه الجرائم بحق اهالي الدجيل تحت سمع صدام وبصره وفقا لشريط قدم الى المحكمة في جلستها الاولى ضمن الاثباتات ضد حيث يظهره وهو يتمخطر في الشارع الرئيسي بالبلدة في يوم الكارثة بينما يصد الجنود الناس الذين تجمهروا حوله باعقاب بنادقهم بعد نحو ساعة من تعرضه لمحاولة الاغتيال.

الرواية تبدا حين زار صدام الدجيل في هذا اليوم ووفقا للشريط المذكور فانه يظهر فوق سطح احد مقرات حزب البعث المنحل وهو يخطب في الناس مرتديا بزته العسكرية وقال ان سيتوجه لزيارة الحي القديم في البلدة هنا يقطع الفيلم ليظهر صدام فجاة فوق سطح عيادة طبية مرة ثانية يخطب باناس كان عددهم اقل مما ظهروا في خطبته الاولى ولكن ما تغير هو خطاب صدام حيث بدا عدوانيا ومتوعدا.

ما لم يعرضه الفيلم هو ان صدام تعرض لمحاولة اغتيال على يد مجموعة قيل انها من ناشطي حزب الدعوة المناهض لحربه مع ايران حيث اطلقت هذه المجموعة التي كانت تختبىء بين اشجار النخيل النار على سيارته المرسيدس البيضاء التي كان يجلس فيها الى جانب السائق .

لا احد في الدجيل يعرف مكان دفن الضحايا على الرغم من اكتشاف العشرات من المقابر الجماعية التي ربما دفنت فيها قصص تشبه ما جرى للدجيل لكن سكان الدجيل " الاحفاد الذين بقوا او ربما الارامل المممسكات بخيط امل " يمنون النفس باكتشاف الرفاة لدفنها من جديد.

ويبدو ان رواية الدجيل لم تنتهي وتنتظر اليوم ان تكمل فصولها حيث تشهد الرواية الدجيل الذي هتفوا قبل نحو 23 عاما من رعب لصدام يهتفون اليوم مطالبين باعدامه بينما يقف هو في زنزانة امام قاضي عراقي هو رزكار محمد امين دون ان يخشوا من مخابراته المنحلة وجيشه المنحل وحراسه الهاربين ولا حتى من تهديدات الزرقاوي .

خرج اهالي الدجيل تلبية لدعوة من اهالي الضحايا رافعين لافتات تشجب الرئيس المخلوع وحزب البعث المنحل وتطالب باعدامه.

ويمثل صدام حسين وسبعة من معاونيه اليوم امام المحكمة لاستئناف محاكمته في قضية مقتل 148 شيعيا في الدجيل في الثمانينات.

وتعقد هذه المحاكمة وسط اجراءات امنية مشددة اتخذت حيث يتوقع مثول احد الشهود في المحكمة لاول مرة.

ومن المقرر ان تعقد المحكمة اربع جلسات استماع متتالية على مدى اربعة ايام اعتبارا من اليوم .

وقد خرج المتظاهرون بناء على دعوة من اهالي الضحايا رافعين لافتات تشجب الرئيس المخلوع وحزب البعث المنحل وتطالب باعدامه.

وهتف المتظاهرون الذين تمركزوا في وسط بلدة الدجيل بالموت لصدام في الوقت الذي رفعوا فيه لافتات تطالب باعدام صدام واركان حكمه السابق.

وكانت مدن عراقية عديدة شهدت عصر يوم امس خروج الالاف من العراقيين المطالبين بتنفيذ حكم الاعدام بصدام واعوانه.

وبدعوة من احزاب سياسية وتيارات دينية منها تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر خرج المتظاهرون في مدن النجف وكربلاء والناصرية والكوت فضلا عن المظاهرة التي خرجت يوم امس الاول في العاصمة العراقية بغداد.

ويتوقع ان يقوم 50 شاهدا من اسر ضحايا الدجيل بالادلاء بشهادتهم خلال الجلسة الثانية لمحاكمة صدام حسين واعوانه السبعة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

وقالت مصادر قريبة من المحكمة ان محامي الدفاع دخلوا الى قاعة المحكمة حيث سيمثل محام واحد عن كل متهم مضيفة ان الشهود نقلوا ايضا الى مبنى المحكمة.

وذكرت المصادر التي فضلت عدم الكشف لوكالة الانباء الكويتية (كونا) عن هويتها ان نحو 50 شاهدا من اسر ضحايا مجزرة الدجيل سيدلون بشاهدتهم ضد صدام ومساعديه اليوم غير ان مسؤولين عراقيين رفضوا تحديد عدد الشهود الذين سيمثلون امام المحكمة خلال الايام الاربعة المخصصة للاستماع الى افاداتهم خوفا على حياتهم.

وقالت انه سيكون باستطاعة الشهود ان يدلوا بافاداتهم وهم يرتدون اقنعة او خلف حواجز مضيفة ان لكل شاهد الحق في ان يقرر ما اذا كان يريد ان يظهر وجهه او يخفي هويته بطريقة او باخرى.

ويواجه صدام مع المتهمين السبعة الاخرين عقوبة الاعدام على الرغم من نفيهم التهم الموجهة اليهم في هذه القضية.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء  29/تشرين الثاني/2005 -  26/شوال/1426