تسولنا للحرية

مازن مرسول محمد

  هل فكرنا يوماً بمعنى الحرية وأبعادها الغامضة والمشفرة جداً، وهل تعني لنا ربما فقط حرية الرأي والتعبير والحصول على الحقوق كافة، ام انها ذلك المصطلح الحاضر برسمه والغائب بمضمونه الحقيقي ؟

  كثيراً ما سمعنا وعايشنا مناداة الجنس البشري بالحصول على حريته سواءاً ما تعلق منها بفك لجام الافواه او المطالبة بتقرير المصير وحق التعبير وعدم إخفاء الرأي، ولكن هل تحققت لأي من الشعوب والمجتمعات البشرية حريةً يوتوبية منشودة، وهل ستتحقق فعلاً على ارض الواقع ؟

  إن كل شيء لا يمكن ان يتحقق بشكلٍ كلي يلبي طموحات الانسان، والا لما اصبحت هناك حياة وعدالة في السماء، ويبقى سعينا للحصول على الحرية المطلقة مطلباً صعب المنال وغايةً في الاهمية.

  فصعوبة الحصول على الحرية المبتغاة نابع من عدم جديتنا في طلبها، وايضاً صعوبة توافقنا حسب مصالحنا وأهدافنا، اذ قد تعتبر كل جماعةٍ انسانية ان حريتها تستلزم ان تغتصب حق الآخرين بدون شعورها بالأمر، وبذلك تضيع علينا الحقيقة وتتشابك الامور الى حد التعقيد ولا نعرف اية حريةٍ نتوسل ونطلب، وهل هي في محلها ام لا.

  ان الحصول على الحرية ربما لايقتصر على حصول الفرد على مستلزمات عيشه وحقوقه في التصويت وابداء الرأي وغيرها من الحقوق الكافلة لحياته، حتى يعد نفسه بأنه يتمتع بالحرية التي يسمعبها وكيف ان البشر في بقاع الارض يبغي الوصول لها. فهل سأل هذا الانسان نفسه هل انه مثلاً حراً في جعل وطنه قبلةً للعالم ولا تطأه أقدام الغزاة، وهل له الحرية بتوحيد العالم لنبذ الشر وفتح الأبواب على مصراعيها لكل خير ووئامٍ قادم.

  قد يظن الانسان ان تمتعه بالحرية مقصوراً على الامور التي تكفل حياته دون النظر الى امورٍ استراتيجية تخدم الانسان على المدى البعيد. فليس الانسان حراً ولا يتمتع بنسبةٍ كبيرة من الحرية، وحتى الانسان في بعض المجتمعات المراعية لحقوق البشر فيها، لا ينبغي ان يدعي انه قد حصل على الحرية، فهو قد نال حريةً منقوصة غير كاملة، فهل يستطيع ذلك الشخص وكحقٍ له على اعتبار انه انساناً حراً ان يدعوا الى نبذ العنف في العالم وتوحيد الصفوف لمقاومة الارهاب، فهل يجد من يلبي طموحه ام انه سيشعر بخيبة امل تجعله يعود القهقرى والتفكير ملياً بأن حريته تتمثل ربما فقط بإبداء رأيه ولكن دون تنفيذ له.

  وذلك ما هو حاصل اليوم في مجتمعنا العربي، فالكثير من العرب قد هالهم موقف العرب المتشرذم، وكثيراً ايضاً منهم له الرغبة الكبيرة في توحيد الوطن العربي صوتاً وعملاً ووحدةً، وذلك من ابسط حقوق الانسان العربي في مناداته بتوحيد أرضه وقوميته، لكنه يجابه بصدماتٍ لا تحقق مبتغياته وبذلك سلبت حريته او انها اصيبت في بعض أجزاؤها.

  انني اليوم عندما أطالب بجعل وطني كتلةً واحدة لا تتجزأ وهو حق يعبر عن حريتي في ابداء الرأي وتنفيذه، ولكن التصارع المحموم والأيديولوجيات المتناقضة تسحق حقي العام هذا وتعبر عن حرياتها وحسب المصلحية المنشودة.

  ان هناك العديد من البشر يطلب حريته في سلوكيات ذات ضررٍ لباقي الناس، باعتقادهم بأنهم مغصوبي الحق ولا يمكن كبت حرياتهم، فجل ما يدور اليوم هو جاهزية مصطلح الحرية كشكل دون الوصول الى المبتغى الحقيقي من مضمونه، حيث إن مرونة هذا المصطلح جعله يحتمل اشياءٍ اكثر من طاقته، فلا يعقل ان يتمتع انسانٍ على هذه الارض بكامل حريته، فهل أستطيع انا مثلاً كعربي ان أطالب بتحرير الارض العربية من براثن المستعمرين ويلبى طموحي هذا، نعم انا ومن هم على شاكلتي نطالب ولكن اين مطالبنا من التحقيق، وهل سيجد نداء كل إنسان يبغي رؤية الصفات الانسانية  في توحيد العالم ونبذ الخلافات اية اذناً صاغية، ام ان حريتنا باتت تتعلق بحرية الكلام ليس الا دون ان يكون هناك صدىً لذلك الكلام في التحقيق.

  ربما يكون البشر حقيقةً في وضعٍ يثير العطف والشفقة، فنحن ندعي في بعض مجتمعاتنا بأننا قد تحررنا وقد أصبحت الحرية في متناول أيدينا، إلا اننا وللأسف لم نصب من جوهر الحرية الا فتاتٍ قليل وهو على الاقل ضامنٍ ربما لعيشنا في تلك المجتمعات، فالحرية ذات بعدٍ كبير ولا يمكن ان تبقى ضمن حدودٍ معينة.

  إذن يكون الانسان حراً بالمعنى الجوهري للحرية عندما ينادي بوفاق ووئام الجنس البشري ويتحقق له ذلك، وهو ما يسعى له اغلب البشر وبذلك تتحقق طموحات الانسان وتمنح له الحرية.

  اننا أي البشر بعيدون الى هذه اللحظة عن الوصول الى الحرية بمعناها التام، وسنبقى نحاول ونسعى والجهود حثيثةً لاجترارها من كل منابعها عسى ان نصل الى الظفر بها بما يناسبنا يوماً ما.

شبكة النبأ المعلوماتية -اربعاء 23/تشرين الثاني/2005 -  20/شوال/1426