
تابع بعض العراقيين بارتياح بدء محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين
يوم الاربعاء لمحاسبة الرجل الذي أشقاهم على مدى ثلاثة عقود.
وهوَن آخرون خاصة من الاقلية العرب السنة بغضب من المحاكمة بوصفها
محكمة "كنجرية" لا تُراعي فيها مبادئ القانون تسيطر عليها الولايات
المتحدة وأعلنوا انهم لا يعترفون بالدعوى ضد رجل ما زال يصف نفسه
مفتخرا بأنه "رئيس العراق".
وبثت محطات التلفزيون الرئيسية في العراق أحداث محاكمة صدام حسين
ليرى العراقيون الدكتاتور السابق وهو يُقدم للمحاكمة أمام محكمة في
بغداد حيث يواجه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
وبالنسبة لعراقيين كثيرين فان العدل حلو وان تأخر.
وقال حميد حسين البالغ من العمر 25 عاما وهو يشاهد المحاكمة على
شاشات التلفزيون في متجر للالكترونيات في مدينة النجف الشيعية الجنوبية
"الشئ الجميل انه يجري بثها على الفور .. جاءت في وقتها .. الآن نبدأ
محاكمة المجرمين."
وكانت المشاعر محتدمة لدى آخرين يتجرعون آلام محنهم ويكبتون غضبهم.
وقال كراف ناهد الذي أُعدم والده عام 1991 عندما سحقت قوات صدام
حسين تمردا في النجف بعد حرب الخليج "اتمنى لو استطعت ان أُحاكمه بيدي..
ما أُريده هو الثأر."
وتتعلق الاتهامات التي يواجهها صدام باحداث الدجيل التي تبعد 60
كيلومترا شمالي بغداد حيث حاولت مجموعة من شبان البلدة لهم صلة بحزب
الدعوة الشيعي اغتياله عام 1982 اثناء مرور موكبه بالبلدة.
ويقول الادعاء ان صدام حسين اصدر اوامر بالانتقام وطلب من رجاله
ملاحقة وتعذيب وقتل اكثر من 140 شيعيا من الدجيل.
وقالت أُسر وأصدقاء الذين قتلوا في أحداث الدجيل يوم الاربعاء انهم
يأملون ان تسفر المحاكمة عن إدانة سريعة وإعدام.
وقال ليث عبد المهدي وهو رجل في منتصف العمر أمام منزله الصغير في
الدجيل "هذه نهاية كل طاغية .. لقد آذانا وآذى أقاربي وآذى أقرب
أصدقائي."
لكن اخرين يرون ان المحاكمة ما هي الا محاولة لاضفاء طابع قانوني
على الاطاحة بصدام عام 2003 على يد القوات الامريكية.
وقال أبو حامد وهو من سكان المنطقة وقد علت ابتسامة وجهه "لا تهمني
المحاكمة. لقد أُدين صدام حسين عندما أسقط تمثاله وشاهدنا ذلك في
التلفزيون."
وبدا صدام حسين متحديا يوم الاربعاء متعاليا على المحكمة التي شكلت
لمحاكمته قائلا انه ما زال الرئيس الشرعي للعراق. وانتهى الامر بقوله
انه غير مذنب وتأجلت المحاكمة الى 28 نوفمبر تشرين الثاني.
وأعرب بعض العراقيين عن إحباطهم لسوء مستوى البث.
وتساءل عدنان حامد البالغ من العمر 35 عاما الذي كان يشاهد المحاكمة
في مدينة الموصل الشمالية "اذا كانت الحكومة لا تستطيع ضبط حتى جودة
الصوت عند بث حدث كهذا فكيف يمكن ان تدير البلاد؟."
وفي تكريت معقل السنة ومسقط رأس صدام حسين التي تبعد 175 كيلومترا
شمالي بغداد نزل المحتجون الى الشوارع يهتفون لإظهار ولائهم.
واحتشد عشرات الشبان ورددوا هتاف "يعيش صدام حسين" وحملوا لافتات
كتب عليها "يسقط الاحتلال" ووصفوا الحكومة الجديدة بانها دمية في يد
المحتلين.
وقال الطالب داود فرحان (18 عاما) "المحاكمة ظالمة.. يجب ان يحاكموا
الذين يمزقون العراق وشعبه."
وراقبت الشرطة العراقية ما يحدث عن كثب لكنها لم تتدخل.
وكثيرون من العرب السنة الذين جرى إبعادهم منذ الغزو الامريكي في
تمرد علني ضد الحكومة الشيعية الكردية التي يخشون انها تسعى لوضع نهاية
دائمة لوضعهم المتميز الذي كانوا يتمتعون به في ظل حكم صدام حسين.
وتجمع الناجون من هجوم عام 1988 بالأسلحة الكيماوية على بلدة حلبجة
الكردية في المقاهي التي فتحت خصيصا في نهار شهر رمضان لمشاهدة محاكمة
صدام حسين على شاشات التلفزيون.
وقال كثيرون من الناجين من هذه المذبحة انهم كانوا يودون لو رأوا
الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين مشنوقا.
وقال بخشان محمد حاما مارد الذي فقد ثلاثة من أبنائه في الهجوم الذي
تعرضت له البلدة بالغازات السامة والذي يتوقع ان يكون اساس اتهامات
تالية بارتكاب مذابح يمكن توجيهها الى الدكتاتور السابق "ما دام صدام
حيا فان معاناتنا لن تنته."
وفي كربلاء المدينة الشيعية القريبة التي عانت مثل النجف من حملة
قمع بعد حرب الخليج 1991 قال بعض السكان ان عرض محاكمة صدام لن يفعل
لتصحيح اخطائه.
وردا على سؤال حول ما اذا كانت مهتمة بما قد يقوله صدام حسين في
دفاعه قالت حسنة جابر البالغة من العمر 43 عاما "جاءت المحاكمة متأخرة
جدا .. كان يجب ان تتم فور تشكيل الحكومة الجديدة. يجب ان نعدمه دون
حتى ان نستمع اليه."
وتظاهر عشرات من سكان الدجيل مطالبين المحكمة العراقية الخاصة
باعدام صدام مع افراد عائلته "قصاصا على ما اقترفت يداه" بحقهم. ورفعوا
لافتات كتب عليها "سكان قضاء الدجيل يطالبون باعدام الطاغية صدام حسين"
و"اللعنة على صدام والبعثية". وهتفوا "الموت لصدام" و"كلا كلا لبقاء
صدام حيا". وطالب بعضهم "باحضار بناته من الخارج لاعدامهن كما اعدم
صدام اولادنا".
ولم ينس سكان البلدة الشيعية بعد 23 عاما المجزرة ويريدون ان يكشف
صدام حسين عن المكان الذي دفنت فيه الجثث. وعلى مدى اشهر ساد الرعب في
الدجيل حيث اعتقل اكثر من 600 شخص من ثمانين عائلة ونقلوا الى سجن
الامن السري في بغداد. ولم يعد 143 منهم.
من جهتهم تباهى الاكراد في شمال العراق بتولي قاض كردي رئاسة محاكمة
صدام حسين وسبعة من معاونيه وتفاخروا بان القاضي زركار امين محمد سيقرر
مصير الرئيس السابق.
وقال سلمان رعد (23 عاما) ان النظام السابق "اعتقل جدي ووالدي وعمي
واثنان من اخوالي وكان عمري سنة واحدة (عام 1983) وامر جيد ان يحاكمه
كردي". من جهتها قالت بيمان شاكر (40 عاما) التي اعتقل شقيقها عام 1987
ولم يعرف مصيره حتى اليوم "اتمنى ان يدين العالم اجمع جرائم صدام
وعقوبة الاعدام هي اقل ما يستحقه مقابل جريمة الانفال التي ارتكبها بحق
اهلنا".
وادت حملة الانفال في 1987-1988 الى مقتل نحو 182 الفا من اكراد
العراق في عمليات تهجير جماعية ومجازر نفذها النظام في القرى الكردية
بحسب حصيلة معتمدة.
ورحب العراقيون الامريكيون الذين ظلوا مستيقظين طوال الليل لمشاهدة
بدء محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يوم الاربعاء ببدء جلسات
المحاكمة لكن البعض شكك في انه سيلقى محاكمة عادلة في ظل الاحتلال
الامريكي بينما وصف آخرون المحاكمة بأنها مضيعة للوقت ودعوا الى اعدامه.
وقال الامام هشام الحسيني أحد زعماء المسلمين الشيعة في مركز كربلاء
للتعليم الاسلامي في ديربورن بولاية ميشيجان "انه يوم سعيد لنا."
وقال وهو يتطلع الى صورة قديمة لبلدته الكاظمية في العراق "دمر صدام
مدينتي ودمر حياة كثيرين من الناس. اليوم تجري محاكمته وذلك نصر لنا."
والحسيني واحد من مئات العراقيين في ديربورن الذين ظلوا مستيقظين
طوال الليل مع أسرهم انتظارا لبدء بث أحداث محاكمة صدام حسين على شبكة
تلفزيون العراقية الفضائية.
وديربورن احدى ضواحي ديترويت وبها اعلى كثافة سكانية من العرب خارج
منطقة الشرق الاوسط.
وعلى مقربة من مركز كربلاء التف عراقيون امريكيون كثيرون حول جهاز
تلفزيون في احد المطاعم لمتابعة جلسة المحاكمة.
وقال حسن الحطير وهو نادل في المطعم "اشكر (الرئيس الامريكي جورج)
بوش لانه أسقطه (الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين). لكن الان يجب ان
تترك الولايات المتحدة المحاكمة للعراقيين والا فلن نحظي بمحاكمة
عادلة."
وشكلت المحكمة العراقية الخاصة بعد اعتقال صدام حسين عام 2003 بينما
كانت الولايات المتحدة مازالت قوة احتلال رسميا.
وتساءلت جماعات حقوقية دولية عن مدى استقلالية وحياد المحكمة ويعتقد
بعض العرب ان الحكم مقرر بالفعل.
وشابت شكوك فرحة الحسيني وهو يتابع جلسة المحاكمة .
وقال "لماذا بدأوا بهذه الجريمة الصغيرة حيث قتل 140 شخصا فقط؟ ..
لماذا لم يبدأوا بجريمة اكبر حيث قتل الالاف.؟. من الواضح ان تحديد
العملية لا يقرره العراقيون."
وظهر في البث التلفزيوني القاضي يجادل في احيان كثيرة صدام حسين
والمتهمين السبعة بشأن شرعية المحكمة والجرائم موضوع الدعوى.
وقالت زينب الحسيني البالغة من العمر 17 عاما "المحاكمة برمتها مزحة
.. بعد بضع دقائق .. شعرنا كعراقيين بالاهانة. فبدلا من التطرق الى
جرائمه ضد الانسانية .. قضت المحكمة الوقت في مناقشة أغطية الرأس
والمحامين."
وينتظر معظم العراقيين في الولايات المتحدة محاكمة صدام حسين منذ
عامين.
وقال حسن البتوير وهو مسلم شيعي يملك مقهى في ديربورن "ظللنا
مستيقظين طوال الليل. نتمنى ان يعدم.. انه القرار الوحيد المنطقي."
وبموجب القانون الحالي يجب ان يوافق الرئيس العراقي جلال الطالباني
على اي حكم بالاعدام. وعارض الطالباني في الماضي عقوبة الاعدام لكنه
سمح في الاونة الاخيرة لنائبيه بتوقيع احكام بالاعدام.
وقال راشد جاف وهو كردي فر من العراق بعد ان فقد كل اسرته في هجوم
بالاسلحة الكيماوية على مدينة حلبجة عام 1988 انه يعتقد ان المحاكمة
مضيعة للوقت.
وقال "لست ادري لماذا انتظروا عامين" فيما انخرط في البكاء وهو
يتحدث عن الهجوم بالغازات السامة على بلدته والذي قتل فيه نحو خمسة
الاف مدني.
واضاف "لا حاجة الى محاكمة.. يجب ان يعدم."
 
 |