محاكمة الطاغية صدام: بعد 60 عاما.. ماهو دور إرث محاكمات نورمبرج؟

بعد مرور 60 عاما على بدء محاكمات نورمبرج لمحاكمة كبار المسؤولين النازيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية لا يزال صدى ارث المحكمة يتردد قويا في القانون الدولي لحقوق الانسان خلال محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وبدأت محاكمة أول 22 مسؤولا نازيا كبيرا من بينهم هرمان جورينج ورودولف هيس ويواخيم فون ريبنتروب في 20 نوفمبر تشرين الثاني 1945. وبرأت تماما ساحة ثلاثة من المتهمين لاحقا وبريء 11 متهما اخرون من بعض الاتهامات الموجهة ضدهم. وحكم على 12 متهما بالاعدام وحكم على الاخرين بالسجن لمدد طويلة. وأدين جورينج لكنه انتحر.

قال هنري كينج أحد المدعين الاصليين في محاكمات نورمبرج وعمره الان 86 عاما لكنه لا يزال يعمل استاذا للقانون في جامعة كيس وسترن ريزرف في كليفلاند بولاية أوهايو الامريكية "أدخلت (محاكمات) نورمبرج فكرة أن الافراد والدول خاضعون للقانون الدولي بما في ذلك القيود الواردة على السيادة."

ومضى يقول "بمعنى ما مثلت (المحاكمات) دخول القانون الدولي كقوة يمكن التعويل عليها في كوكبنا."

ودرست ندوة عقدت في الاونة الاخيرة في مركز الحقوق بجامعة جورجتاون جوانب أخرى من الارث الباقي لمحاكمات نورمبرج. ورفضت المحاكمات في حينه والى الابد أن يكون في مقدور متهمين بارتكاب جرائم حرب أن يدفعوا بأنهم كانوا "ينفذون الاوامر وحسب." وأرست المحاكمات مبدأ تصنيف الابادة على انها جريمة كما عرفت التخطيط والتحضير والمبادرة بشن حروب عدوانية بأنه جريمة على الرغم من انها لم تقدم تعريفا للعدوان.

وقال كينج "أجرت نورمبررج تحديثا لقوانين الحرب وأنشأت قاسما مشتركا يمكن أن يعيش في ظله ويحاكم بموجبه كافة المواطنين في العالم. وبذلك أطلقت نورمبرج الحركة الدولية لحقوق الانسان."

وتذكر بن فيرنتش (85 عاما) الذي كان كبير المدعين في المحاكمة اللاحقة في عام 1947 لمحاكمة 24 اخرين من زعماء وحدات القتل النازية المتحركة (اينشتاتسجروبن) أنه سأل أوتو اوهلندورف الذي قاد عملية ابادة في القرم كيف يبرر قتل نحو 90 ألفا من المدنيين العزل.

وقال فيرنيتش مستخدما كلمات لها وقع مخيف يوم الخميس "قال اوهلندورف انه كان دفاعا عن النفس. قال.. علمنا أنهم كانوا يخططون لمهاجمتنا ومن ثم كان من الحكمة لدينا أن نسبقهم وأن نهاجمهم."

كيف برر اوهلندورف قتل الرضع. قال فيرنيتش "قال (اوهلندورف) سيكبرون في يوم ما ويهددوننا. ومن ثم كان من الضروري قتلهم قبل أن يكون في مقدورهم تهديدنا. لكن القضاة قالوا عن فكرة قتل الناس في اطار الدفاع المسبق عن النفس هذه ان هذا لم يكن دفاعا."

ويرى باحثون أن نورمبرج هي الاب الروحي لكل المحاكمات المتعلقة بحقوق الانسان فيما بعد بدءا بمحاكمة الرئيس الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في لاهاي لمحاكمة اولئك المتهمين بارتكاب جرائم ابادة في رواندا أو فظائع في سيراليون وتيمور الشرقية ومحاكمة صدام حسين التي بدأت رسميا الشهر الماضي.

وقال مايكل سكارف استاذ القانون في جامعة كيس وسترن ريزرف الذي شارك في دورات لتدريب قضاة عراقيين مشاركين في محاكمة صدام ان صدام هو في الواقع أول شخص منذ محاكمات نورمبرج يتهم بجريمة العدوان.

وأضاف سكارف "سيتمتع صدام بحقوق لم يتمتع بها أي من ضحاياه بسبب السابقة التي وضعتها محاكمات نورمبرج." لكن محاكمة صدام لا تزال تمثل اشكالية كبيرة بعد اغتيال اثنين من أعضاء فريق الدفاع في قضية الزعيم العراقي السابق.

وتحدى صدام كما تحدى المتهمون في محاكمات نورمبرج من قبله شرعية المحكمة على أساس أنها تمثل "عدالة المنتصر". حتى في ألمانيا مرت عقود قبل أن تقبل غالبية السكان شرعية وعدالة محكمة نورمبرج.

ووجدت استطلاعات الرأي السنوية في ألمانيا التي أجرتها وزارة الخارجية الامريكية في الخمسينات والتي رفعت عنها السرية في عام 2002 أن حوالي 90 بالمئة من الالمان حتى عام 1958 رأوا أن المحاكمات لم تكن عادلة. ولم يتغير رأي الالمان تغيرا حاسما الا في السبعينات.

قال ديفيد كرين كبير المدعين الاسبق في المحكمة الخاصة بسيراليون حيث يحاكم حاليا تسعة أشخاص على الفظائع التي ارتكبت في الحرب الاهلية التي مزقت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا في التسعينات انه كان مدركا بدرجة كبيرة جدا ارث نورمبرج عند وصوله لفريتاون عاصمة سيراليون لبدء عمله في عام 2002.

وقال "كم كانت نورمبرج وفريتاون متشابهتين عندما وصلت" مشيرا الى الدمار المادي الذي تعرضت له المدينتان. ومضى يقول "كانت رائحة الموت تفوح في الهواء بالمعنى الحرفي للكلمة وظلت تفوح طوال ثلاثة أعوام أمضيتها هناك."

وأضافت محكمة سيراليون للقاموس جريمتين جديدتين ضد البشرية هما التجنيد الاجباري لاطفال دون الثالثة عشر في صراع مسلح وتزويج النساء قسرا.

وربما كانت النتيجة الاهم لمحاكمات نورمبرج هو انشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 لتشجيع حكم القانون وضمان ألا تفلت أسوأ الجرائم دون عقاب.

وقال سكارف "نورمبرج أنجبت محكمة يوغوسلافيا التي أنجبت المحكمة الخاصة لسيراليون وتيمور الشرقية والان المحكمة الجنائية الدولية."

ومن المفارقة ان الولايات المتحدة التي أصرت على انشاء محكمة نورمبرج تعارض بشدة المحكمة الجنائية الدولية قائلة انها تنتهك سيادتها واستقلالها.

ورغم معارضة الولايات المتحدة اصبحت المكسيك في 28 أكتوبر تشرين الاول الماضي الدولة رقم 100 التي تصدق على النظام الاساسي للمحكمة.

وقال ديفيد شيفر وهو سفير أمريكي متجول معني بقضايا جرائم الحرب "هذه المحكمة لن تنقضي. انها وجدت لتبقى." وينصح ادارة بوش قائلا "تعودوا عليها.. تعاملوا معها بنجاح.. حسنوا علاقتكم بها."

شبكة النبأ المعلوماتية -السبت 19/تشرين الثاني/2005 -  16/شوال/1426