فوضى العقل

مازن مرسول محمد

   لقد شاعت مقولات عدة تصنف البشر حسب عقولهم الجبارة والرذيلة، ولربما المتأرجحة والمتزلزلة او حتى المغيبة، وتلك التصنيفات صادرة ايضاً من عقول لربما توصيفها في محله او لا يستحق الثناء او يأخذ له مكاناً وسطاً.

  ان العقل البشري عد جوهرةً خلقها (الله) سبحانه وتعالى ليصمم به الانسان طبيعة حياته ويبني مكانته الاجتماعية ومجتمعه الاكبر، هذا اذا عمل الانسان وتصرف وفق ما مقدر لعقله ان يدفعه الى فعله، أي ان فعل العقل هو صمام امان ليصبح الكائن البشري انساناً مقروناً بعمله المجدي والمثمر والذي يشير الى الاستقامة والمنطقية. ولكن لو نظرنا وتفحصنا الجانب الآخر لوجدنا ان هذا العقل الجبار هو نفسه بتفكيره وحيلته قد دمر البشرية واهلك ابناء جنسه وتنازع وتصادم مع نفسه ومع الحياة وحتى مع طبيعة الاشياء ومسبباتها.

  لربما نتساءل، لماذا نشاهد فوضى ودمار بشري وانزلاقات وتفكك مجتمعي واسع المساحة في كثير من حياتنا البشرية، وأين ذهب عقل الانسان ليقوض او يلغي هذه التناقضات، الا يغلب جبروت العقل انحطاط العقل، ثم لماذا هذا المد والجزر في خفايا العقل نفسه بين التقولب والتأرجح والصواب والتعثر.

  اننا ممكن ان نذهب الى ان هناك مهزلة للعقل البشري، ولكن ليس جزماً وقطعاً،فمتى نقول ان العقل دخل مرحلة السفاهة والتقصير كمركب ؟

  حقيقةً ان العقل البشري صاحب القابليات الفذة القائمة على افكار بناء الانسان لاجل الانسان واعمار الناس والمجتمع، يقف على الضد من ان يوصف بالهزل، الا ان ذلك لا يمنع ان تكون هناك عقول بشرية تستحق وصفاً ابلغ من ذلك، فمن الذي يعمر الافكار لتحطيم الانسان واهلاكه ومحاولة سلخه من صفحة الحياة المنعمة والهادئة، وما هو العقل الذي يحمل ذلك، هل هو مضطرب ام يحمل لوثةً ام انه يحمل هذين الجانبين جانب الشك واليقين.

  عندما خلق (الله) سبحانه وتعالى النفس البشرية قد الهمها فجورها وتقواها ووضعها في وضعيات تقبل الخير والشر في التعامل معه وتطبيقه على المجتمع، فمن دعا الى حياة مجتمعية افضل، قد غلبت تقوى نفسه على فجورها، ومن دعاه عقله ونفسه لاضرار المجتمع وتحطيمه ففجوره اقوى واغلب.

  ان العقل البشري ربما يواجه صدمات مجتمعية حادة تجعله يتأرجح بين عدة وضعيات ملفتة للنظر ومثيرة للشفقة والسخرية من جانب آخر.

   فمرة نجد الانسان جباراً في اعماله ولو بحثت في خبايا حياة هذا الانسان تراه يتصرف تصرفات هزيلة لا تتناسب وقوة عقله واعماله المشهودة، ولو نظر شخص الى جانب اعماله الساذجة فقط لانكر عليه ان يكون قد بدرت منه ردود فعل قويمة.

  فلماذا هذا التأرجح العقلي بين القوة والغلبة والثوران والتسلط وبين السفاهة والبساطة والميل الى اتفه الامور ؟ ان الامر قد جعل صورة العقل في فوضى لا تكاد تأخذ لها مستقراً.

  في جوانب كثيرة من حياة البشر نراه يتصارع ويتقاتل ومن جوانب اخرى نلمس في كلامه محاولات لاصلاح الموقف، وعند التطبيق يتخذ العقل ربما موقفاً مغايراً.

  ان العقل البشري في لحظات كثيرة يغوص في حيرة من امره حول تصرفات العقل نفسه.فعالمنا اليوم مليء بالسوداوية المحرجة التي عندما يرصدها صاحب عقلٍ ومنطقلانكر وجود عقلٍ بشري في رؤوس الكثير من الناس.

   فهل يعني ذلك ان محيلي مجتمعاتنا البشرية الى فوضى ودمار أناس أجساد بلا عقول، لان معنى العقل هو ان يفكر بما هو مفيد وقويم، اما من يحاول إنزال ويلات الحياة بأبناء جنسه فلا عقل له. ومن ذلك ينبغي لاصحاب العقول التي تشعر بالحياة وتميل الى التفكير بصدق ان تبرهن وجودها كجوهرةٍ تميز الانسان حتى يشعر بأنسانيته ويقرر وجوده كبشرٍ استخلفه خالقه على هذه الارض، والا فلا داعي للتخرصات التي يدعي بها سارقي ميزة العقل بأنهم اناس ولهم عقولٍ يفكرون بها،  فالإنسان بات مقروناً بعقله المجدي والمثمر، اما فاقدي ميزة العقل فليس من المجدي ان يوصفوا كبشر.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 24/ تشرين الأول/2005 -  21/ رمضان/1426