قال
الإمام المجدد "قدس سره " في كتابه الرسالي صلح الإمام الحسن عليه
السلام:
إن للإمام الحسن عليه السلام مقامات عظيمة وفضائل كثيرة، أشار إليها
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في كلماته ومواقفه الشريفة....فعن
أبي هريرة قال:ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعا، وذلك أنه أتى
يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسول
الله يفتح فمه ويدخل فمه في فمه ويقول "اللهم إني أحبه وأحب من
يحبه"يقولها ثلاث مرات (1)
المدخل:
يعيش المسلمون بحق، هذه الأيام ذكرى الإمام الحسن عليه السلام في
يوم مولده، والتي نستقبلها بعد أن مضى علينا ثلث هذا الشهر الفضيل،
ونبقى بحاجة دائمة إلى أن نستنطق التراث الإسلامي بمصادره ومعالمه
الزكية، في ما قدمه إلينا من صورة الإمام المجتبى عليه السلام، عندما
كان في طفولته، ثم في شبابه وكيف كانت علاقاته بآله وكيف كانت إمامته
وكيف كان رد فعله على الذين وقفوا في وجه إمامته وتمردوا عليه وآذوه
وغصبوه حقه وحاربوه ثم قتلوه، وعن آفاق الإمامة، هل وصلت إلى الوعي
الإسلامي الراهن؟ هذا نزر يسير من فيض غزير من الخطوط العريضة الكامنة
في سيرة الإمام الحسن عليه السلام والتي من شأنها أن تثير فينا دفائن
العقول والقلوب، إنها أمور لابد أن نتعرف إليها كبارا وصغارا عندما
نريد أن نثير ذكرى حبيبنا المجتبى عليه السلام في وعينا الإسلامي وفي
الوعي الإنساني أجمع، لأن دروسه نال منها البعيد قبل القريب.
من هنا أيها الإخوة علينا أن نستذكر أئمتنا لنستلهم سبل السلام من
ذكراهم وحبهم وولايتهم، ونعيش في رحاب كلامهم ومواقفهم فتكون صورة
الإمامة والولاية والتشيع والإسلام واضحة في أذهاننا.
أولا: لأن الإمام الحسن عليه السلام الذي نقتدي به..
كما هو الإمام في العبادات والمعاملات، والإمام في الفقه والحديث
والتفسير وفي كل مباحث الدين الإسلامي، هو الإمام أيضا في السياسة
والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي كل جوانب الحياة، تماما كما هو شأن
أئمتنا عليهم السلام وبالتالي نلتقي بنبوة الرسول الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم من خلال لقائنا برحابة الإمامة ووعينا العميق لها.
ومما ترويه السيرة عن أخلاقه عليه السلام، أن شاميا ممن ثقفهم
معاوية على بغض علي وأهل بيته عليهم السلام وركز في نفوسهم سب ولعن
أمير المؤمنين عليه السلام وفرض على أئمة الجمعة التابعين له هذا
الأمر. لقد رأى هذا الشامي الإمام الحسن عليه السلام في الطريق فجعل
يلعنه ويشتمه والحسن عليه السلام لا يرد عليه، فملا فرغ من السباب
والشتم، أقبل عليه الإمام عليه السلام وفي محياه خطاب القرآن
العظيم:"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"فسلم عليه وتبسم في وجهه
وقال له:" أيها الشيخ لو إستعتبتنا أعتبناك ولو سألتنا أعطيناك، ولو
إسترشدتنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك وإن كنت طريدا آويناك وإن كنت
جائعا أشبعناك وإن كنت عريانا كسوناك وإن كانت لك حاجة قضيناها لك فلو
حركت رحلك إلينا وكنت ضيفا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا
موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا"
فبكى الشيخ ثم قال:"أشهد أنك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث
يجعل رسالته" وحول رحله إليه وكان ضيف الإمام الحسن عليه السلام إلى أن
أرتحل.
إنه ديدن أئمة أهل البيت عليهم السلام ومنهج الرسالي الذي يستهدف
العفو ولتربية والتوعية لمن أساء إليه وجعله يترك ما هوفيه بمحض إرادته
وبإثارة دفائن عقله وفطرته.
"ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "
(فصلت/34)
و" من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (البقرة
/194)
والله تعالى يقول أيضا في محكم تنزيله: "وأن تعفوا أقرب للتقوى"
(البقرة/237)
وكما ورد عن أبه أمير المؤمنين عليه السلام:"فلا يكن أفضل ما نلت
في دنياك بلوغ لذة وشفاء غيض ولكن إطفاء باطل وإحياء حق"
إن إقتداءنا بالإمام الحسن عليه السلام يجب أن ينطلق على أساس أن
نتحرك كما تحرك وننفتح على الرحمة الإلهية كما انفتح عليها.
ثانيا: كيف نقرأ السير ؟
لعل أغلب الذين درسوا صلح الإمام المجتبى عليه السلام ممن لا
يعتقدون ولايته وإمامته وولاية وإمامة الأئمة عليهم السلام لم يدرسوا
ما قبل الصلح مما أنساهم بعد النظر ودقة الرأي وصحيح العقيدة والمودة
في القربى، وهذه مشكلة العديد من الكتاب والباحثين الذين يناقشون
التاريخ بالمنهج التجريبي البحت، بحيث يأخذون عينات تاريخية ومن خلالها
يصدرون أحكامهم بعفوية وراحة ضمير وتصبح هذه الأحكام فيما بعد بديهيات
تاريخية لا تقبل المناقشة...وهذا فعلا ما حصل مع صلح الإمام الحسن عليه
السلام وصور (بكسر الواو) الإمام عليه السلام بأنه الإنسان المسالم
الذي لا يعيش في شخصيته معنى التحدي، وربما ساء أدب البعض منهم بأن
قالوا عنه عليه السلام –وبئس ما قالوا- كان يعيش الضعف في شخصيته.
لكننا لو تأملنا قليلا في سيرته العطرة لوجدنا جواهر ثمينة ومواقف
حكيمة، لأن شخصيته عليه الصلاة والسلام أيها الأحبة، حركت أسلوب العنف
من دون أن تبتعد عن الخط الإسلامي الأصيل في كل أبعادها وصلحه كان صلح
من أجل مستقبل الإسلام، وكان مهد النهضة الحسينية العظيمة المباركة،
وفي هذا الصدد نشير لفكرة الصلح التي بدأت تلوح في الأفق السياسي
الإسلامي مستغلة صلح الحديبية وصلح الإمام الحسن عليه السلام لتتحدث عن
الصلح مع سرطان العالم إسرائيل.
لابد أيها الإخوة، أن يعطينا صلح الإمام الحسن عليه السلام وعيا
سياسيا في مراحل واقعنا الإسلامي ونجدد التزامنا به وبإمامته وبخطه
وبكل ما نصح وما وعظ وما وصى به عليه السلام: "لا تهريق في أمري محجمة
دم حتى نلقى رسول الله فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا..."
لقد اتهموا قبلنا أئمتنا عليهم السلام بكل اتهام وهذا إمامنا المجتبى
عليه السلام، قالوا عنه الكثير لا لأنهم يعتقدون فيه تلك الصفات،
ولكنهم يقولون عنه ، وعن أئمتنا عليهم السلام وعن علمائنا الأجلاء ذلك
ليحاربونا بالكلمات، إناه حرب الأعصاب لنفقد التوازن الإسلامي ويناشين
الولاية والطهر والتشيع وبالتالي الإسلام الصافي النقي من قلوبنا
وعقولنا ومجتمعاتنا. ليقولوا ما يريدون ليست مشكلة "قد نعلم إنه ليحزنك
الذي يقولون فإنهم لا يكذبوك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" (الأنعام
/33)
والإمام الحسن المجتبى عليه السلام آية من آيات الله الكبرى كما هو
جده صلى الله عليه وآله وسلم وأبوه النبأ العظيم وأمه الصديقة وأخيه
الشهيد عليهم الصلاة والسلام.
لا تزال عندنا بقية أن نستلهم من نور الحسن المجتبى عليه السلام، لا
تزال عندنا بقية أن ندقق في تفاصيل سيرة سيد شباب أهل الجنة بعقولنا
التي تسأل عنه وبقلوبنا التي تحبه وبمواقفنا التي تنادي وحسناه....لا
نزال نتطلع لبقية الله عجل الله فرجه الشريف ونحن لم نراجع علاقاتنا
بآبائه عليهم السلام، لنضبط علاقاتنا بهم، فمن استطاع أن يضبط علاقته
بهم عليهم السلام فسيضبط علاقته بالقرآن ويضبط علاقته بالله وتثبت
قدماه يوم تزل الأقدام.
لنكن أحبتي مع صلح الحسن ونهضة الحسين عليهما السلام، لأنهما كانا
عليهما السلام معا، لنكن مع وحدة الأمة الإسلامية ومع الدعوة إلى الله
وفي سبيل الله لنستذكر دائما قول الله عز وجل:إن هذه أمتكم أمة واحدة
وأنا ربكم فإعبدون"
والسلام على الإمام المجتبى عليه السلام، يوم ولد ويوم أستشهد ويوم
يبعث حيا
(1)بحار الأنوار ج43 ص266 ب12 ضمن ح 23
(*)كتاب وباحث إسلامي جزائري
[email protected] |