تتطور
الحياة وتتقدم باتجاه تحقيق أفضل السبل لنيل السعادة التي نتوخاها من
مجمل نشاطنا الإنساني، لذلك فان آليات النسق الحياتي تبدلت وتغيرت تبعا
لذلك التطور جميعا، سوى القيم الأخلاقية التي أصبحت ثوابت تدور في
فلكها كل وسائل تحقيق الأهداف المذكورة، فكانت هذه الثوابت قواعد
أخلاقية تحفظ الحقوق للجميع وتحدد حدود سلطان إرادة الأفراد تجاه
المجتمع وتجاه بعضهم البعض، وكان للقبائل والعشائر في الفترة التي لم
يكن وجود للدولة بشكلها العصري الحديث، وكان الفرد يخضع لقيود الفردية
الحاكمة والسلطة المنفردة, فقد كان للقبائل والعشائر دور كبير في ترسيخ
تلك القيم والثوابت، ومنها ما يسمى بالفصل العشائري، فهذه القاعدة كانت
قد بدأت منذ ظهور النزاعات الجماعية والخصومة الفردية، فكان للفصل
العشائري جملة أهداف منها إطفاء نار الفتنة بين المتخاصمين ودرء
الأخطار وجبر الضرر، الذي يطلق عليه بالمصطلح القانوني، التعويض عن
الضرر الذي أحدثه من حكم عليه بدفع التعويض، الذي لازال مستمراً حتى
الوقت الحاضر، وكان للعشائر دور مهم وكبير تفنين تلك الأمور.
إذن لابد من بيان المركز القانوني للفصل العشائري في القضايا التي
تكون محلا لنظر القضاء، حيث أن القضاء هو الفيصل الذي عنده تنتهي
الخصومة من خلال الأحكام العادلة التي يصدرها بحق المتخاصمين، ومن أهم
الأمور التي يتطرق إليها عند النظر، هو التعويض عن الضرر الذي أحدثه
الجاني بحق المجني عليه، عندما يتعلق الأمر بالقضاء الجنائي والتعويض
عن المسؤولية في نطاق القضاء الحقوقي أو المدني، ومن خصوصيات التعويض
ذلك الذي يتعلق بتعويض المجني عليه أو ذويه في المجال الجنائي، فكثيرا
ما نرى وجود فصل عشائري يعالج تلك الحالة، التي يطلق عليها في القانون
الجريمة او المخالفة التي جرمها القانون، وهذا كما أسلفت له دور كبير
في إطفاء الفتنة والحفاظ على وحدة المجتمع ولحمته، لكن هل هذا الفصل
العشائري يكون ذو اعتبار عند القضاء حينما ينظر في الخصومة المعروضة
عليه؟
الجواب يتمثل في كون القانون قد حدد المركز القانوني للمجني عليه او
ذويه، وهذا محدد في القضاء الجنائي، حيث أن مهمتهم هم ووكلائهم تنحصر
في المطالبة بالتعويض مما لحقهم من ضرر، ولا تؤثر مطالبتهم باتخاذ
الإجراءات القانونية من عدمه على المركز القانوني للمتهم عندما يتعلق
الأمر بالحق العام، إلا إذا كانت تلك الأفعال تقع ضمن أحكام المواد
القانونية التي تقبل الصلح فيكون عند ذاك دور لتنازل المدعين بالحق
الشخصي تجاه إنهاء الخصومة القانونية.
لذلك نرى كثير من الحالات التي يقع فيها الصلح العشائري، ويحدد
بموجبها الفصل العشائري، لا تكون ذات قيمة اعتبارية في تغيير المراكز
القانونية للخصوم في القضية المنظورة من قبل القضاء.
ومما تقدم يكون من الضروري أن يلتفت القائمون على تطبيق تلك القواعد
الأخلاقية العشائرية إلى مراعاة حقوق ذوي المجني عليه، الذين هم ذوي
اعتبار قانوني امام القضاء، وربط الفصل العشائري المتعلق بالتعويض
بهؤلاء حصرا، من اجل تحقيق التوافق بين التطبيق القانوني السليم
والقاعدة الأخلاقية، التي نسعى لتحقيقها وديمومة فرضها.
كما لابد من الإشارة إلى أن ذوي المجني عليه الذين لهم حق المطالبة
بالتعويض أمام القضاء في القضايا الجنائية هم، المجني عليه الذي وقع
عليه الضرر أو ورثته الشرعيين في حالة وفاته، والذين تحددهم القسامات
الشرعية حصرا، وليس لأحد سواهم تأثير في معطيات القضية.
لذا فان للعشائر دور كبير في تعزيز القيم الأخلاقية التي تنسجم مع
شريعة الله وحكم القانون. |