كان جان نويل في الثانية عشرة من عمره حين استدرجه افراد ميليشيات
التوتسي من الشارع وأجبروه على حمل ذخائر ثقيلة في حربهم ضد الهوتو على
مشارف عاصمة بوروندي.
ويقول جان نويل الذي رفض نشر اسمه كاملا "كان أمرا رهيبا. لم أخض
تجربة الحرب من قبل. حين تسمع صوت الرصاص كل ما يدور بخلدك ان تجري
بعيدا ولكن ان فعلت سيطلق رفاقك النار عليك."
وجان نويل في السابعة عشرة من عمره الآن وهو احد ثلاثة الاف جندي من
الاطفال تم تسريحهم منذ عودة السلام النسبي الى بوروندي الواقعة في وسط
افريقيا بعد 12 عاما من الحرب الاهلية.
وعاد معظمهم الى مجتمعاتهم السابقة بمساعدة منظمات دولية مثل صندوق
الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) وحفنة من الجمعيات الخيرية.
وبالنسبة لكثيرين من المجندين الصغار الذين خاضوا الحرب الاهلية
التي سقط ضحيتها 300 الف قتيل لا يزال الصراع من أجل بدء حياة جديدة في
أوله.
ويقول ديودون جيروكويشاكا رئيس برنامج لمساعدة الجنود الاطفال على
الاندماج من جديد في المجتمع "اكبر مشكلة هي مجرد قبوله كطفل عادي في
المجتمع." وتدير البرنامج وكالة التعاون وابحاث التنمية (اكورد)
الخيرية.
ويضيف "انها وصمة خطيرة. لا يزال البعض يخشاهم ويعتقد انهم سينحرفون
او يحملون السلاح من جديد ويزعزعون استقرار المجتمع."
وتقول جماعات حقوق الانسان ان جميع الاطراف التي تورطت في اعمال
العنف في بوروندي استغلت الاطفال كادوات رخيصة للقتال يمكن الاستغناء
عنها في اي وقت واختطف كثيرون من اسرهم للعمل كحمالين وطهاة ومرشدين
ومقاتلين ولممارسة الجنس.
واجبر اخرون على التطوع في الحرب التي خاضها الهوتو ويمثلون
الاغلبية ضد التوتسي وهم أقلية ولكن يهيمنون على السياسة وأدت الحرب
الى تشريد مئات الالاف.
ويقول جيروكويشاكا "من السهل استغلال الاطفال. جند عدد كبير من
الاطفال (في بداية الحرب) في عام1993 لان كثيرين شردوا وقتل أباؤهم.
اصبحوا بمفردهم ويسهل على اي شخص ان يقول لهم تعالوا معنا الى الادغال
وقاتلوا."
وفي العام الماضي بدأت بوروندي تسريح الجنود الاطفال من جميع
الجماعات المسلحة ومن بينها الجيش الوطني وقوات الدفاع المدني
والجماعات المتمردة باستثناء قوات التحرير الوطني وهي جماعة متمردة من
الهوتو لم تشارك في عملية السلام.
وتقول وكالات المعونة انها لا تزال تضم في صفوفها جنودا من الاطفال
يستدرج اغلبهم من التلال الفقيرة المحيطة بالعاصمة بوجومبورا.
وفي يوليو تموز قال الجيش الوطني الذي يجمع الان بين الهوتو
والتوتسي انه أسر مئة مقاتل من الاطفال جندتهم قوات التحرير الوطنية
والقي القبض على البعض اثناء عبور الحدود من الكونجو المجاورة.
وابتعد بعض هؤلاء الاطفال عن وطنهم أكثر من ذلك.
واحد هؤلاء الصبية من الهوتو يطلق على نفسه اسم سافاري وكان في
الحادية عشرة من عمره ويتيما حين اندلع القتال في الضاحية التي يسكنها
على مشارف بوجومبورا في عام 1993.
وحين حاول الهرب وجد نفسه وسط سيل من اللاجئين الفارين وفي نهاية
المطاف وصل الى جنوب السودان حيث جنده متمردون سودانيون في حربهم
الاهلية. وطيلة تسعة اعوام حارب سافاري الى جوارهم وتلقى اوامر من رجال
في ضعف عمره يضربونه حين يخطيء.
ويضيف سافاري الذي انقذته طائرة هليكوبتر تابعة للامم المتحدة
واعادته لبلاده بعد ان انفصل عن كتيبته وسط قتال عنيف "اذا قالوا لك
اقتل.. تقتل واذا طلب منك ان تجلب الطعام لا يمكنك ان ترفض. لم يكن
هناك طعام كنا نصطاد الحيوانات ونطهوها."
والمصاعب التي واجهت سافاري بعد عودته لبوجومبورا هي نفسها التي
يعاني منها كثير من الجنود الاطفال السابقين وتتمثل في مشاكل نفسية
والاقصاء عن المجتمع وقلة فرص كسب قوتهم.
وقال "بعد ان تمضي سنوات طويلة في الادغال من المستحيل الحديث عن
العودة للحياة الطبيعية على الفور. ربما بمرور الوقت. انه امر صعب
بالفعل."
ويمثل الانتخاب السلس لرئيس من الهوتو على رأس حكومة تجمع بين
الهوتو والتوتسي في اغسطس اب حجر زاوية على الطريق نحو اقرار السلام في
بوروندي ولكن الفقر لا يزال يمثل تحديا كبيرا.
ويعيش كثيرون من مواطني بوروندي على مايوازي 25 سنتا يوميا ويقول
برنامج الغذاء العالمي ان 16 بالمئة من سكان البلد البالغ تعداده 7.1
مليون نسمة يحتاجون معونة انسانية دائمة.
ويواجه الجنود السابقون من الاطفال صعوبة خاصة في كسب قوت يومهم اذ
يجدون انفسهم مهمشين في القري والبلدات بينما لا تزال ذكريات الحرب
تطاردهم.
وقال جوبال شارما من برنامج حماية الطفولة في بوروندي التابع
لليونيسيف "ينبغي ان نبدأ بجعل المجتمع أكثر حساسية. ينبغي ان نقنعه
بالفائدة التي تعود علىالمجتمع والاسرة والطفل ذاته من جراء عودة هؤلاء
الاطفال."
والهدف هو الوقاية أكثر منه إعادة تأهيل.
وتقول صوفي هافياريمانا منسقة وكالة اكورد في بوروندي "لا يزال بعض
الاطفال على اتصال بقوات التحرير الوطنية. يعلمون انه يمكنهم الانضمام
اليها في اي وقت لذا احيانا يقولون اذا لم تساعدونا سنعود اليهم." |